الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوباما والبحث عن إنجازات تاريخية

14 نوفمبر 2012
في ليلتين متفرقتين من ليالي الانتخابات التاريخية التي شهدتها مدينة شيكاغو لمع وجه أوباما ليروي القصة كاملة، قصة الصعود، وأيضاً قصة المستقبل. فقبل أربع سنوات عندما انتخب لأول مرة، كشفت المهابة التي ارتسمت على وجهه، وهو يصعد إلى المنصة، رجلاً شعر لتوه بثقل الانتظارات وجسامة التحديات، إذ فيما كان مؤيدون منخرطون في مظاهر الاحتفال والرقص على أنغام الانتصار، كانت ملامح أوباما في تلك اللحظة تعكس المسؤوليات التي سيتعين عليه تحملها كرئيس لأميركا. وفي الليلة الثانية التي صادفت يوم الثلاثاء الماضي عندما اعتلى مرة أخرى المنصة بشعره الذي اشتعل شيباً وبشرته الأكثر تجعداً، ومع وجود جمهور غفير حضر لتحيته، وإن لم يكن بنفس تلقائية جمهور الولاية الأولى، اكتسى وجهه تلك الخفة الوجودية التي تتجاوز نشوة النصر حتى لو كان بحجم الرئاسة الأميركية. ومع أن سنوات الولاية الثانية في الرئاسيات الأميركية عادة ما تأتي معها بضعف في المؤسسة الرئاسية بسبب انقسام الكونجرس وغلبة الحزب السياسي الآخر على مقاعده، إلا أن التاريخ أيضاً يُظهر الحاجة إلى الإبداع في الولاية الثانية والمصادقة على القوانين المهمة، والسعي لتحقيق ما يبقى في التاريخ. وفي هذا السياق لا يمكن للمراقب أن تغيب عنه طموحات أوباما الذي لا يسعى هو نفسه لإخفائها، فمنذ أن فكر في تولي الرئاسة، وهي الفكرة التي لمعت متأخراً في ذهنه مقارنة بباقي السياسيين الذين يعملون في وقت مبكر على دخول البيت الأبيض، كان أوباما يبحث عن مميزات الرئيس العظيم، وعندما وقف أمام مؤيديه يوم الثلاثاء الماضي كان يدرك بأنه إزاء فرصة فريدة لتحقيق تلك العظمة. لذا تأتي إعادة انتخاب أوباما لتعزز ماضيه وتفتح أمامه المستقبل، فأي هزيمة لرئيس مثله ينحدر من أصول أفريقية كانت ستغير تماماً دلالات أن يتقلد أول رجل أسود الرئاسة في أميركا. وخلافاً لما قيل عن مدرب البيسبول الشهير فرانك روبنسون عندما أقيل من منصبه من أنه نوع من المساواة كرياضي ينحدر من أصول أفريقية بعدما نال فرصته، فإن الأمر مع الرئاسة التي تنطوي على تحديات أكبر ورمزية تاريخية أعمق يختلف تماماً، فهزيمة أوباما كانت ستحيل إلى مقارنات أكانت منصفة أم لا، إلى الردة العنصرية التي حدثت في أميركا عقب الحرب الأهلية التي يُفترض بها القطع مع تاريخ العبودية الكريه. غير أن العامل العرقي بالنسبة لأوباما، وإنْ كان مهماً فهو ليس الأهم، إذ في الوقت الذي لم يتنكر فيه لهويته الأفريقية الأميركية تبقى تفاصيل سيرته الشخصية أكبر من أن تنحصر في الأصول العرقية، لا سيما في أبعادها العالمية وتنوعها المنفتح على كافة الحساسيات، ولعل انتزاعه في ولايته الثانية للإنجازات التي أقرها في الأولى. وبالأخص الرعاية الصحية التي دافع عنها وضمن على الأقل عدم النكوص عنها، تعد عنده أهم من الدلالات العرقية لانتصاره، أو هزيمته. وفي أوقات مختلفة من فترته الأولى دأب أوباما على عقد اجتماعات مع كبار المؤرخين في البيت الأبيض، وحسب العديد من المشاركين، لامست النقاشات مواضيع شتى، إلا أن ما كان يركز عليه أوباما هو كيف يمكن لرئيس بلوغ العظمة بصرف النظر على لون بشرته؟ ومع أن هذه اللقاءات لم تكن دائمة، بل حدثت على فترات متفرقة، إلا أنها كانت أكثر من المرات التي لعب فيها الجولف مع أعضاء الكونجرس. وبما أن البعض قد ينتقد أوباما لأنه لا يندمج اجتماعياً مع الطبقة السياسية وأنه بإمكانه تحقيق العظمة من خلال التعامل السياسي مع الخصوم، يبقى لأوباما أسلوبه الخاص في التعامل مع الأشياء. ورغم الطابع التقليدي لأوباما كسياسي يتحرك بحذر في أغلب القضايا، فإنه أيضاً له وتيرته الخاصة وإيقاعه المتفرد، فهو يملك ثقة بنفسه وفي قدرته على إنجاز الأمور بطريقته، وفي بعض الأحيان قد يبدو بطيئاً، أو مفرطاً في الثقة بالنفس، أو منفصلاً وشارد الذهن، لكنه فجأة يحدث ما يجعله يقفز إلى مركز القيادة، ولينجلي أمام عينيه ما كان غامضاً وغير واضح، وهو غالباً مع يرصد الفخاخ الموضوعة في طريقه ويعمل على تفاديها بمنطقه الخاص، وإذا كان التوجه اليوم أن يرجع الفضل كله في نجاحه إلى فريقه وإلى التكنولوجيا التي استخدمت في التعبئة الميدانية، إلا أنه في الأخير يرجح النجاح إلى طبيعة الرجل وشخصيته. أظهر أوباما على مدار حياته قدرة فائقة على التأقلم والتعلم من أخطائه وتجاربه السابقة ليكون أكثر قوة مما هو عليه. وأنا لا أتوقع من أوباما جسر الهوة الأيديولوجية التي تقسم أميركا، وإقناع الناس الذين يكرهونه بالتوقف عن ذلك وإدراك أن ما يعتقدونه آخر يهددهم هو في الحقيقة جزء من القصة الأميركية، ولا أنتظر أن تقود جهوده للتوصل إلى تسوية بشأن الحافة المالية والعجز الفيدرالي ستنال رضى اليمين، أو اليسار، بل حتى لا أتوقع منه انفتاحاً أكبر لإدارته على وسائل الإعلام، لكن يخالجني شعور بأن أوباما سيواصل إيجاد طريقه وسط المشاكل والتعامل بعقلانية مع العراقيل مذللاً الواحدة تلو الأخرى حتى تتضح إنجازاته وتدخل التاريخ من بابها الواسع. ديفيد مارانيس صحفي أميركي وكاتب سيرة أوباما ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©