الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الإمارات ترسخ مبادئ التنمية المستدامة والتنويع الاقتصادي

الإمارات ترسخ مبادئ التنمية المستدامة والتنويع الاقتصادي
25 نوفمبر 2011 22:54
الدكتور سلطان أحمد الجابر الرئيس التنفيذي لـ «مصدر» فيما نترقب الاحتفاء بحلول اليوم الوطني لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وبمناسبة مرور أربعين عاماً على مسيرة الاتحاد، يملؤنا الفخر بالانتماء إلى هذا الوطن المعطاء وبالإنجازات الكبيرة التي يحققها في ظل القيادة الرشيدة. ومن المفيد هنا أن ننظر إلى الماضي لنستفيد من هذه التجربة الحضارية الغنية التي حققت لشعب الإمارات نهضةً تنموية كبيرة في كافة المجالات، وذلك كي نتمكن من متابعة السير بخطى واثقة، ومواجهة التحديات التي ينطوي عليها المستقبل بعزيمة قوية وثقة كبيرة. وإذ نذكر كيف قام الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وإخوانه حكام الإمارات بتوحيد الكلمة ولم الشمل، وفي ضوء المكانة المرموقة التي تحظى بها اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة في المجتمع الدولي، نرى أن التعاون والتآزر وبناء جسور الصداقة والتواصل تشكل ثروةً لا تفنى ولاتنضب بمرور الزمن. وهذا النهج قد تكرّس، واستمر بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وإخوانهما أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، وبالجهود اللامحدودة للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. ومنذ تأسيس الدولة، تم استغلال الثروة الهيدروكربونية من أجل إرساء البنية التحتية والمؤسسية الكفيلة ببناء دولة عصرية. وإذا أخذنا الناتج المحلي الإجمالي مقياساً للنمو بصفته يمثل إجمالي القيمة السوقية لكافة السلع والبضائع والخدمات المنتجة خلال عام واحد، يتبين أنه في العام 1971 الذي شهد تأسيس الاتحاد، كان الناتج المحلي الإجمالي للإمارات نحو 6,5 مليار درهم، بينما أشار أحدث تقرير اقتصادي لإمارة أبوظبي إلى أن قيمة الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات في عام 2010 بلغت 977,3 مليار درهم أي أنه تضاعف بنحو 150 مرة، وذلك مع زيادة مطردة في مساهمة الموارد غير النفطية في الاقتصاد. وتتميز مسيرة التنمية والتطوير التي شهدتها دولة الإمارات بنظرة مستقبلية بعيدة المدى، لا تقتصر على تلبية الاحتياجات الآنية، وإنما تأخذ في الاعتبار مواكبة النمو المستقبلي في أعداد السكان ومتطلباتهم. ورغم أن مصطلح التنمية المستدامة يعد حديثاً، إذ تم تعريفه رسمياً للمرة الأولى في تقرير أصدرته الأمم المتحدة في عام 1987 على أنها التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تلبي متطلبات الحاضر دون المساس بقدرة أجيال المستقبل على تلبية احتياجاتها، إلا أن الشيخ زايد أدرك بفطرته أن الموارد الطبيعية الحالية لن تدوم للأبد. وكان يحرص دوماً على التوجيه بتنويع مصادر الدخل وبناء المشاريع الاقتصادية التي تؤمن الحياة الكريمة لأبناء الوطن، مع الاهتمام بالمحافظة على الطبيعة والبيئة لضمان احتياجات أجيال المستقبل، وبذلك أرسى، رحمه الله، أسس التنمية المستدامة من خلال الممارسة العملية حتى قبل أن تصبح مصطلحاً يكثر تداوله. وتقديراً للجهود التي بذلها في مجال الحفاظ على البيئة وحماية الحياة البرية، كان أول رئيس دولة ينال جائزة بيئية عالمية، حيث حصل على جائزة الباندا الذهبية من الصندوق العالمي لصون الطبيعة. وعلاوة على ذلك، وجّه الشيخ زايد بالحد من حرق الغاز المصاحب لعمليات الإنتاج من الآبار والمصافي، وأوصى بالعمل على استغلاله عوضاً عن ذلك، إذ إن حرق الغاز يتسبب بانبعاثات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، ما يضر بالبيئة ويفاقم مشكلة الاحتباس الحراري. وتستمر اليوم جهود قطاع النفط والغاز في دولة الإمارات من أجل الحد من حرق الغاز وإيجاد الحلول التقنية لاستثماره على النحو الأمثل، إما عن طريق إعادة حقنه في حقول النفط لتعزيز إنتاجها أو تسييله لاستغلاله في توليد الطاقة وغيرها من التطبيقات الصناعية. ولتحقيق هذه الرؤية، تم تأسيس شركة أبوظبي لصناعات الغاز المحدودة “جاسكو” في عام 1978 لاستخلاص المواد الهيدروكربونية التي كان يتم حرقها خلال عملية الإنتاج في الحقول البرية التابعة لشركة أبوظبي للعمليات البترولية البرية - أدكو، والاستفادة منها. ولعل أهم ما تحقق خلال العقود الماضية هو إرساء مبدأ استغلال الموارد الهيدروكربونية في إنشاء بنية تحتية متطورة. واليوم، يجري الانتقال من مرحلة البناء والتأسيس إلى مرحلة التمكين، حيث تم إرساء ركائز صلبة لشراكةٍ فاعلة بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز التكامل الاستراتيجي بين الشركات لضمان توفير خدماتٍ ومشاريع عالمية المستوى، الأمر الذي لعب دوراً حيوياً في تطوير الاقتصاد وأتاح المنافسة بقوة في الأسواق الإقليمية والعالمية. وفي إطار جهود تطوير الاقتصاد، تم تأسيس “شركة مبادلة للتنمية” في عام 2002 من قبل حكومة أبوظبي، وذلك بهدف تسهيل وتفعيل عمليات التنوع في اقتصاد الإمارة، حيث تركز الشركة على إدارة الاستثمارات طويلة الأمد. وبما أن الطاقة تعد عنصراً حيوياً لكافة أوجه النشاط الاقتصادي والصناعي والتجاري والاجتماعي، ورغم أن دولة الإمارات تمتلك مخزوناً كبيراً من الموارد الهيدروكربونية، فإن استمرار تأمين إمدادات الطاقة لتحقيق التنمية المستدامة والوفاء باحتياجات المستقبل يقتضي العمل من الآن لمواكبة النمو المتوقع وتوفير الحلول المنشودة. وفي ظل شح مصادر المياه العذبة في منطقة الخليج العربي وضرورة الاعتماد على الطاقة لتحلية المياه، تزداد أهمية ضمان أمن الطاقة بصفتها العمود الفقري لمواكبة الاحتياجات التي تفرضها معدلات النمو السكاني. ونظراً لاعتماد غالبية أنظمة توليد الطاقة في العالم على الموارد الهيدروكربونية، فإن الانتقال إلى مصادر جديدة لن يكون عملية سريعة، وربما يحتاج الأمر إلى عشرات السنين لإتمام التحول اللازم. لذا، كان الحل النموذجي هو الاعتماد على مزيج متنوع من المصادر يشمل الطاقة التقليدية مع تعزيز التقنيات النظيفة لاستخدامها، والطاقة النووية السلمية والآمنة لتكون بمثابة الجسر الذي يوفر إمدادات مستقرة من الكهرباء بتكلفة اقتصادية مجدية، إضافة إلى تطوير مختلف مصادر الطاقة المتجددة كطاقة الشمس والرياح والمياه والوقود الحيوي وغيرها. وفي هذا الإطار، وبفضل التوجيهات السديدة للقيادة الرشيدة والمتابعة الحثيثة للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان،ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة تم تأسيس “مصدر” في عام 2006 كمبادرة استراتيجية متعددة الأوجه مملوكة بالكامل لشركة مبادلة، وذلك بهدف تطوير وتطبيق حلول الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، وذلك ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى دعم الاقتصاد الوطني عبر تنويع مصادر الدخل، والانتقال إلى اقتصاد المعرفة، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. وتعمل “مصدر” من خلال منهجية متكاملة تغطي كافة جوانب ومراحل سلسلة القيمة في قطاع الطاقة المتجددة، بما في ذلك التعليم والأبحاث والتطوير، والاستثمار في التقنيات النظيفة، وتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة وخفض الانبعاثات الكربونية، إضافة إلى بناء مدينة مستقبلية تكون مركزاً عالمياً للشركات الرائدة في القطاع. ومع أنها مبادرة استراتيجية بعيدة المدى، نجحت “مصدر” خلال السنوات الخمس التي انقضت على تأسيسها في تحقيق مجموعة من الإنجازات، بما فيها المساهمة بفوز دولة الإمارات العربية المتحدة باستضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا” التي تهدف إلى تعزيز انتشار استخدام حلول الطاقة المتجددة، وتعد هذه أول مرةٍ تتخذ فيها منظمة دولية مقرها في المنطقة، والذي ستستضيفه مدينة مصدر فور إنجاز مبنى المقر المرتقب إتمامه في نهاية عام 2013. وجدير بالذكر هنا إحدى التجارب التي تلقي الضوء على أهمية العلاقات الوطيدة مع المجتمع الدولي، فخلال الحملة التي قادها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، لحشد التأييد الدولي من أجل استضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، كنا نحظى بآذان صاغية وقلوب مفتوحة، حيثما ذهبنا لإيضاح الغاية من الوكالة وأهمية دورها المرتقب في تحقيق التنمية المستدامة. وتنفذ “مصدر” مجموعة من المشاريع المحلية والعالمية للمساهمة في تطوير القدرات في مجال الطاقة المتجددة، بما في ذلك محطة الألواح الكهروضوئية باستطاعة 10 ميجاواط في مدينة مصدر التي تعمل بكامل طاقتها منذ أكثر من عامين. ويجري العمل وفق الجدول الزمني المحدد لبناء محطة “شمس 1” للطاقة الشمسية المركزة في المنطقة الغربية من إمارة أبوظبي بطاقة إنتاجية مستهدفة قدرها 100 ميجاواط. وعلى المستوى العالمي، تشارك “مصدر” في مشاريع تجارية لتوليد الطاقة المتجددة، حيث ساهمت في تنفيذ محطة “خيماسولار” للطاقة الشمسية المركزة التي تم افتتاحها مؤخراً في اسبانيا، والتي تستخدم تقنية متطورة تتيح توليد الكهرباء لمدة 15 ساعة بعد غياب الشمس. ويستمر العمل على مجموعة من المشاريع العالمية، بما فيها “فالي 1” و”فالي 2” في اسبانيا، ومشروع “مصفوفة لندن” لطاقة الرياح البحرية في المملكة المتحدة. كما تعمل “مصدر” مع شركائها لاستخدام التقنيات النظيفة من أجل خفض انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري من المنشآت الصناعية وذلك من خلال مجموعة من المشاريع داخل الدولة وخارجها. وتماشياً مع توجيهات القيادة الحكيمة، تركز “مصدر” على تمكين قدرات جيل الشباب من بنات وأبناء الدولة وإكسابهم أفضل المهارات والكفاءات التي تتيح لهم الانخراط في العمل لخدمة الوطن في المجالات المتقدمة، وذلك من خلال “معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا”. ولا تقتصر جهود “مصدر” على الجانب العملي لتطوير المشاريع، إذ إنها تشارك بنشاط في الحوار العالمي بشأن حلول الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة والتصدي لتداعيات تغير المناخ. وتستضيف “مصدر” سنوياً في أبوظبي معرض ومؤتمر “القمة العالمية لطاقة المستقبل” التي تستعد الآن لانعقاد دورتها الخامسة في يناير 2012، حيث تستقطب في كل عام مجموعة من قادة العالم وصناع القرار ورؤساء الشركات والخبراء والأكاديميين لمناقشة الحلول والسياسات والتشريعات التي تسهم في نمو القطاع وتطوره. وإلى جانب استضافة “آيرينا” واجتماعات الدول الأعضاء فيها، تسهم “القمة العالمية لطاقة المستقبل” في تكريس مكانة أبوظبي كعاصمة عالمية للطاقة المتجددة. وبهدف تشجيع وحفز الابتكارات والحلول ذات الأثر الملموس في المساعدة على التصدي لتحديات الطاقة، أعلن الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في عام 2008 عن إنشاء “جائزة زايد لطاقة المستقبل”، وذلك تخليداً لإرث الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، والجهود الكبيرة التي بذلها لإرساء أسس التنمية المستدامة والمحافظة على الموارد الطبيعية لأجيال الغد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©