الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مهرجان الإمارات للنخيل والتمر يكرس وفاء الإنسان للنخلة

مهرجان الإمارات للنخيل والتمر يكرس وفاء الإنسان للنخلة
25 نوفمبر 2011 00:08
إنها حكاية آسرة.. أو لعلها أكثر من ذلك، أياً يكن الأمر فإن الفرصة متاحة للإصغاء، والموقف محرض على متابعة أدق التفاصيل، قصة حبة تمر تمردت على قوانين الوقت فظلت بهية ناضجة مثمرة رغم تعاقب أيامه والسنين، حفظت إنسان هذه البلاد في أيام الشظف وقصر ذات اليد، فحفظها في أوقات الرخاء وتدفق النعم، حكاية وفاء إذن؟ لعلها كذلك أو ربما أكثر منه، عاصفة عشق مثلاً، ذكرى تظل برغم الزمن نضرة براقة، تحمي أواصر الود، وتعزز مكامن الصلة. وكانت النخلة رفيقة المواطن الإماراتي، وموضع اعتزازه، استظل بفيئها من حر الصحراء، بنى منزله من جريدها، تناول تمرها على موائده المتقشفة، تفنن في تصنيع خوصها مفسحاً في المجال أمام مخيلته الخصبة لتبدع ما أمكنها أن تفعل.. حصل ذلك وأكثر منه ذات أيام شحت فيها منح الحياة.. فلما أجزلت الدنيا عطاءها حرص الإماراتي على أن يبقى وفياً لنخلة حمته في أوقات الشدة، ظل النخيل يتعملق في البوادي، وراح يدخل حدائق المنازل وأروقة المطارح الفخمة.. وبدت اللحظة ملائمة لترك تفاصيل الحكاية تنساب على ألسنة الرواة، فتؤنس وتبهر وتثمر ظلالاً وارفة من المجد والفخر. علي العزير (أبوظبي)- يمثل مهرجان الإمارات الدولي للنخيل والتمر الذي تستضيفه قاعات مركز أبوظبي الوطني للمعارض، بعض تجليات الصلة الراسخة بين الإنسان والمكان، حيث تحتل النخلة ركناً هاماً من الأحاديث الشيقة التي تثار في أروقة المعرض، يأتي المهرجان متزامناً مع اليوم الوطني الأربعين لدولة الإمارات العربية المتحدة، لذلك كان التركيز مبرراً على الاحتفاء بالنخيل، وتعزيز التقاليد الغذائية المحلية بين مختلف شرائح الجمهور، إضافة إلى تعميق العوامل الكامنة خلف شعبية الثمرة المحببة. مفاجأة الأسماء افتتح المهرجان بمشاركة أكثر من مئتي عارض من دولة الإمارات والعراق والمملكة العربية السعودية، والأردن وإيران، إضافة إلى شركات التصنيع والإنتاج، حيث بدا سعي القيمين على المهرجان واضحاً لتحقيق هدفين متوازيين: يتمثل الأول بتأمين منصة تجارية ملائمة لقطاع التمور عبر تعريف الجمهور بأنواعها وبمستخرجاتها المصنعة، في حيت يعكس الثاني احتفائية باذخة وضرورية بثقافة النخيل. منذ الخطوة الأولى تطالعك أصناف شتى من التمور يصعب عليك حصرها: قرينية، مكتومي، سكري القصيم، حوشانة، نبتة الإمام، ضنيانة، وغيرها كثير تمثل تموراً تظنها للوهلة الأولى متماثلة، لكن سرعان ما يبين لك الخبراء مواطن اختلافها، ونقاط تمايز بعضها على بعض، ثمة أصناف لا حصر لها من التمور. مجوهرات من تمر في إحدى منصات العرض تلفت النظر مصوغات من التمر وقد رصعت بالمكسرات الفاخرة، الأرجح أنها أكثر من مجرد طبق غذائي يصلح للأكل، المشهد على بهائه الفائق يكاد يغوي بالحفاظ عليه سليماً، ويحرض على أن تشبع العين ولو جاعت المعدة، أصحاب النخيل يمنحون التمور ما تستحقه من الدلال، ويسبغون عليها ما يليق بها من الأسماء، كذلك هم يقدمونها بصورة مناظر فنية مستوفية لشروط الإبداع. مشاهد أنيقة تسترعي الاهتمام، وخلفها وجوه باسمة مرحبة تحض العابرين على تذوق المعروضات الشهية، فإن للقهوة العربية مكانها ومكانتها هنا. يقول العارض العماني عبد العزيز السبياني، بينما هو يصب القهوة لزواره الكثر باحترافية مضيافة: التمر يقبل التعامل معه بأشكال مختلفة، ولكل أسلوب مذاقه ونكهته المختلفان، وقد دخلت الآلات في تصنيع التمور، لكن الأيدي الماهرة تبقى محتفظة بدورها في إضفاء الكثير من الرونق على مستوى الشكل، والتميز في ما يخص الطعم.. يضيف السبياني: بالرغم من الجهد المبذول، والوقت المستهلك، إلا أن العاملين في تزيين قوالب التمر يجدون متعة في تحويلها تحف فنية، ترتسم فوقها أشكال شتى، أكثر ما يفضلون تصميمه عبر حبوب المكسرات المؤلفة غالباً من الفستق والبندق واللوز والكاجو، هو أشجار النخيل الشاهقة، فتجد الكثير من تلك القوالب وقد غدت أقرب إلى واحة صحراوية مكتظة بنخل من كل صنف ولون.. رواية مستمرة بين المصنعات التمرية ما يشعرك بالدهشة، فإلى جانب المعجون المغطى بالسمسم والمكسرات، ثمة النوغا المصنعة يدوياً، والتي تمتلك مذاقاً متفرداً، لا يستطيع المرء الادعاء أنه عرفه سابقاً، وهناك مادة تسمى الكيف تضاف إلى القهوة فتحسن من نكهتها وطعمها، وهناك كذلك “آيس كريم” التمور الذي يقدم في ماكينات حديثة، تشبه مثيلاتها المستخدمة في العادي منه. بالتجوال في أروقة المعرض يقع المتابع على ما لا يخطر ببال من أصناف التمر الموضبة بطرق شتى، أشكال كثيرة تفتقت عنها الذهنية الخلاقة التي استوحت من النخلة وتمورها ما يسعها أن تكرمها به من إضافات نوعية إلى القيم المميزة التي تمتلكها بذاتها، وعندما نقع على الآلات المعقدة التي جيء ببعضها إلى المعرض، فيما جرى عرض طرائق عمل البعض الآخر عبر شاشات تلفزة عملاقة، يكون ممكناً، بل وضرورياً، حينها أن نتأمل في هذه الثمار الصغيرة كيف فرضت نفسها على عقول العالم وأدمغته دافعة بها إلى التفكير ملياً في طرائق الاستفادة من خواصها المتعددة، فصممت الآلات من أجلها، وطورت الأجهزة الحاسوبية، واخترعت البرامج المتعلقة بها. الترفيه أيضاً إضافة إلى منصات العرض التي امتلأ بها جناح رحب من مركز أبوظبي الوطني للمعارض، حرص أهل المهرجان على ايفاء البعد الترفيهي حقه، فخصصت أماكن لفعاليات متعددة منها محطة للطهي الفوري حيث تعاقب عدد من الطهاة على انجاز وصفات غذائية معتمدة على التمر، وسط مشاركة بعض المهتمين الذي حرصوا على تعلم وصفات الطهي الجديدة، خاصة أن معظمها كان سريع التحضير، كذلك كانت هناك واحة لزراعة النخيل حيث يقوم الراغبون من الزوار بفرصة لزرع الفسائل والحصول على معلومات أساسية حول كيفية الاعتناء بالنخيل ورعايته، وبعد غرس البذور في المساحة المخصصة لها ستحمل كل شجرة اسم الزائر الذي زرعها، وفي نهاية المهرجان سيتم نقل جميع الأشجار إلى قلب أبوظبي بهدف اضافة لمسات الطبيعة الخضراء والمساهمة في تحقيق رؤية قادة الدولة في مدينة رائعة ومتألقة. كما حظي الأطفال بفرصة للترفيه في فضاء المهرجان حيث خصصت لهم أماكن لتسلق أشجار النخيل اعتماداً على وسائل مدروسة توفر عناصر الآمان كافة، وهناك تجري منافسات لاختيار أسرع متسلق، سيحصل الفائز فيها على جائزة.. وفي زاوية متاخمة خصصت طاولات رسم للأطفال تتعلق بالنخيل والتمر. الفن دائماً لم يغب الفن عن المهرجان، وفي زاوية مشرفة على المكان أقامت الفنانة المواطنة عزة القبيسي معرضها الثنائي، حيث خصص جزء منه لأعمال المصوغات الذهبية والفضية تحت عنوان “لمسة ابداع”، فيما أطلق على الثاني تسمية “أجيال” وهو يضم منجزات تشكيلية ابدعتها أيدي القبيسي الخبيرة، فكان جريد النخل الذي شغل حيزا من المكان باسطاً سطوته المهيبة عليه، فيما لون زوار المعرض سيقان الجريد بألوان شتى من تداعيات أفكارهم، وكان لألوان العلم الإماراتي نصيب وافر منها. عن رؤيتها لتجربة المواطنين الحياتية تقول الفنانة القبيسي: ارتباط أهلنا بأشجار النخيل والغافة قديم وراسخ، فالبيت مصنوع من جريد النخل، والأكل في معظمه يعتمد على تمورها، والغافة كانت تشكل غالباً موئل الظل عندما تشتد حرارة الشمس. وتستطرد موضحة: الغافة شجرة قوية تعاند الموت، وتمد جذورها عميقاً في الأرض، وهي لا تطالب الإنسان بالرعاية المستمرة، بل يمكنها الإستمرار مهما تكن الظروف صعبة، في حين أن النخلة تحتاج إلى الإهتمام حتى تكون مؤهلة لمنح الثمار. أرى أن الإنسان الإماراتي يشبه الشجرتين معاً، لكنه أكثر تماهياً مع الغافة، فهو متمسك بجذوره، قادر على الاستمرار مهما قست الظروف.وعن تجربتها الفنية توضح محدثتنا: أعتبر نفسي صاحبة رسالة، وأنا معنية بإبراز جذور بلادي الحضارية، وتوثيق الروابط بين الماضي والحاضر، كما أنني مهتمة بأن يكون نتاجنا الفني معبراً بصورة دقيقة عن هويتنا التاريخية، وأن يكون لنا بالتالي مشروعنا الحضاري النابع من ذواتنا والمحافظ على أصالتنا، والمتوافق مع هويتنا.. النهوض الحضاري تكشف القبيسي الحائزة على مجموعة من الجوائز، آخرها جائزتا الإمارات لفئتي ريادة الأعمال والعمل المجتعي أنها تسعى لنقل تجربتها إلى الراغبات من فتيات الإمارات، وهي أقامت لذلك أكثر من مشغل تستقبل عبرها مجموعة من المواطنات، وتقدم لهن المعرفة، وتتعهد مواهبهن بالرعاية، ذلك إيماناً منها بأن المعرفة يجدر بها أن تتناقل وتعمم، حيث يمثل ذلك شرطاً أساسياً لتحقيق عملية النهوض الحضاري. أيضاً بين جنبات المهرجان كان الفنان سعد المطروشي يمارس تجلياته الإبداعية في الحفر على الرمل، وهو يسارع إلى القول إن الأمر يمثل هواية بالنسبة له، فهو لم يتعلمه بطريقة أكاديمية، وهو يعمل في السلك الدبلوماسي، وقد سبقت له المشاركة في المهرجان العالمي للحفر على الرمال الذي استضافه كورنيش أبوظبي في شهر فبراير الفائت، حيث حفر يومها رأساً من الخيل، وذلك آنسجاماً مع شروط المشاركة التي تستدعي أن يكون المنجز معبراً عن التراث الإماراتي. مشاركة المطروشي في مهرجان النخيل تمثل نخلة سقطت على الأرض بفعل سوسة تنخر في عمقها، وهو بذلك يدعو إلى التنبه من مخاطر الآفات التي تتهدد النخيل. يؤمن المطروشي بكون الحفر على الرمل من الفنون المتميزة التي يمكن متابعتها خطوة بخطوة، حيث جمهورها يختلف عن جمهور الرسم التشكيلي الذي “يشاهد على الجاهز” وفقاً لتعبيره، ولا تزعجه فكرة أن منجزه ستذروه الرياح بعد أن ينتهي منه، فهو يكتفي بصور له من جهات ثلاث تؤمن له الديمومة. الفن التشكيلي ضم المهرجان معرضاً مشتركاً للفنان مهاب لبيب وزوجته حنان فتحي، شراكة الحياة امتدت بينهما نحو الفن، حيث يقوم أحدهما بتأسيس اللوحة ليكملها الآخر. شارك الثنائي في معظم معارض الاتحاد النسائي العام الخاصة بالأسر المنتجة منذ العام 1995 وقد حازت الفنة فتحي على درع جمعية سيدات الأعمال في أبوظبي، تقديراً على مشاركتها المتعددة، وعلى التبرعات التي تقدمت بها لجمعية الهلال الأحمر الإماراتي. اللوحات المعروضة متعددة الأنواع بينها ما هو منفذ بالألوان المائية، وتقنية الغرافيك، والحبر الصيني الأسود، وسواه بالباستيل والزيت، وهي أعمال تجاري البئة الإماراتية، كما يحترف الفنان لبيب رسم البورتريه، حيث يضم معرضه العديد من الرسومات للقادة الإماراتيين، مع إضافة لمسات فنية معبرة، كذلك تحضر الخيول والفروسية في لوحاته ناهيك عن البحر وسائر مفردات البيئة الإماراتية، وصولاً نحو الأعمال اليدوية من الخوص والسعف وسواها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©