الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«فوة».. قلعة صناعة السجاد اليدوي منذ زمن الفراعنة

«فوة».. قلعة صناعة السجاد اليدوي منذ زمن الفراعنة
12 نوفمبر 2012
«فوة» اسم مدينة في شمال مصر يندر أن يجهلها أحد من المهتمين بالمشغولات والحرف اليدوية في العالم، لاسيما المعنيين بصناعات الكليم والجوبلان والسجاد فعلى أرضها يتم تصنيع نحو 70 في المائة من جملة إنتاج مصر من تلك المشغولات اليدوية. غالبيته يخصص للتصدير إلى أنحاء شتى من العالم نظرا لجودته. كما يندر أيضا أن تجد من بين أهلها من يجهل أسرار تلك الحرفة التي يتوارثونها جيلا بعد جيل منذ زمن الفراعنة ما يجعل أهلها يتباهون بأنهم أصل صناعة السجاد اليدوي، وأن كل قطعة منه تمثل جزءا مهما من ‏رونق المكان الذي توضع فيه كونها تتمتع بعفوية مستقلة. كما تعكس ذوق صاحبها، وأن منتجاتهم وبشهادة الأسواق والمعارض الدولية ليست مثل أي قطعة ديكور أخرى ‏فلابد أن تجد مكانها المناسب حتى تكون متناغمة مع غيرها من قطع الأثاث. محمد عبدالحميد (القاهرة) - تتبع مدينة فوة إداريا محافظة كفر الشيخ، وتطل على فرع رشيد أحد فرعي نهر النيل وتبعد عن مدينة القاهرة مسافة 181 كيلومترا من جهة الشمال، وتعد بمثابة مصنع كبير لمشغولات النسيج اليدوي إذ تقدر مساحتها بنحو 25279 فدانا، ويعمل غالبية سكانها البالغ تعدادهم قرابة 144 ألف نسمة بالنسيج اليدوي على النول التقليدي في إنتاج الكليم والجوبلان والسجاد، وهو ما أشار إليه تقرير أخير صادر عن معهد التخطيط القومي المصري حول أسباب استحواذ مدينة فوه وحدها على أكثر من 70 في المائة من إجمالي ورش صناعة السجاد والكليم اليدوي في مصر، منوها إلى أن المدينة تضم 10 آلاف نول تمثل 3 آلاف ورشة، كما تضم أيضا 70 مصنعا للغزل تقوم بتحويل الصوف والحرير الطبيعي إلى مادة خام يسهل استخدامها في صناعة الكليم والسجاد، كما تضم 40 مصنعا لبرم الغزل، وعشرين مصبغة لصبغ الخيوط، كما توجد جمعيتان لرعاية هذه الصناعة. منتجات فاخرة تنتج فوة نحو 11 نوعا من الكليم الفاخر المعد للتصدير والجوبلان السياحي الذي يعلق على الحوائط وهو مرسوم برسوم مستوحاة من الطبيعة والبيئة إلى جانب آلاف القطع من سجاد الحرير الطبيعي ويبلغ متوسط المبيعات في هذه الصناعة حاليا قرابة 800 مليون جنيه سنويا مما جعل من أرضها مقصدا لكثير من تجار المنتجات اليدوية في العالم وكذلك السياح القادمين إلى مصر، لاسيما من منطقة الخليج العربي وأوروبا وأميركا. لا يعرف أحد على وجه الدقة أصل تسمية المدينة بهذا الاسم «فوة» فهناك عدة روايات متداولة بين أهلها أبرزها أنه اسم أميرة فرعونية حكمت تلك الناحية من أرض مصر قبل آلاف السنين. وهناك من يعتقد أن سبب التسمية يرجع إلى أن أحد الأسباط من أبناء نبي الله يعقوب وكان يدعى»فوة» قد عاش ومات هنا في زمن تولي أخيه يوسف عليه السلام وزارة مصر فسمي المكان باسمه. وقد اشتهرت فوة كثيرا في زمن محمد علي باشا مطلع القرن التاسع عشر حيث صارت مركزا مهما لإنتاج الكتان والطرابيش والكليم وسجاد الحرير الفخم، وكان محمد على يقدمه ضمن هداياه للملوك والأمراء. وكل زائر لتلك المدينة يتوقف أمام ازدحام الحارات والأزقة بالورش وعشرات الأنوال الخشبية التقليدية التي يجلس أمامها بالساعات صناع مهرة من كافة الأعمار في عمل دؤوب يغلب عليهم الصمت والتأمل لحالة التناغم بين الخيوط والألوان كما لو كانوا يرسمون لوحات فنية بديعة من وحي البيئة التي حولهم من دون الاستعانة ‏برسوم محددة أو نماذج أو أجهزة الكمبيوتر. إلى ذلك، قال الصانع نبيل عبدالناصر «غالبية الرسوم التي تزين النسيج اليدوي لاسيما قطع السجاد والكليم اليدوي لأبناء فوة مستمدة من واقع البيئة الريفية، ووحي التراث المصري والإسلام فهناك رسوم لطيور وعصافير وحقول مزدانة بالمحاصيل المختلفة و‏‏رسومات فرعونية كالأهرامات وتماثيل ملوك الفراعنة، وأخرى إسلامية للمساجد والقباب والمآذن والهلال إلى جانب أخرى تحتوى على آيات قرآنية بالخط الكوفي أو النسخ لاسيما ان غالبية تلك القطع الفنية يكون الغرض منها تزيين الحوائط لاسيما في الأماكن الراقية كالقرى السياحية والفنادق الكبرى وقصور ومنازل الأثرياء. ويرجع عبدالناصر أسباب تميز منتجات فوة في هذا المجال إلى‏ اعتماد أهلها على استخدام الألوان الطبيعية المستخلصة من نبات الكركديه ونبات المضر الذي يستخرج منه الصبغة الحمراء ونبات ليبيتولا الذي تستخرج منه الصبغة الصفراء وغيرها في التلوين بما يضفي جمالا وتناسقا فريدا، موضحا أن السياح الأجانب والعرب هم أكثر الزبائن إقبالا على اقتناء مثل هذه ‏المشغولات اليدوية بغرض إضافة لمسة جمالية في منازلهم وقصورهم. مقومات الصناعة حول أهم مقومات العمل في صناعة النسيج اليدوي، يقول سامح عبدالرحيم، نساج من أهل فوة، إن أهم تلك المقومات تتمثل في الصبر وقوة الملاحظة والتركيز الشديد إلى جانب الدقة والخيال الفني والمقدرة على تذوق جمال الألوان وهي جميعها صفات تكتسب منذ الصغر وبالتدريب المستمر، ولذا يندر أن تجد ورشة تخلو من طفل أو أكثر يتعلم ويعمل بها حيث تحرص الأسر بجانب إلحاق أبنائهم بالمدارس على تعليمه أيضا مهنة نسج السجاد والكليم، ولو حتى ساعتين أو ثلاث يوميا، ولذا فبمرور الوقت يكبر الطفل وحب العمل على النول يجري في دمه، حتى لو اتجه للعمل كمدرس أو محام أو حتى موظف بالحكومة فهو ميال إلى انتهاز وقت فراغه في الجلوس أمام النول. ويشير إلى أن قطعة الكليم اليدوي أقل سعرا من قطعة السجاد اليدوي حيث يبدأ سعر متر الكليم من 75 إلى 150 جنيها بينما السجاد من 400 – 2000 جنيه، لافتا إلى أن كلا منهما ينتج من الصوف ولكن كثافة الغرز والعقد في السجاد أضعاف الكليم، كما أن السجاد يحتاج إلى فترة كبيرة من الوقت للانتهاء من سجادة واحدة بينما قطعة الكليم (قطعة من النسيج توضع على الطاولات مثلا) متوسطة الحجم 3 أمتار لا تتجاوز سبعة أيام. ويشير إلى أن الإقبال على الكليم اليدوي يعد كبيرا لاسيما لمن يهوون استخدامه في تزيين الحوائط والكليم في مصر نوعان الأول شعبي يصنع في فوة بكفر الشيخ وساقية أبو شعرة بالمنوفية والأخر بدوي تشتهر به واحة سيوة بالصحراء الغربية ومدينة العريش بسيناء والواحات البحرية بالجيزة ولكل منهم طريقة تطريز وعقدة مختلفة وألوان أيضا حيث يميل كليم فوة إلى الألوان الحمراء الداكنة ودرجات البني والأصفر الداكن بينما الكليم البدوي يميل إلى الألوان البيضاء والأسود والأزرق. كما تشتهر «فوة» أيضا وفقا لإحصائيات وزارة السياحة بكونها ثالث مدينة بعد القاهرة ورشيد من حيث عدد الآثار الإسلامية حيث بها مساجد أثرية وقبات ومزارات بعضها تم بناؤه على أنقاض الحضارتين الفرعونية والرومانية بالحجارة الأثرية من الجرانيت الأبيض والأحمر والكتابات الهيروغليفية والتي يمكن تبينها بسهولة في مساجد الشيخ عبدالرحيم القنائي والأمير حسن نصر الله والشيخ أبو المكارم والشيخ شعبان وداعي الدار وقبة مسجد الشيخ أبي النجاة والشيخ العمري والسادات. وكذلك في أثار ربع الخطابية والتكية الخلوتية والتي تعد من الآثار النادرة في العالم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©