السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاستثمار في الهوية..

الاستثمار في الهوية..
20 نوفمبر 2013 20:55
حتى عام 2020، الذي سيشهد إقامة معرض “إكسبو” الدولي الشهير، ستكون الكثير من المبادرات الثقافية قد انطلقت من مؤسسات ليس بالضرورة أنها تنتمي في توجهها وعملها إلى الثقافة. لقد دفعت المبادرة التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة بالتقدم لاستضافة هذا المعرض الذي يقام كل خمسة أعوام في مدينة من المدن الصناعية في العالم وأقيم للمرة الأولى في عام 1851، غالبا، بالعديد من المؤسسات ذات الطابع إلى تبني الفعل الثقافي بوصفه جانبا من جوانب العيش الاجتماعي في مدينة دبي التي يعرفها العالم بوصفها واحدة من أهم المراكز الاقتصادية في العالم. ومن باب العلم بالشيء، فإن “إكسبو الدولي” يمثل اليوم نقطة التقاء رئيسية للمجتمع الدولي لمشاركة الابتكارات وإحراز تقدم بشأن القضايا التي تهم العالم كالاقتصاد العالمي، والتنمية المستدامة، وتحسين مستوى المعيشة لجميع الناس في مختلف أنحاء العالم. كما أنه يستقطب ملايين الزوار القادمين لاستكشاف الأجنحة والفعاليات الثقافية التي ينظمها مئات المشاركين بما في ذلك الحكومات، والمنظمات الدولية، والشركات. ويعد “معرض إكسبو الدولي” حافزاً قوياً لعملية التحول الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، ناهيك عما ينجم عنه من تركات قيّمة للمدينة المضيفة والبلد المضيف. فعلى سبيل المثال، ساعد “معرض إكسبو شنغهاي 2010” على تحويل منطقة الصناعات الثقيلة التي تقع وسط مدينة شنغهاي الصينية إلى منطقة نابضة بالازدهار التجاري والثقافي. وقد استرعى هذا المعرض ـ الذي أقيم تحت شعار “مدينة أفضل، حياة أفضل” ـ اهتمام نحو 73 مليون شخص. وسوف تقام النسخة القادمة من معرض إكسبو في مدينة ميلانو الإيطالية عام 2015 تحت شعار “تغذية الكوكب، طاقة الحياة”. وقد تقدمت دولة الإمارات العربية المتحدة هذا العام بطلب استضافة معرض إكسبو الدولي 2020 في دبي تحت شعار “تواصل العقول وصنع المستقبل”، وسوف يستمر لفترة أقصاها ستة أشهر، حيث يستقطب هذا المعرض ملايين الزوار. وعلى مدى تاريخ تنظيم معارض إكسبو الدولية لم تتم استضافتها من قبل في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا. وهذه المعلومات عن المعرض مستقاة من “ويكبيديا ـ الموسوعة الحرة”، لكنها في الوقت ذاته على درجة عالية من الأهمية التي تتيح للمرء إدراك ما الذي يعنيه أن يُقام هذا المعرض في دبي، فهو ليس أقل شأنا من استضافة كأس العالم، على المستوى الثقافي والاقتصادي والتجاري، إنما هو أقل شهرة فحسب بين الناس. فضلا عن تبني ندوة الثقافة والعلوم الشعار الذي توجهت به الدولة نحو دبي في “إكسبو 2020” في ملتقى النحت الدولي الذي أسست له ليستمر بدءا من هذا العام مع دورته الأولى التي انطلقت في الثامن عشر من فبراير الماضي وحتى العاشر من مارس الذي تلاه... فضلا عن ذلك فقد أسس مركز راشد لعلاج ورعاية الطفولة “ملتقى دبي التشكيلي الدولي”، الذي أقيمت دورته الأولى في الأول من أكتوبر وحتى الثامن منه، بمشاركة تسعة وعشرين فناناً من الإمارات والوطن العربي والعالم، قدموا من واحد وعشرين دولة، حيث حمل البيان الصحفي الذي أعلن من خلاله عن الملتقى أن “ملتقى دبي التشكيلي الدولي تظاهرة حضارية تؤكد أولاً جدارة دبي في الاستضافة والتنظيم ـ أي إكسبو 2020- كونها حاضنة للأفكار الخلاقة وتفتح ذراعيها وقلبها لكل مبدع يجعل الحياة في عيوننا أكثر جمالاً ورحابة”. من الجدير بالملاحظة هنا، أن مركز راشد لعلاج ورعاية الطفولة هو مركز خاص تأسس في دبي عام 1994 على يد أحمد هاشم خوري وإقبال خوري، بهدف رعاية وعلاج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، ما يعني أنه قد جرى بذل جهد حقيقي لتأسيس هذا الملتقى وتوفير الدعم له من قبل مؤسسات أخرى اقتصادية وغير اقتصادية خاصة وعامة، بما شاءت له إدارة المركز أن يكون تناغماً مع الشعار “تواصل العقول وصنع المستقبل”. وفي الحقيقة، فإن هناك جهودا أخرى تنصب في الاتجاه نفسه قدّمتها مؤسسات أخرى تتبع حكومة دبي أو تتصل بها بشكل أو بآخر، وباتت ترفع الشعار ذاته وتذهب نحو مشاركات عربية وعالمية فضلا عن المحلية، بهدف جعله حقيقة واقعية تطمح دبي إلى الوصول إليها في مجال التبادل الثقافي والتجاري. هذا الأمر، إن تداعت إلى تحقيقه مؤسسات أخرى غير معنية بالثقافة، وخاصة المالية منها، سوف يجعل رأس المال المحلي والمستثمر في دبي يتوازيان في الفعل مثلما يحفز رأس المال هذا على الكفّ عن إدارة ظهره للفعل الثقافي، والنظر إليه بجدية أعلى تجعل من خطاب الثقافة ولغتها لغة أقرب إلى الناس كلهم في دبي التي تنطوي على تعدد ثقافي لم يتم استثماره معرفيا على نحو جيد حتى الآن. بهذا المعنى، وثقافيا، من الممكن لتجربة “إكسبو 2020” أن تكون الفرصة الأكثر صدقية في التعبير عن التركيبة الثقافية لدبي، دون أن تخسر جانبا من هويتها العربية والإسلامية وبما يجعلها في الوقت نفسه مدينة عالمية “تستثمر” تعددها الثقافي في صالح هذه الهوية. والحال أنه إذا تمّ النظر إلى “إكسبو 2020” من قبل رأس المال المحلي بجدية أكبر على أنه أيضا فرصة لتقديم وجه آخر لمدينة دبي في العالم، فإن ذلك سوف يسهم في تعزيز صورة دبي بوصفها حاضرة إماراتية وعربية وإسلامية يجدر العيش بها، ولا تمثل بالنسبة للقادمين إليها مجرد فرصة عمل مارقة أو مستدامة. من هذا الباب، فإن ارتفاع مستوى الجدية في التعامل مع ملف “إكسبو 2020” ثقافياً سوف يعبّر عن نفسه في العام المقبل بالمزيد من المؤسسات غير ذات الصلة بالثقافة التي تبادر إلى فعل ثقافي في الاتجاه نفسه دون أن تحمّل الثقافة منّة أو جميلاً، ودون أن تعتبر نفسها سلطة على الثقافة وتملك الحقّ المطلق في توجيهها على هذا النحو أو ذاك. وهناك العديد من التجارب التي خاضتها مؤسسات اقتصادية ومالية محلية ودبوية بالذات تقدم نموذجا من “التصالح” الكريم بين الثقافة ورأس المال المحلي، وبالتحديد مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية بجائزتها المعروفة بين كل المثقفين العرب ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث الذي يضم بين جنباته ما هو من أهم المخطوطات العربية والإسلامية. خلاصة القول إن المال الكريم والعفيف الصادر عن نفس كريمة وعفيفة، إذ يتوجه إلى الثقافة، فإنه بالتأكيد يؤدي إلى فعل ثقافي كريم يحدق في المستقبل ويطمح إلى ما تقوله الآية الكريمة: “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©