الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صراع في «وول ستريت جورنال»

21 فبراير 2017 00:52
قد يكون روبرت مردوخ هو أكثر ناشري الصحافة الأيديولوجية الحديثة نجاحاً. فهو يشتري مؤسسات وأصول وسائل الإعلام، وينشئ وسائل إعلام جديدة ويحولها إلى أبواق محافظة. ففي إنجلترا دفع بحذر بصحيفة «التايمز» الوقورة إلى اليمين، بينما سخرت صحفه التابلويد التي تعتمد على الإثارة من سياسيي حزب «العمال» لتجعلهم في صورة الضعفاء أو الطغاة! وفي الولايات المتحدة حول مردوخ صحيفة «نيويورك بوست» التي كانت ليبرالية ذات يوم، إلى صحيفة إثارة تابلويد محافظة. وأنشأ شبكة «فوكس نيوز» من العدم. ويعتقد كثير من المحررين أن رئيس التحرير جيرارد بيكر الذي كان معلقاً محافظاً شديد المراس يحاول أن يضفي صبغة مردوخ على «وول ستريت جورنال». وقد ظهر الاستياء إلى العلن الأسبوع الماضي في قصص نشرتها مواقع «بوليتيكو» و«هوفنجتون بوست». وذكر «جو بومبيو» من موقع «بوليتيكو» للصحافة السياسية أن بيكر وصف في اجتماع مع الصحفيين يوم الاثنين الماضي الانتقادات الموجهة لخطه التحريري بأنها «أخبار ملفقة». وأنا أعتقد، كقارئ ومعجب بالصحيفة منذ فترة طويلة، أن المنتقدين من الداخل محقون. فبوسع المرء أن يلاحظ أن التوجه السياسي لصفحات الأخبار أصبح أكثر وضوحاً، وأن فريق العمل في الصحيفة يتراجع عن تقديم الصحافة الجيدة التي تفضح إدارة ترامب ويلجأ إلى التمرد الهادئ. ولنأخذ مثال تغطية الصحيفة لمزاعم ترامب المتعلقة بتزوير الأصوات. فقد كانت القصص قوية في الغالب، وتشير إلى أن ترامب ليس لديه أدلة. ولكن أحد الصحفيين ذكر أن العناوين أصبحت تميل عادة إلى الاختزال، واعتاد الصحفيون والمحررون على «قص جوانب» القصص المتعلقة بترامب وخاصة في العناوين والفقرات الأولى. والتمرد يظهر في الفقرات اللاحقة حين يسرد الصحفيون معلومات صادمة مهمة. وهناك نقص في القصص المزعجة، فلم تُنشر قصة قط عن دعم ترامب للمؤمنين بتفوق البيض. وهناك قحط في القصص عن تغير المناخ والمهاجرين المذعورين. وقد ذكر محرر مخضرم أن القصص اللافتة للانتباه عن ترامب «مثيرة للدهشة» وتعدها صحفية نشرت ذات يوم على تويتر صورة لها وهي تبتسم على طائرة ترامب! وبصفة أكثر عموماً، فالصحفيون قلقون بشأن الود الصحفي تجاه ترامب. ومن الجدير بالذكر أن إيفانكا ترامب كانت حتى وقت قريب في مجلس أمناء شركات مردوخ. وفي مكتب الصحيفة في واشنطن، ثارت الدهشة حين اتصل مساعد بيكر ليسأل كيف يرسل لترامب تذكاراً وهو لوحة طباعة من عدد يغطي صعود ترامب السياسي. وصفحات الأخبار في الصحيفة مثل مثيلاتها في «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» وغيرها طمحت إلى الموضوعية. ومن الممكن النظر إلى المعركة من عدسات «فوكس نيوز». فمؤسس «فوكس نيوز» ورئيسها السابق روجر إيلز كان يعلم أن البلاد أصبحت أكثر استقطاباً، وأن كثيراً من المشاهدين لا يريدون الموضوعية الرصينة. وكان يعلم أيضاً أن معظم الصحفيين أكثر ميلًا إلى اليسار، وأن معتقداتهم تتسرب إلى التغطية أحياناً. ولذا قدم «إيلز» استراتيجية بارعة الدهاء، تتلخص في إنشاء قناة إخبارية محافظة تستغني عن الموضوعية وأحياناً عن الحقائق بينما تزعم أنها أكثر موضوعية -أي نزاهة وتوازناً- من المنافسين! ولكن «وول ستريت جورنال» ليست «فوكس نيوز»، وبيكر، الذي أقر علناً بتزييف ترامب للحقائق، واحتفى ببعض القصص التي سردت حقائق انتقادية صادمة، ليس أيضاً «إيلز». ولكن من السهل رؤية مدى استمرار «وول ستريت جورنال» في السير على طريق مردوخ. وقد أشار صحفيون من «وول ستريت جورنال» إلى أن بيكر يعتقد أن معظم وسائل الإعلام متحيزة بشكل ميئوس منه. ويعتبر بيكر منتقديه من المتذمرين الليبراليين بغير داعٍ، وأن نهجه هو نزيه ومتوازن. وأنا أتفق معه أن التحيز الليبرالي قد يمثل مشكلة في وسائل الإعلام. ففي قضايا مهمة مثل حقوق الإجهاض والتعليم والتربية والدين، تشوه المعتقدات ذات الميول اليسارية التغطية في غالب الأحوال. وعلى «وول ستريت جورنال» وكل صحيفة أخرى أن تتصدى فعلاً لهذه المشكلة. ولكن هذا لا يعني أن الصحفيين يحمون أي طرف، بل تشير غرائز الصحفيين وحوافزهم إلى غير ذلك. وهذا ما جعل وسائل الإعلام تقدم تغطية شديدة العداء لقضية البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون مما أضر بالمرشحة الديمقراطية بشدة. ومراقبو شركة مردوخ يعتقدون أن أبناء قطب الإعلام الذين يصعدون في مراتب السلطة في إمبراطوريته لا يبالون كثيراً بشأن القضايا المحافظة مثل أبيهم. وإذا صح هذا، فمن الممكن أن نتصور سنوات أخرى كثيرة تظل فيها «وول ستريت جورنال» واحدة من أفضل صحف العالم لتقدم التنوير للقراء وتجعل حياة المنافسين صعبة. وعلى كل حال، هل هناك عصر أكثر أهمية من هذا للصحافة المالية المتطورة التي لا تخاف؟ * صحفي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©