الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البرتغاليون... موسم الهجرة إلى المستعمرات

14 نوفمبر 2012
عندما خسر “ماريو تشاراتا” عمله ذا الدخل العالي بجنوب البرتغال قبل عامين قرر إرسال سيرته الذاتية إلى جميع معارفه عله يحصل على وظيفة جديدة، ولأنه كان مصمماً على تجاوز حالة الأزمة الاقتصادية التي ترخي بظلالها على بلده البرتغال تمكن من إجراء 20 مقابلة شخصية، لكنه عجز عن الحصول على وظيفة واحدة، لذا اتجه بأنظاره بعيداً نحو موزمبيق، المستعمرة السابقة التي مزقتها الحروب الأهلية، ليجد نفسه اليوم يتولى منصباً تنفيذياً بارزاً في شركة موزمبيقية للإعلام، منضماً بذلك إلى الآلاف من مواطنيه الذين وصلوا إلى العاصمة “مابوتو” خلال الأشهر القليلة الماضية هرباً من الأزمة المالية الخانقة التي تعصف بمنطقة اليورو، وهو الأمر الذي يعبر عنه “تشاراتا” البالغ من العمر 33 عاماً بوجه تعلوه ابتسامة قائلاً “إنها واحة خضراء وسط صحراء جدباء”. وأمام معدلات البطالة المرتفعة والضرائب المتنامية المفروضة على المواطنين، بالإضافة إلى خفض النفقات على البرامج الاجتماعية قرر العديد من البرتغاليين الرحيل إلى مستعمراتهم السابقة بحثاً عن العمل، علماً أنها الأماكن نفسها التي أُجبر أسلافهم في الفترة الاستعمارية على تركها قبل أكثر من نصف قرن مثل البرازيل وأنجولا وموزمبيق والتي تفتخر اليوم بامتلاكها إحدى أسرع الاقتصادات نمواً في العالم بسبب المخزون الهائل من النفط والمعادن وباقي المواد الخام التي تزخر بها تلك البلدان. لكن وصول عدد كبير من البرتغاليين إلى أفريقيا بحثاً عن الفرص يؤشر على أن القارة بدأت تتحرك اقتصادياً. فالطبقة الوسطى الأفريقية في توسع مستمر ومعها مشاريع البنية التحتية، لذا يأتي المستثمرون الأجانب إلى المنطقة لاقتناص الفرص، لا سيما بعد تنامي التجارة مع الصين في السنوات الأخيرة، وفي هذا السياق يتوقع البنك الدولي بلوغ معدل النمو الاقتصادي في ثلثي البلدان الأفريقية 6 في المئة خلال السنة الجارية، مع تحقيق بعض الدول الأفريقية أداء جيداً يتفوق حتى على النمور الاقتصادية لدول شرق آسيا. ووفقاً للأرقام والإحصاءات ارتفعت نسبة البرتغاليين المسجلين في سفارة بلادهم بموزمبيق بين 2009 و2011 بحوالي 21 في المئة ليصل عددهم إلى 19 ألف برتغالي، وتقدر السفارة أنه ما لا يقل عن 23 ألف برتغالي يعيشون في العاصمة الموزمبيقية ومنطقة بيرا، كما أن العديد منهم مهنيون على درجة عالية من المهارة مثل الأطباء والمهندسين، والمعماريين، وبالإضافة إلى الأفراد، تزايد اهتمام الشركات البرتغالية بالفرص الاستثمارية الواعدة في البلاد. وفي جميع أنحاء العاصمة تمتلئ المطاعم والمقاهي بالوافدين البرتغاليين الجدد، وهو ما حدا بشركة الطيران البرتغالية لزيادة عدد الرحلات من البرتغال إلى مابوتو من رحلة واحدة إلى ثلاث رحلات في الأسبوع، هذا الواقع يعبر عنه “كونجالو جوميز”، القنصل العام البرتغالي في العاصمة مابوتو قائلاً “الجميع يشعر بقساوة الأزمة المالية في أوروبا، فيما موزمبيق تقدم العديد من الفرص”. بيد أن تاريخ العلاقات بين البلدين يحمل في ثناياه الكثير من الألم، فقد حكمت البرتغال موزمبيق من القرن السادس عشر وحتى أواخر القرن العشرين تاركة وراءها إرثاً استعمارياً ثقيلاً وتاريخاً. وبعد الاستقلال قرر أغلب البرتغاليين ترك البلاد خوفاً على حياتهم، أو بعدما طردتهم الحكومة لتعاني موزمبيق من فوضى اقتصادية تلتها سنوات طويلة من الحرب الأهلية امتدت لخمس عشرة سنة، مخلفة ما يقرب من مليون قتيل قبل التوقيع على اتفاق للسلام في 1992، هذا التاريخ المشحون بين البلدين لا يغيب عن البرتغاليين المستقرين في موزمبيق مثل “تشاراتا” الذي يقول “لست فخوراً بما قام به أسلافنا في هذا البلد، والمفارقة أننا نحاول بناء حياة جديدة في البلد الذي طردنا منه في السابق”، وعلى الصعيد الاقتصادي نما الناتج المحلي الإجمالي لموزمبيق بمعدل 7.2 في المئة على مدى العقد الأخير، رغم أن البلد يظل واحداً من أفقر دول العالم وأقلها تقدماً. لكن مع الاكتشافات الجديدة في مجال الفحم والغاز الطبيعي فقد تتحول البلد إلى مُصدر رئيسي للمعادن خلال العقد المقبل، كما أنه على امتداد العاصمة يمكن رؤية رافعات البناء التي تزين السماء في ظل الطفرة العقارية التي تعيشها مابوتو تلبية لاحتياجات الطبقة الوسطى المتنامية. هذه الطفرة في المجال العقاري هي ما دفع عامل البناء البرتغالي، “مانويل سيلفا”، البالغ من العمر 37 عاماً، للقدوم إلى موزمبيق قبل شهرين، فعندما توقفت أعمال البناء تماماً في لشبونة، العاصمة البرتغالية، التقط أول وظيفة عندما عرضت عليه شركة برتغالية فرصة عمل في الخارج، أولاً في أنجولا، ثم تالياً في موزمبيق، لا سيما وأنه يكسب في مابوتو 50 في المئة أكثر مما كان يجنبه في البرتغال. وفيما يتعلق بردود الفعل داخل موزمبيق على تدفق البرتغاليين، يبرز انقسام بين مؤيد ومتحفظ، ففي حين يرى البعض أن الأجانب يأتون معهم بالتكنولوجيا الجديدة، وبالخبرات الضرورية في مجال الإدارة والبناء، يرى البعض الآخر أنهم يمثلون نوعاً من الاستعمار الجديد، وفي هذا الصدد عبر عمال بناء موزمبيقيون في لقاءات أجريت معهم عن استيائهم من الرواتب العالية التي يحصل عليها العمال البرتغاليون، رغم أنهم يقومون بنفس العمل. لكن وبصرف النظر عن مدى الترحيب بهم داخل البلاد ليس من السهل على البرتغاليين الحصول على وظيفة في موزمبيق، فبمقتضى القانون يتعين توظيف عدد من العمال المحليين إزاء كل عامل أجنبي توظفه شركة محلية، هذا بالإضافة إلى تعذر إيجاد الوظائف في بلد ما زال اقتصاده يعاني من اختلالات كبيرة. سودارسان راجافان موزمبيق ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©