الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاسم والمسمى

الاسم والمسمى
20 نوفمبر 2013 20:53
يقتضي التأليف، في شتى صوره وأشكاله، توافر استجابة جماهيرية، وبيئة ثقافية حاضنة تحتفي به وتكرمه، محفزة المؤلف على الخلق والابتكار، وبذل المزيد من العطاء، والارتقاء بمنجزاته الفكرية والإبداعية. ولقد عدت الجوائز الأدبية في العصر الحديث شكلاً من أشكال تكريم الكُتاب على المستويين: المادي والمعنوي، وتكريساً لمكانتهم ضمن المشهد الثقافي، فضلاً عن أنها تمثل اعترافاً بقيمة الإبداع ودوره في الحياة الإنسانية. ويمكن القول إن الوعي بأهمية الجوائز الأدبية في العالم العربي جاء متأخراً، مقارنة مع العالم الغربي، الذي اعترف مبكراً بدورها في تنشيط الحياة الثقافية، فظهرت الجوائز الأدبية تتويجاً لنهضته الثقافية والحضارية، معلِّية بذلك من شأن أدبائه وعلمائه ومفكريه. وتبعاً للإحصاءات المنشورة، فقد بلغ عدد الجوائز المعروفة في العالم خمسمائة جائزة تقريباً، واتكئ في ذلك التعداد على جملة من الأسس كالديمومة، والمنهج الواضح المعلن، فضلاً عن المكانة التي تتمتع بها الجائزة والأصالة، كالشهرة دولياً وإقليمياً ووطنياً. وقد تباينت تصنيفات تلك الجوائز بتاين أهدافها وغاياتها وتطلعاتها، فظهرت جوائز متخصصة نوعاً، كتلك التي تُمنح في تخصص علمي دقيق، أو لجنس أدبي بعينه كالرواية، أو المسرح، أو القصة القصيرة. وثمة جوائز تقتصر على إقليم أو بلدٍ بعينه، أو مخصصة للناطقين بلغة ما، وهناك ـ في المقابل ـ جوائز لا تضع قيوداً جغرافية أو لغوية، وهي تُمنح في حقول الدراسات الإنسانية أو الاجتماعية أو العلوم التطبيقية. خريطة دولية ولقد كانت جائزة نوبل (Nobel Prize 1901) أول جائزة عالمية مرموقة ترى النور، وهي الجائزة الأشهر والأضخم مادياً، وتُمنح في مجال الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والاقتصاد والسلام. وأصبح نيلها يمثل أقصى طموح الأدباء والمبدعين. وتلاها في الظهور عدد من الجوائز الأدبية المهمة كجائزة (غونكور) التي أنشئت عام 1903، وهي معنية بالأدب المكتوب باللغة الفرنسية، وتشمل الرواية والقصة القصيرة والشعر والسيرة الذاتية. وفي الولايات المتحدة الأميركية ظهرت جائزة (بوليتزر) التي تُمنح في مجالات الخدمة العامة والصحافة والأدب والموسيقى، وقد أنشئت عام 1917، وفي بريطانيا ظهرت جائزة بوكر عام 1968، وهي من أهم الجوائز الأدبية المخصصة للأعمال الروائية باللغة الإنجليزية، وتُمنح لأفضل رواية مكتوبة باللغة الإنجليزية، وتقتصر على مواطني المملكة المتحدة، ودول الكومنولث، وجمهورية إيرلندا، ولقد تقرر بدءاً من عام 2014 أن يتاح التقدم لها من جانب كل من يكتب بالإنجليزية، ولقد تفرعت عنها جائزة “بوكر” الروسية، التي تأسست عام 1992، وجائزة كاين للأدب الإفريقي عام 2000، و”بوكر” العربية عام 2007. وفي إسبانيا، ظهرت مجموعة من الجوائز أشهرها جائزة ميجيل دوثيربانتس وقد أنشئت عام 1976، وهي تُمنح لكاتب عن مجمل إنتاجه الإبداعي، وتقتصر على مواطني الدول الناطقة بالإسبانية. ريادة مصرية أما الريادة في مضمار منح الجوائز عربياً، فإنها تسجل لمصر، إذا ما استثنينا “جائزة المغرب العربي”، التي أنشأها الاستعمار الفرنسي عام 1925، وظلت حكراً على الفرنسيين حتى فاز بها الكاتب المغربي أحمد الصفريوي، وقد بدأت مصر في منح الجوائز منذ عام 1958 عبر المجلس الأعلى للثقافة، الذي أطلق مجموعة من الجوائز كـ “جوائز الدولة التقديرية” و”جوائز الدولة التشجيعية” و”جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي”، الذي يعقد كل عامين، ويعد واحداً من أهم الملتقيات العلمية المخصصة للرواية. وفي عام 1996، أنشأ قسم النشر بالجامعة الأميركية في القاهرة “جائزة نجيب محفوظ”، وهي تمنح لإحدى الروايات العربية الحديثة ضمن حفل يقام كل عام في الحادي عشر من ديسمبر، وهو اليوم الموافق لمولد الكاتب الكبير نجيب محفوظ. وفي عام 1977 أنشئت “جائزة الملك فيصل العالمية”، وهي تمنح للعلماء والكتاب الذين قدموا إسهامات متميزة في مجالات الإسلام، والدراسات الإسلامية، والأدب العربي، والطب، والعلوم، وقد منحت الجائزة أول مرة عام 1979. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، ظهرت مجموعة من الجوائز الأدبية المهمة، كجائزة سلطان العويس الثقافية، التي تعد واحدة من أهم الجوائز في الوطن العربي، وقد تأسست عام 1988 بمبادرة منه، تعبيراً عن اهتمامه بالإبداعات الفكرية والأدبية، وهي تمنح مرة كل سنتين عن مجمل نتاج المبدع في مجالات الشعر، والقصة، والرواية، والمسرحية، والدراسات الأدبية والنقدية وكذلك العلوم الإنسانية. وفي عام 1996، أنشئت جائزة الشارقة للإبداع العربي، وهي موجهة إلى الشباب العربي حتى سن الأربعين. وفي عام 2007، أطلقت “الجائزة العالمية للرواية العربية”، النسخة العربية من جائزة “بوكر” البريطانية، وهي جائزة سنوية تدار بالشراكة مع مؤسسة جائزة “بوكر البريطانية” في لندن، بدعم من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة. وظهرت في المغرب العربي مجموعة من الجوائز الأدبية أشهرها “جائزة أبي القاسم الشابي”، التي تأسست عام 1984 تكريماً لشاعر تونس الأشهر، وتشرف عليها وزارة الثقافة والتراث التونسية، وهناك أيضاً جائزة “كومار” للإبداع الروائي باللغتين العربية والفرنسية، وقد تأسست عام 1994. وفي الجزائر، خصصت جمعية “الجاحظية” الثقافية جائزة تمنح للرواية، وتهدف إلى تطوير التجربة الروائية في دول المغرب العربي. أما في المملكة المغربة، فهناك “جائزة محمد زفزاف للرواية العربية”، وهي تُمنح على هامش مؤتمر “أصيلة” الثقافي كل ثلاث سنوات. حكاية جائزة تبدأ قصة جائزة الشيخ زايد للكتاب في عام 2006 عندما تقرر إنشاء جائزة علمية ثقافية تحمل اسم الراحل الكبير الشيخ زايد لدوره الريادي والحضاري في التنمية وبناء الإنسان، وهي جائزة محايدة تشرف عليها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، وتمنح سنوياً لمفكرين وباحثين وأدباء شباب وناشرين، وذلك عن إسهاماتهم في ميادين ومجالات معرفية وأدبية متعددة، وفق معايير علمية وموضوعية. وقد أراد القائمون على هذه الجائزة منذ تأسيسها أن تكون اسماً على مسمى، مستلهمة الرؤى الفكرية، والروح الحضارية، والإرث التنويري لصاحبها، انطلاقاً من وعيه بقيمة الإرث الثقافي والحضاري لأمته، القائم على روح التسامح، والدور الريادي ـ تاريخياً ـ في قيادة العالم إبان عصر الأمة الذهبي، والإيمان الراسخ العميق بدور الكتاب كأداة لنشر العلم والمعرفة، والتواصل الإنساني بين الثقافات، وجسر الهوة فيما بينها. وما اقتران اسم صاحب هذه الجائزة بالكتاب سوى ترجمة لمقولته الشهيرة: “الكتاب هو وعاء العلم والحضارة والثقافة والمعرفة، والآداب، والفنون، وإن الأمم لا تقاس بثروتها المادية وحدها، إنما تقاس بأصالتها الحضارية، والكتاب هو أساس هذه الأصالة، والعامل الرئيس على تأكيدها”. وتمثل هذه الجائزة تكريماً للمبدعين والمفكرين والباحثين، واحتفاءً بهم وتقديراً وتشجيعاً مادياً ومعنوياً، وتعريفاً بهم عربياً وعالمياً، عبر حرصها على عقد الندوات الثقافية، وحضورها في معارض الكتاب الدولية ـ باعتبارها من أهم المنافذ للإعلان عن الجائزة ـ ونشر محتواها الثقافي، وفتح آفاق العالمية للفائزين بالجائزة أمام الباحثين والمفكرين، وتحفيزهم على الخلق والابتكار والتجديد، والارتقاء بمشاريعهم ومنجزاتهم الإبداعية، من أجل خلق حالة ثقافية وتنويرية تتجاوز السائد وتعيد للثقافة العربية وهجها وتألقها، وتجدد دورها الحضاري والريادي إبان عصورها الذهبية. قيمة مضاعفة ومما أضفى على الجائزة قيمة مضاعفة، على الرغم من تأخر ظهورها، التفاتها إلى ميادين بحثية أغفلتها منظومة الجوائز العربية والعالمية كدراسات النقد التشكيلي، والنقد السينمائي، والموسيقى، والمسرح، وفنون الصورة، والعمارة، والخط العربي، والنحت، والآثار، كما غطت الجائزة مجالات وتخصصات جديدة لم تلتفت إليها الجوائز الأخرى من قبل، كفرع أفضل تقنية في المجال الثقافي، الذي تمنح جائزته لدور النشر والتوزيع الورقية، ومشاريع النشر والتوزيع والإنتاج الثقافي الرقمية والبصرية والسمعية، وكذلك شخصية العام الثقافية مما جعلها قبلة اهتمام الباحثين والمفكرين وصناع الثقافة في العالم أجمع، ذلك أن منحها في بعض الفروع لا يقتصر على الباحثين والمفكرين وصناع الثقافة العرب، ولاسيما بعد أن استحدثت الجائزة فرعاً للثقافة العربية في اللغات الأخرى، الذي يشمل جميع المؤلفات الصادرة باللغات الأخرى عن الحضارة العربية وثقافتها. وفضلاً عن ذلك، فإن الجائزة تفرد فرعاً للترجمة، يشتمل على المؤلفات المترجمة مباشرة عن لغاتها الأصلية من اللغة العربية وإليها، اعترافاً منها بدور الترجمة في إثراء الفكر الإنساني العالمي، وجسر الهوة الثقافية بين الأمم والحضارات، مسلطة بذلك الضوء على الترجمة بوصفها نشاطاً أدبياً وفكرياً يدفع الثقافة إلى تجاوز نفسها باستمرار، عبر تأمل ذاتها في السياقات الثقافية المختلفة. وما التفات الجائزة إلى شريحة مهمة من شرائح المجتمع عبر تخصيصها فرعاً من فروعها للمؤلف الشاب، سوى وسيلة لتشجيع هذه الشريحة، التي تعد عصب المجتمع ومستقبله، ومحاولة لتفعيل طاقاتهم الإبداعية الخلاقة، وتكريسها في سبيل الارتقاء بمستقبل أمتهم، لذا فإن جائزة الشيخ زايد للمؤلف الشاب هي شكل من أشكال الدعم المادي والمعنوي لهذه الفئة، بغية تحفيزها على الإبداع والتأليف من جهة، ومساعدتها كي تجد هويتها الثقافية وتحافظ عليها من جهة أخرى. وما يعزز هذا التصور اهتمام الجائزة أيضاً بما يقدم إلى الأطفال والناشئة من كتابات وإبداعات عبر تخصيصها فرعاً لأدب الأطفال والناشئة، الذي يشمل المؤلفات الأدبية، والعلمية، والثقافية للأطفال والفتيان في مراحلهم العمرية المختلفة، سواء أكانت إبداعاً تخييلياً أم تبسيطاً للحقائق التاريخية والعلمية، في إطار جذاب، ينمي الحس المعرفي والجمالي معاً. وهكذا، فقد حظيت جائزة الشيخ زايد للكتاب بمكانة مرموقة ضمن منظومة الجوائز العربية والعالمية، بما هي مشروع ثقافي نضوي متكامل وشامل، وضع على عاتقه الارتقاء بالمشهد الثقافي العربي عالمياً. ومما أكسب الجائزة حضوراً عالمياً وشهرة واسعة موضوعيتها ونزاهتها وشفافيتها، وابتعادها عن التحيزات العقائدية والطائفية والمذهبية والإقليمية، عبر منحها لمن يستحقها، بغض النظر عن توجهاته الأيديولوجية والفكرية، وخلفيته الثقافية، ذلك أنها تتوجه إلى أعمال تتميز بالجدة والعمق والتأثير، دون النظر إلى بريق الأسماء المكرسة، وتاريخ المبدع، باستثناء شخصية العام الثقافية، التي تمنح لشخصيات قدّمت إسهامات جليلة في خدمة الثقافة. ومما عزز نزاهة الجائزة وشفافيتها حجبها في بعض الفروع لعدم وجود الأعمال التي تستحق الحصول عليها. * أمين عام جائزة الشيخ زايد للكتاب، والنص ورقة قدمت في ندوة عن الجوائز الأدبية أقيمت في إطار الدورة الثانية والثلاثين لمعرض الشارقة الدولي للكتاب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©