الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السبكي واجه السجن والعزل لاصراره على كلمة الحق

25 نوفمبر 2011 00:13
القاهرة (الاتحاد) - الإمام السبكي من أبرز العلماء في القرن الثامن الهجري، حيث كانت له عناية فائقة بتدوين أصول الفقه، وحقق مكانة علمية فريدة وتولى العديد من المناصب الرفيعة، وتسببت كتاباته ومواقفه واجتهاداته التي اتسمت بالنقد الشديد لأحوال عصره مما يمس المتسببين في اثارة الاحقاد والعداوات والتعصب المذهبي ضده فعزل وسجن. وقال الدكتور محمد متولي منصور الاستاذ بجامعة الازهر، ولد أبو نصر عبدالوهاب بن تقي الدين أبي الحسن علي بن سوار بن سليم السبكي الشافعي، ونسبته إلى سبك الأحد قرية من أعمال المنوفية بمصر وكانت تسمى “سبك العبيد وبسبك العويضات”، والملقب شيخ الإسلام وتاج الدين سنة 727، وقيل 728، وقيل 729 هجريا بالقاهرة، ونشأ في أسرة عرفت بالعلم والمعرفة، فأبوه هو الإمام شيخ الإسلام تقي الدين علي بن عبدالكافي “756هـ” من كبار أئمة الشافعية في عصره، وجده زين الدين عبدالكافي “735هـ”، وأخوه الأكبر بهاء الدين أحمد بن علي “773هـ”، وأخوه الآخر جمال الدين الحسين بن علي “755هـ” وكلهم من العلماء الأكابر، وساهمت هذه البيئة العلمية في صقل مواهبه وتهيئته لطلب العلم والتبحر في علومه، وسمع بمصر من جماعة، ثم رحل مع والده الى دمشق وقرأ على الحافظ المزي، ولازم الذهبي وأجازه ابن النقيب بالإفتاء والتدريس وهو ابن ثماني عشرة سنة وحصل فنونا من العلم في الفقه والأصول والحديث والعربية والتاريخ. تعدد صفاته وكان رحمه الله، ذا بلاغة وطلاقة لسان وجرأة جنان، وذكاء مفرط واسع الاطلاع، وكان جوادا كريما، صبورا على الشدائد، ولورعه وتقاه وعلمه انتهت إليه رئاسة المناصب الادارية والقضاء والخطابة في الجامع الأموي بدمشق عدة مرات، ونزل له الذهبي عن مشيخة دار الحديث الظاهرية قبل وفاته. وصنف التاج السبكي -رحمه الله- مصنفات كثيرة تدل على براعته وتقدمه في جل العلوم الإسلامية من أشهرها “نونية في العقائد”، و”قواعد الدين وعمدة الموحدين”، و”رفع الحوبة في وضع التوبة”، و”تشحيذ الأذهان على قدر الإمكان في الرد على البيضاوي” و”الأشباه والنظائر في الفروع الفقهية الشافعية”. ودرس الإمام تاج الدين في كثير من المدارس العلمية الكبيرة التي كانت قائمة في دمشق، فقد درس في العزيزية، والعادلية الكبرى، والغزالية، والعذراوية، والناصرية، والأمينية، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، والشيخونية والتقوية وغيرها، فتخرج على يديه جمع من الفضلاء والعلماء منهم الإمام الشهير قاضي القضاة الفيروز آبادي، والشيخ ابن جماعة، وأبوموسى بن إسحاق، والشيخ علاء الدين الحسباني، والشيخ شهاب الدين المحلي الوجيزي وغيرهم. المكانة الاجتماعية واشتغل التاج السبكي بالقضاء وولي الخطابة وحدثت له فتنة شديدة بسبب توليه القضاء والمناصب العديدة التي تبوأها والمكانة الاجتماعية والعلمية المرموقة التي حازها وعجز كثير من معاصريه عن نيلها أو تحقيق بعضها، كل ذلك أثار حفيظة الحساد والمناوئين له الذين ناصبوه العداوة والبغضاء، ولقد تجلت هذه العداوة بوضوح عندما تولى التاج السبكي وظيفة القضاء في الشام سنة 756 هـ، فبدأ الحاقدون يدسون الدسائس، ويثيرون الشبهات حول الإمام، ويطعنون في تقواه وعدالته، بل تعدى ذلك الى الطعن في إسلامه ورميه بالكفر، وكان من نتيجة هذه المحاولات أن صرف التاج السبكي عن القضاء مرارا، وكانت الأولى في سنة 759 هـ، حيث عزل وتوجه الى مصر ومكث فيها فترة قصيرة ثم أعيد الى القضاء في نفس هذا العام. أما الثانية، فقد كانت سنة 763 هـ، حيث عزل مرة أخري بأخيه بهاء الدين، وتوجه التاج الى مصر وتولى وظائف أخيه البهاء، واستمر في ذلك حتى عام 764 هـ، حيث روجع التاج في عودته الى القضاء بالشام إلا أنه رفض، فروجع في ذلك مرارا حتى وافق وهو كاره لذلك، وطوال مدة إقامته في مصر تلك الفترة حظي من الإكرام والتعظيم والتبجيل الشيء الكثير، والثالثة وهي الأخيرة وأشدها على التاج السبكي، كانت سنة 769 هـ، حيث عزل التاج عن القضاء وعن التدريس وأمر بالقبض عليه، ومصادرة أمواله والختم على بيوته. تفاصيل المحنة ولم يذكر لنا التاج السبكي تفاصيل محنته هذه، كما أن المصادر التاريخية التي ترجمت له لم تبين لنا بوضوح أسباب هذه المحنة، فمازال الكثير من الغموض يكتنف هذه الواقعة، ولكن وجدت لها إشارات منها، ما ذكره ابن حجر وابن شهبة:” أن سبب هذه المحنة هو وجود وصولات لدي الأوصياء صرفت بها أموال ولم يعين فيها اسم القابض، فحاول ابن الرهاوي إقناع ناظر الأيتام بأن يعترف أنها وصلت للقاضي تاج الدين فرفض ذلك، فآل الأمر الى اتهام القاضي بها بسعي ابن الرهاوي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©