الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

زهرة ظريف: فرنسا أبادت 8 ملايين جزائري خلال 45 عاماً!

16 ابريل 2007 01:49
الجزائر- حسين محمد: في هذا الحوار الذي خصت به ''الاتحاد''، تتحدث المجاهدة الجزائرية وعضو الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري حاليا ''زهرة ظريف'' عن ماضيها الثوري بدايةً بالسنوات الأولى لطفولتها التي تفتحت على حقيقة الاستعمار الفرنسي الاستيطاني للجزائر، ومرورًا بمرحلة الثورة الجزائرية الكبرى (الأول من نوفمبر 1954- 5 يوليو 1962) ودورها فيها ومشاركتها في ''معركة الجزائر'' عام ،1957 ثم اعتقالها وسجنها حتى استقلت الجزائر· وتطوف بنا المناضلة في رحلة تاريخية في ثنايا الثورة ودور مئات المجاهدات فيها، خلال هذا الحوار· حليب الوطنية ؟ بداية·· وأنتِ تفتحين عينيك وتكبرين في بلدٍ عرفتِ منذ الوهلة الأولى أن غرباءَ يحتلونه بالقوة· كيف ترعرعتِ في تلك الأجواء المشحونة ؟ - أنا من عائلة عريقة وُلدت عام ،1935 منذ نعومة أظافري، لاحظتُ أن الجزائر منقسمة إلى فئتين مختلفتين جذرياً من حيث نمط العيش وطريقة التفكير والدين ولغة التخاطب وغيرها من التناقضات، وربّانا آباؤنا وأمهاتُنا منذ الصغر على أن الجزائر بلدنا الحقيقي وأن الفرنسيين مستعمرون احتلوه بالقوة، ونحن نختلف عنهم دينياً ولغوياً وحضارياً، أكاد أقول إنني رضعتُ الوطنية مع حليب أمي، كل العائلات الجزائرية كانت تربّي أبناءها على هذه الحقائق، وحينما كنّا نخرج إلى الشارع ونحتك بالفرنسيين كنا نشعر بنظراتهم الاحتقارية ومعاملهتم الاستعلائية لنا· كنا نسمع في البيوت أن الجزائريين لم يرضخوا للإحتلال الفرنسي منذ أن وطئت أقدامه أرضهم في 5 يوليو 1830 وقام بالعديد من الثورات الشعبية المتتالية والضارية في مناطق مختلفة من الجزائر إلى غاية نهاية القرن التاسع عشر تقريباً حيث تمكنت فرنسا من إخمادها بالقوة بعد أن قتلت ملايين المقاومين؛ إذ أكّدت إحصائياتٌ أُنجزت سنة 1875 أن عدد الجزائريين انخفض إلى مليوني نسمة فقط بعد أن كانوا في حدود 10 ملايين عشية الاحتلال في ·1830 أي أن الإبادة الجماعية كانت رهيبة ومسّت 8 ملايين جزائري في ظرف 45 سنة وقد إعترف بذلك المؤرخون والكتّاب الفرنسيون ومنهم ''توكفيل'' الذي زار الجزائر آنذاك، وقد ناقش الفرنسيون حينها فكرة إبادة كل الجزائريين لتتسنى لهم السيطرة النهائية على الجزائر كما فعل الأوروبيون بالهنود الحمر في أميركا، وهنا أضطر الجزائريون إلى توقيف المقاومة الشعبية، وتحولوا إلى النضال السياسي منذ بداية القرن العشرين· وتعلّمنا أيضاً في بيوتنا أن الجزائر كانت دولة قائمة ومنظمة وكانت تصدّرُ الحبوب إلى أوروبا وكان أسطولها يسيطر على البحر المتوسط لمدة ثلاثة قرون، وكانت نسبة التعليم فيها عالية وتناهز النسبة الموجودة آنذاك في أوروبا، ولم تجلب لنا فرنسا الحضارة كما ادعت بل قامت بتجهيل أجدادنا الذين سلموا من قمعها، وطمست هُويّتهم وحاولت اقتلاعهم من جذورهم الحضارية ومسخهم، ووصلت نسبة الأمية سنة 1954 إلى 95 بالمائة، لكن الشعب قاوم بطريقته هذه المحاولات باستماتة كبيرة، والتفَّ حول الزوايا الصوفية التي كانت بمثابة مراكز إشعاع علمي وديني ثم مدارس ''جمعية العلماء المسلمين الجزائريين'' التي بدأت تدرّسُ الإسلام واللغة العربية تطوعياًّ ابتداء من ثلاثينيات القرن الماضي ودعمها بالتبرعات المالية، كما شدّ الشعبُ أزرَ السياسيين الجزائريين الذين بدأوا يناضلون سلمياً لنشر الوعي في صفوف الشعب واحتضنوا تجمعاتهم السرية في بيوتهم حتى لا تلاحقهم عيون الفرنسيين،وكانت عائلاتنا بهذه التربية تهيّئنا لإكمال مسيرة النضال فاكتسبنا وعياً سياسياً في مرحلة مبكرة من أعمارنا · وبعد حدوث مجازر 8 مايو 1945 التي قتل فيها الفرنسيون 45 ألف جزائري أعزل في بضعة أيام ردًّا على خروجهم في مظاهرات عقب نهاية الحرب العالمية الثانية للمطالبة بأن تفي فرنسا بوعدها لهم بمنح الجزائر الاستقلال نظير دعم الجزائريين لها بالمحاربين ضد النازيين، اقتنعنا بأن النضال السياسي بلغَ منتهاه ولم يعد قادرا على تحقيق أية نتيجة ولا بد من القيام بثورة مسلحة لنيل الاستقلال عنوة ،فكان أغلب الجزائريين مشحونين ومهيئين نفسياً لاحتضان الثورة ولم يعودوا ينتظرون سوى اندلاعها فعلياً· الثورة والاتصال بالمجاهدين ؟ وكيف تلقيتِ خبر اندلاع الثورة التحريرية في الأول من نوفمبر عام ،1954 وما هي حدود اتصالاتك الأولى بالمجاهدين؟ - كنت آنذاك أدرس الحقوق في الجامعة الفرنسية بالجزائر ولم أكن منخرطة في أي حزب جزائري، سيما وأني كنت في المدرسة الداخلية منذ المرحلة الثانوية إلى الجامعية باعتباري قادمةً من ولاية ''تيارت'' إلى العاصمة· تميّزت الثورة في بدايتها بالسرية الشديدة، وعندما فكّرت في كيفية الاتصال بالمجاهدين وجدت صعوبة كبيرة في ذلك، وحينما تمكنت عام ،1955 من الاتصال بـ''جبهة التحرير الوطني''، كلفنا بداية بالتقرب من عائلات الشهداء وعائلات المجاهدين المسجونين، وكذا الذين تعرفت فرنسا على هويتهم ولم يعودوا قادرين على زيارة ذويهم، فكنا همزة وصل بين هؤلاء وعائلاتهم، فنقوم بإيصال المساعدات المالية الشهرية التي كانت تؤمِّنها لها ''جبهة التحرير''· وبمرور الأيام، اقتنعت ''جبهة التحرير الوطني'' بأن تجنيد نساء في صفوفها سيعطي كفاحها فعاليةً ودفعاً كبيرين؛ فالمدن الكبرى وبخاصة الجزائر العاصمة كانت تعجّ بالجنود ورجال الشرطة الفرنسيين الذين يُخضعون الجزائريين في مختلف الشوارع لعمليات تفتيش دقيقة للحؤول دون انتقال الأسلحة بين المجاهدين· وكان الفدائيون الذين يقومون بعمليات ضد الفرنسيين لا ينجون بحياتهم إلا نادراً بالنظر إلى التعاون الوثيق بين الجنود والمعمّرين الفرنسيين ضد الجزائريين الذين يسهل كشفهم من خلال هيئتهم، إذ أن القليلين منهم كان يشبه الأوروبيين، أما الفتيات فقد كنّ أكثر اندماجا مع الفرنسيين منذ السنوات الأولى للدراسة، وكنا نتحدّثُ الفرنسية بطلاقة، ونرتدي أزياء أوروبية مما يسهِّل دخولنا أحياءهم الراقية والقيام بعمليات تفجيرية ضد المراكز الأمنية الفرنسية وغيرها، فاقتنع مسؤولو ''جيش التحرير الجزائري'' بتجنيدنا في صفوفه· ؟ وما هي أبرز العمليات التي قمتِ بها؟ - لا أريد التحدث عن نفسي من موقع الإشادة بما قمتُ به ، كنتُ واحدة من الذين جندوا أنفسهم لتحرير الجزائر مهما كانت التضحيات، وصادف تجنيدي بداية ما يسمى''معركة الجزائر'' في يناير 1957 وكانت معركة ضارية استمرت عاماً كاملاً في العاصمة، مدينة الجزائر كان لها وضعٌ خاص باعتبارها العاصمة وكان الصحفيون من مختلف أنحاء العالم يتمركزون بها منذ اندلاع الثورة وكانت فرنسا تريد أن تبرهن لهم أن الوضع في الجزائر عادي باستثناء عمليات قليلة يقوم بها من وصفتهم بـ''المجرمين وقطّاع الطرق''، بينما وجدتها ''جبهة التحرير'' فرصة لفضح زيف الادعاءات الفرنسية عن الحضارة وحقوق الإنسان والبرهنة أن ممارساتها الجهنمية ضد السكان الجزائريين لا تقلّ عن الممارسات النازية التي طالما هاجمتها· قمنا بعمليات عديدة ذات صدى إعلامي كبير حيث ضربنا مفتشيات الأمن والناحية العسكرية الفرنسية العاشرة وبعض الأماكن التي يجتمع فيها ضباط وجنود فرنسيون، وكنا حريصين جدا على نجاح عملياتنا والانسحاب بأمان بعدها، لأن القبض على الفدائي أو الفدائية بعد العملية يعني إخضاعه لتعذيب جهنمي يفوق طاقته على الاحتمال مما يعرّضُ أمن منظمتنا السرية التي كانت تقود ''معركة الجزائر'' إلى الخطر· كنا نعيش انسجاما تامّا في الصفوف ونملك عزيمة وإرادة قويتين، وكنا حريصين على ضرب العدو وإيلامه· ؟ صرحتِ بأن فرنسا تسببت في فقدان 200 ألف جزائري منذ ''معركة الجزائر'' إلى الآن· ما هي ملابسات هذه المأساة ؟ - حينما حيّر المجاهدون فرنسا بعملياتهم المدوّية في قلب العاصمة، جن جنونها فلجأت إلى إغلاق بعض الأحياء والشوارع بصفة كاملة، واعتقال كل من تجده في طريقها من رجال، وبعدها لا يظهر عنهم أي خبر، وبهذه الطريقة اختفى الآلاف، وقد صرح والي الجزائر ''بول هنري تيجال'' بأن عدد المفقودين تجاوز ال200 ألف وبسبب ذلك قدّم استقالته، وعُثر على جثث بعضهم في بعض الأنفاق بالعاصمة بينما لم يُعثر على الآخرين إلى اليوم· الحكم بالإعدام ؟ ما هي ظروف إلقاء القبض عليك ؟ - لقد قبض علي في سبتمبر 1957 برفقة ''ياسف سعدي'' الذي كان في نفس المكان، وبقينا أكثر من شهر ونصف لدى الأمن الفرنسي، ثم علمنا باستشهاد حسيبة بن بوعلي وعلي لابوانت· ؟ ألم يعذبوكم خلال هذه الفترة ؟ - لا، وذلك ليس رحمة بنا، بل لأن الضغوط الدولية على فرنسا اشتدت بعد مقتل القائد ''العربي بن مهيدي'' وآخرين، وشيوع الأخبار عن التعذيب الجهنمي للمجاهدين المقبوض عليهم، ولكننا إذا لم نُعذب بالكهرباء، فقد عُذّبنا نفسياً في تلك الأجواء المشحونة بعد الاعتقال، وحُوّلنا إلى السجن· ؟ وما هو الحكم الذي أصدرته ضدك المحكمة الفرنسية ؟ - كانت قد حكمت عليَّ غيابياً بالإعدام، وأصدرت نفس الحكم حضورياً على المجاهدتين ''جميلة بوحيرد'' و''جميلة بوعزة'' اللتين قُبض عليهما، وفي مايو 1958 وصل ديغول إلى الحكم فخفف الحكم عن كل المجاهدات المحكوم عليهن بالإعدام، أملاً بكسب تعاطف الجزائريين معه، وتمّ نقلنا إلى عدد من السجون الفرنسية حيث بقيتُ رفقة عدد كبير من المجاهدات، حتى استقلت الجزائر· ؟ وهل تمّ إطلاق سراحك فور اتفاق إطلاق النار في 18 مارس 1962 أم بعد الاستقلال التام في 5 يوليو من نفس السنة ؟ - أطلقوا سراحي في أبريل ،1962 والتحقنا بتونس لنبقى هناك بضعة أشهر تفادياً للوقوع فريسة في أيدي ''المنظمة السرية الفرنسية'' التي شرعت في اغتيال المجاهدين والقيام بأعمال إرهابية تفجيرية ضد الشعب الجزائري قصد إفشال اتفاق وقف إطلاق النار؛ إذ لم يهضم غلاة الفرنسيين كيف تضيع الجزائر من أيديهم بعد 132 سنة كاملة من احتلالها· وبعد الاستقلال دخلنا الجزائر آمنين لنحتفل بالنصر في أجواء رائعة ونحن لا نصدق بأننا استطعنا أخيراً استعادة استقلال بلدنا بعد قرن وثلث قرن من احتلاله من طرف دولة عظمى، وكنا قد اعتقدنا لفترة أن جيلنا لن يتمكن من انتزاع الاستقلال ولا بد من أن يأتي جيلٌ آخر ويواصل الثورة لعله ينتصر، ولكننا تمكنا بعون الله والتضحيات الجسيمة للشهداء والمشاق والأهوال التي تكبدها المجاهدون وخاضوها بإرادة وصبر كبيرين، من ذلك·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©