الثلاثاء 14 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

احتواء إيران... وتطمين الحلفاء

22 نوفمبر 2013 23:07
في الوقت الذي يستأنف فيه المفاوضون في جنيف محاولاتهم لإبرام اتفاق مع إيران، ما فتئت حظوظ تحقيق اختراق دبلوماسي تتزايد، ولكن بدلاً من تطمين البلدان المعرضة أكثر لتهديد السلاح النووي الإيراني تؤجج احتمالات التوصل إلى اتفاق مع إيران مخاوف غير مسبوقة سواء لدى إسرائيل، أو بعض الدول العربية الحليفة، فلماذا هذا التخوف يا ترى؟ الحقيقة أن جزءاً من الجواب يكمن في أن هذه البلدان تخشى قبول البيت الأبيض باتفاق معيب مع إيران لن يحول في النهاية دون حصولها على السلاح النووي، فعلى رغم تشديد إدارة أوباما في الأسابيع الأخيرة على أن «اتفاقاً سيئاً» مع طهران سيكون أسوأ من عدم التوقيع على أي اتفاق، إلا أنها مع ذلك فشلت في بناء توافق، سواء في واشنطن، أو على الصعيد الدولي، حول ما الذي يشكل اتفاقاً جيداً بما يكفي لقبوله وتمريره مثل تحديد المنشآت النووية الإيرانية التي يحتاج المجتمع الدولي للتحقق من التخلي عنها، فضلاً عن الضمانات المطلوبة للتأكد من أن طهران لن تستطيع الاستمرار في زحفها الخفي إلى خط النهاية النووي دون إمكانية ضبطها والانتباه إليها. ولكن الشعور بعدم الارتياح والتململ الذي يسود في أوساط بعض حلفائنا في الشرق الأوسط يتجاوز احتمال وصول إيران للسلاح النووي من خلال أنشطة سرية، بل هو متجذر عميقاً في أهداف إيران ونواياها، فسعي النظام في طهران لامتلاك السلاح النووي ليس سوى التجلي الأبرز والأكثر خطورة لإشكال استراتيجي أعمق يتمثل في الطموح الإيراني القديم للهيمنة على المنطقة والسيطرة على عموم الشرق الأوسط. وهذا الطموح دفع القيادة الإيرانية لبناء مجموعة من القدرات العسكرية غير التقليدية إلى جانب برنامجها النووي على مدى السنوات الماضية، ومن أبرز تلك القدرات إنشاء قوات النخبة المعروفة باسم «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري، بالإضافة إلى وكلائها المتطرفين والمنتشرين في المنطقة مثل «حزب الله» في لبنان، والمليشيات الشيعية في العراق، ونظام الأسد نفسه، فضلاً عن ترسانة متزايدة من الصواريخ الباليستية. ومع أن الرئيس أوباما عمد مرات عدة إلى وضع الأنشطة النووية الإيرانية في إطارها الشامل المتمثل في تهديد نظام عدم الانتشار النووي على الصعيد العالمي، إلا أن البيت الأبيض لم يبذل ما يكفي من جهد لتطمين حلفائنا وأصدقائنا بأن أميركا مقتنعة أيضاً بضرورة مواجهة الطموح الإيراني وأجندته الإقليمية، بصرف النظر عن النزاع حول ملفها النووي، بل بالعكس من ذلك رسخت السياسات الأميركية بشكل غير مقصود خلال السنوات الأخيرة الانطباع لدى دول المنطقة بأن المعركة ليست من اختصاص أميركا، وبأنه لا شأن لها بما يحيق بالمنطقة من تهديدات. وإذا كان الفضل يرجع لأوباما الذي تعهد في خطابه أمام الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي بأنه «سيتصدى للاعتداءات التي قد يتعرض لها الحلفاء والشركاء» في الشرق الأوسط باعتبار ذلك جزءاً من المصالح القومية للولايات المتحدة، ولكن على أرض الواقع يراقب حلفاؤنا انسحاب أميركا من العراق الذي استفادت منه إيران، وتفادي واشنطن التدخل في سوريا التي تحولت إلى الجبهة الأولى في الصراع ضد طهران، فضلاً عن تقليص القدرات العسكرية الأميركية، مع ما لذلك من تداعيات على قدرة أميركا في المنطقة. فهل يؤدي اتفاق محتمل مع إيران إلى تغيير توجهاتها الاستراتيجية، بما في ذلك التخلي عن وكلائها في المنطقة وصرف النظر عن تطلعاتها الرامية إلى الهيمنة؟ ربما، وإن كان ما نعرفه حتى الآن عن النظام الإيراني يدفعنا لتوخي الحذر والتعبير عن الشك، ليبقى الاحتمال الأرجح هو أن تلجأ إيران إلى إبداء استعدادها لتقديم تنازلات تكتيكية حول أنشطتها النووية، على أمل كسب المزيد من الوقت لبناء قوتها داخلياً بعد التخلص من العقوبات. وفي الوقت نفسه البناء على المكاسب التي حققتها في إيران ولبنان واليمن وأفغانستان والسعي إلى تعزيزها. ولكن ذلك لا يمنع الولايات المتحدة من البحث عن اتفاق مع إيران، شريطة أن يقطع هذا الاتفاق على نحو يمكن التحقق منه الطريق لوصول طهران للسلاح النووي. فعلى غرار اتفاقيات مراقبة الأسلحة التي وقعت مع الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، على واشنطن أن تدرك أنها إزاء خصم عنيد وواسع الحيلة ما زلنا منخرطين معه في صراع جيوسياسي على المدى البعيد، وباختصار حتى لو توصلنا إلى اتفاق نووي مقبول مع الحكومة الإيرانية فإنها لن تتحول إلى شريك استراتيجي للولايات المتحدة، ومن هذا المنطلق علينا التفكير ملياً والتنسيق مع حلفائنا حول الكيفية التي نواصل بها احتواء إيران ونفوذها في المنطقة حتى بعد إبرام اتفاق معها؛ وفيما سيكون تخفيف العقوبات جزءاً أساسياً من الاتفاق، فإنه سيكون علينا أيضاً التأكد من أنه لن يزيد من قوة إيران ويدفعها إلى زعزعة استقرار جيرانها، وربما يتحقق ذلك من خلال سياسات صلبة وذات مصداقية تنخرط فيها إدارة أوباما لمواجهة إيران في مكانين ظلا بعيدين عن اهتمام البيت الأبيض وهما: العراق وسوريا. وبهذه الطريقة نكون قد وصلنا إلى ما يشبه المفارقة التي ينطوي عليها الاتفاق المرتقب مع إيران حول برنامجها النووي، فبدلاً من أن يؤدي ذلك إلى فك واشنطن ارتباطها بالشرق الأوسط وإدارة ظهرها له، كما يعتقد البعض، فإن من شأن اختراق دبلوماسي مع طهران أن يعزز الحاجة إلى قيادة أميركية أقوى وأكثر حضوراً في المنطقة، وهو ما يتعين على إدارة أوباما العمل على إرسائه دون إبطاء. ‎جوزيف ليبرمان سيناتور سابق عن ولاية كونيكتكت ‎ فانس شيرشوك باحث في مركز الأمن الأميركي الجديد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©