الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمينة ذيبان: أنا ابنة ماضيّ

أمينة ذيبان: أنا ابنة ماضيّ
15 نوفمبر 2012
يصدر للشاعرة والناقدة أمينة ذيبان في فترة قريبة ديوان جديد عن منشورات اتحاد كتّاب وأدباء الامارات يحمل العنوان: "زهرة الدم". من جهة التوصيف الأكاديمية، تحمل الشاعرة أمينة ذيبان درجة الدكتوراه في نقد الرواية، وقد حازتها من إحدى الجامعات اللندنية بإشراف الناقد والبرفيسور المعروف صبري حافظ، وكان موضوعها أدب الروائي الراحل عبد الرحمن منيف بوصفه الروائي الأول والأغزر إنتاجا الذي تناول حقبة اكتشاف النفط وتأسيس الدولة في شبه الجزيرة العربية، في سياق ما يعرف برواية الأجيال أوThe Saga، كما تُعرف في النقد الروائي الحديث. اما شعرياً، فربما هي غير معروفة بهذه الممارسة خارج الدوائر الضيقة أو النخبوية، فهي مقلّة في النشر والظهور في الأمسيات والإعلام. نترك لهذا الحوار أن يقدمها دون تقديم ليكشف عن هذه الرؤى التي تعاين بها الشاعرة أمينة ذيبان الصنعة الشعرية. ? يبدو أن الماضي، الشخصي والجمعي، وبوصفه ذاكرة، يمثل مصدرا أكيدا من مصادر الكتابة الشعرية لديك، ذلك هو الملمح الأول الذي يلاحظه قارئ قصائدك؟ ? بالتأكيد، فالإنسان ابن ماضيه. كما أنه تراث الشخص الخاص به: عائلة وصداقات لحظات مميزة من الاحساس بالانتشاء والفرح والبكاء والحزن وكذلك الرغبات والمخاوف. والماضي، في واحدة من صوره وتجلياته، متحول في إدراك الشخص له، لأنه هو الذي بوسعه أن يعود إليك دائما مثلما يتردد الموج على رمل شاطئ، من هنا أعتقد أن من الصعب على شاعر أن يجلس إلى طاولة الكتابة ليكتب قصيدة دون أن يلتفت إلى الى كل ما كان قد حدث له، أي لماضيه ولذاكرته. الذاكرة هنا هي اتزان وبداية موعد بين طرفين: الشاعر وماضيه مثلما أنه لحظة مواجهة يربط بين الشاعر وقصيدته بعلاقة خاصة تنطوي على مشاعر إنسانية متناقضة ومتباينة، وهذا كله “ذاكرة” في نهاية المطاف لذلك من الصعب لكائن شعري أن ينفصل عن ذاكرته. وإذا عدنا لما يسمى “دفاتر الموازنة النفسية”، التي كان المحللون النفسيون يكتبون فيها ملاحظاتهم على مرضاهم، نجد أن العالِم سيجموند فرويد كان يرفض التعاطي مع الإنسان بعيدا عن ثدي الأم أو القُبلة الأولى، فهي الذاكرة الأولى والتوق الأول والأبدي. باختصار لولا الذاكرة أو الماضي أو مزيجهما معا لما كتبت. إنني ابنة ماضيَّ. غير أن الماضي لا يعني إلغاء الحدث الراهن ولا يقلل من أهميته أو ضرورته بالنسبة للقصيدة، بل أظن أن الشاعر الذي يكتب قصيدته دون أن يلتفت إلى واقعه اليومي والمُعاش لديه نقصُ بصرٍ وبصيرة. أي أن الماضي ينبغي ألا يتحوّل إلى سلطة ترتهن لها المخيلة الشعرية أو سوط أو متاهة. وبوصف الماضي ذاكرة، وفيما يتصل بما أكتب، فلا أعتقد أنه ذاكرة قامعة أو مُجهَدَة، وإلا تحوّل الماضي إلى جلاد، ذلك أن الأيام تُنتج وتطوّر في الماضي، ولا تتوقف عن جعله تراثا، في كل لحظة نعيش فيها وندرك أننا نعيش ونخوض تجربة. أي أن الماضي الشعري يتحول أحيانا إلى حالة من الهُجنة والاختلاط إذ إن الحاضر عندما ينطول على العناصر والدوافع الخفية للماضي يصبح الحاضر الشعري هجينا، لكن في الحالين لا يسجد الشاعر لماضيه الشعري ولا لحاضره الشعري، ذلك لأنه يدرك بأن المستقبل سيكون هجينا حتما. وعلى صعيد التفاصيل اليومية فإنها، عبر الذاكرة، تتمرأى بدورها مع تفاصيل أولى قادمة من البعيد؛ ربما من ذاكرةٍ أمٍّ تخصّ أمّا وأبا أوليْن أو أعلييْن، أي هي تفاصيل قادمة من الذاكرة الأولى للبشرية التي هي ذاكرة حلمية شعرية بمعنى ما. لذلك فالقصيدة دون موعد أصيل مع الماضي خواء. الماضي هنا ليس شخصا فحسب، بل هو الذاكرة الموعودة التي تمنح القصيدة حداثتها وبها بها إلى تلك السبل التي تجعلها تعيش زمنها الراهن أيضا. المرجعية والرموز ? هناك مسحة مريمية في شعرك، نسبة إلى مريم البتول، كي لا أقول إنكِ تستعيرين من الإنجيل، ماذا عن ذلك وعن المصادر الثقافية للقصيدة؟ ? لأقل بدايةً أن الوعي العربي والإسلامي قد استوعب المسيحية وفقا للنص القرآني، وقد نشأ معنا هذا الوعي منذ طفولتنا ولا زال مستمرا. لكنني في قصائد كثيرة قد استعرت ما تسميه بالمسحة المريمية من الإنجيل بحسب ما هو شائع، ليس لأن المسيحية تمثّل جانبا مهمّا من التراث الديني المقدس فحسب، بل لأنني قد قرأته قراءة أدبية، أي أن الوعي العربي والإسلامي الراهن بالمسيحية قد أتاح لي أن أستعير من السيدة مريم رموزها بحيث تنقلب في القصيدة إلى استعارات تتنفس خارج الكتاب المقدس وبعيدا عن الوعي السائد بالمسيحية في الوقت نفسه. ثم إن التجربة المسيحية تنطوي على تجربة معرفية خطيرة في البحث عن الحقيقة والمعرفة والمصير الفردي البشري، وتتمثل هذه التجربة بتجربة الحواري “لوقا” الذي ينتمي إلى الجيل الثاني من الحواريين حيث إنه يوجد إنجيل يحمل اسمه: إنجيل لوقا، ولقد بجّل هذا الرجل ما لم يُبجّل من قبل واعتلى ما يُعتَلَ من مراتب المعرفة الانسانية. ما قصدت قوله من ذلك هو أنه باستعارتي هذه الرموز قصدت المحاولة في خوض تجربة معرفية مختلفة قد تقودني إلى تجربة شعرية مختلفة تماما عما كنت أكتبه سابقا، ومن جهة أخرى، فإن هذه المحاولة هي استفهام وحق قائم في التساؤل بتناول تجربة إنسانية في سياق شعري يقبل القسمة على التأويل واحتمالاته. من هنا قمت بقراءة الرحلة المسيحية كما هي لدى “لوقا”، وأعتقد أن الرحلة في الوعي الثقافي العربي لم تبدأ منذ ابن بطوطة أو سواه من الرحالة العرب، من المسلمين والنصارى، بل بما هو سابق عليها، وإذا وضعنا هذه الاشكالية في سؤال ضمن دائرة المعرفة التاريخية، فهل هناك ما هو متفَّق عليه مثلا؟ بالنسبة لي فهذا التساؤل يشكِّل تحديا لفكرة موروثة وراسخة كما أنه تحرير لتجربة الرحلة المعرفية من المقدس، وجعلها عادية تماما وغير متعالية على التاريخ والمعرفة الانسانيين. وأكرر هنا أن ما أكتبه في هذا السياق هو محاولة “شعرية” للتواصل مع المتخيَّل المسيحي الغني الذي يمنحني الآن إحساسا بأنني قد أنسج عملا مختلفا عن محاولات شعرية سابقة تخصّني وقد أصيب وربما أخطئ، لكنني بالتأكيد سأختلف مدفوعة بدواعي المعرفة والاستكشاف الشخصيين وليس بقصد التعبّد. علامات الترقيم ? لا علامات ترقيم مرئيةً فيما قرأت لك من قصائد، هل ترومين بذلك إحداث تعدّدٍ في القراءة أم هي الكتابة العفوية؟ ? كلّ النصوص الأسطورية الأولى قد كتبت دون علامات ترقيم أو تشكيل لأواخر الأحرف بإظهار حركات الإعراب، وكذلك هي حال الكتب السماوية الثلاثة، عندما نزلت من السماء على أنبياء الله. علامات الترقيم وإظهار حركات الإعراب والقراءات المتعددة ظهرت لاحقا. ونحن العرب عرفناها حديثاً واستعرنا بعضا منها من ثقافات أخرى. لكنني أعتقد أن ضبط علامات الترقيم وإظهار حركات الإعراب هي مهمة المحرر وليس الشاعر. وأحيانا أرى أنها محاولة للخروج من الذاكرة الأولى لمجتمعاتنا العربية الشفوية إلى ذاكرة راهنة للقراءة لتكون بذلك نوعا من “النفاق الموضعي” لأنها، أي أن علامات الترقيم وإظهار حركات الإعراب، تجعل القراءة بلا جهد وأمرا ميسورا. أليس أيّ حديث بين شخصين يكون سهلا لأنه مُعربٌ ومرقَّم؟. المواربة والغموض ? لكن، موضوعيا، يُحدث غياب علامات الترقيم إرباكا في القراءة لدى البعض مثلما أنني لاحظث وجود قَدْرٍ من الغموض في شعرك، فهل تقصدين أن تُبقي على باب التأويل مواربا؟. ? نعم أتقصد المواربة ما أتيح لي ذلك، لكن الغموض هو البلاغة الخفيَّة لزماننا الراهن، كما أنه تحايل رمزي على معرفة ما يحدث حقيقة حيث المعرفة ضرورة شخصية وجمعية، وفي ظلّ هذا الإرهاب والقمع والمركّب الكامن في نسيج المجتمعات ضد الأفراد وخاصة المرأة العربية وفي ظلّ الانتحار القسري للمعنى، بمعناه الانساني... في ظلّ ذلك كلّه، هل بقي لدى الشاعر شيء آخر غير المواربة حلا لذلك الغموض الذي بات بلاغة الأحياء والموتى معا مثلما أنه ترميز لمعاناة الفرد في المجتمعات العربية الحديثة. ? إذن ما الغموض الشعري برأيك؟ ? إنه واحد من جماليات الشعر، لكنه في الوقت نفسه صنعة وتقصد بحيث يجيء مدروسا وغير مغلق على ذاته. للغموض بهجة أخرى هي بهجة الاستكشاف والدهشة، عندما يكون محاولة اقتحام جريئة بحثا عن تفسير للصورة الشعرية التي تُصادر وللنصف الآخر الذي مغلقا من الباب الموارب. وهنا لا أدافع عن الغموض أو أُعلي من شأنه، بل أتحدث عن إحساس شخصي يكاد يكون حدسا. الصدق الداخلي ? شعركِ نتاج تجربة مخيضة بالمعنى الاجتماعي للكلمة وهي تنطوي على عطفة حارّة أحيانا مثلما هي الحال في قصيدتك “ذكرى حديث”؟ ? بالطبع، فالشعر نتاج تجربة مخيضة على المستوى الانساني، ويتصل الأمر هنا بما تحدثنا عنه مسبقا فيما يتصل بالماضي. وأقول أيضا إن التجربة تمنح الشعر الصدق الداخلي مثلما تمنح الشاعر المقدرة على الاحتيال الفني على هذه الصدقية بجعلها صدقية فنية وجمالية بدرجة أو بأخرى. الصدق الفني نأي وابتعاد في الذات الانسانية وله خصوصيته وله تجريده الخاص به، إنه الأرقى بكثير من سواه. إنه نجوى وترتيل. وهذا ليس بتنظير ولا قولا جزافا، لأنه النقاء المتداخل مع الذات، أو النفس الشاعرة، إلى حدّ أنني لا أتخيل شاعرا يُقتل أو يموت ولا تأخذ بثأره كل الكائنات الحية والجامدة المتعيِّنة في بيئته ومحيطه. ? ألهذا يكتب الشاعر ما يكتب؟. ? لا أعرف حقيقة. لكن خذ مثلا الشاعر “الجاهلي”، فقد كتب وهو يعاين الأطلال كما كتب، بينما يحبّ ويقاتل مثلما حين كان يتأمل في الوجود.. هكذا وصلت إلينا صورة الشاعر الجاهلي وصورة ما كتب. ما أودّ قوله هو إن الشاعر يخاطب العالم والوجود بكلمة ويحاول أن يدرك ماهيتهما بالكلمة ذاتها التي يخاطب بها نفسه.. هذا نجده فيما قاله الشعراء عن الطلال والمرأة ووصف الناقة والمكان، وإذا حدث واقتربت أكثر من بعض الشعراء المعاصرين ستجد أن في القصائد تحليلا سياسيا وآخر لححبّ وسوى ذلك من الأشياء والأغراض التي لا يمكن حصرها.. بهذا المعنى باتت تجربة الشعر العربي غنية وممتدة جغرافيا وتاريخيا، وأفقيا وعموديا، وربما لا مغالاة في القول في أن الشعر العربي بات احتفالا الآن. فكلما مات شاعر ظهر من بعده ألف شاعر، بعيدا عن موقف أيٍّ منّا من الشكل والمضمون والاختلاف حول الشعرية ونسبيتها. ذكرى حديث شعر: أمينة ذيبان * فورة من عشبه المقدسي شتاتُ الليالي وغرة أول آب الحزين هنا في الفؤاد في سماء التباين في المواعيد في شرفة الود أقرأ بوحي وحزمة أوسمة من جنازير في حزن أيام جوع المساء في الشرق في ليلة من دعاء أو سماء أو رعاء أطرز شملي أقرأ كف البكاء أنسج من شالها امرأة فوق كتف التفاصيل في مقل أورده أشتهي بسمة من نهار عليل أتهجى صباحٌ بلا مقل/ أورده أوسمة اقرأ اليوم صفحة من شفاه أستريح على غرة تخلق ذاكرة من أريج أستريح على شهد من أنين مقل لا تلين إعصار جور التماسيح اقرأ شبه سنين واقرأ شبه السنين واقرأ أشباه موقد وأزرع أول موعد وأنسج في رحم الغيب بادرة للشمول للمواويل للغة القادمة أنا والسوابق وغرة آب وبائعة في الفصول وليل تداهى على بعض أوردة أو شباب على الغيّ أودعني سنبلة من نسيم بعض ما في اليمين غرة آب تزيل حديث الغواية أو بعض أشياء فيها التدله والمعصية أشياء من غرة جائعة أشياء جزئي وأشياءُ بُعْدِي وأشياء أقصوصة في الحبِ أو في التواصل أو في البريد المعبأ بالأوسمة أنا قد أبحتُ سؤالي أبحتُ سؤال المساء غرة قارئة للفناجين عبر تواريخها فورة من مساء حلم السماوات بشارة قوت الحائليين أحمدُ موسم قربان جمهره الراعين حدثي حدثي حدثي وأقرأ نوُرْ وقيثارة أبكي عندليب وقول عرافة تُنبئ أين أصل أين أفتش عن برة أو عن براءة هذا مزاحٌ وعاشق وعاشقة في دهشة واجتياز براءة.. محكومة بربيع وشعر السهاد وبالانتظار بغير الدفا والإزار حميمٌ كأنف الثعابين بغير الزوارق أجهل كل سبيل إلى هزة طارئة أو ثائرة بغير جناحي التراتيل في بؤر عابرة غائرة دائرة فارغة سائرة بغير البواكير في بؤر عابرة دائرة مارقة رائقة سابقة أنا والذي ودع القلب قبل ظهور النهار أحن إلى قرون النما والمستحيل عبارتنا بحةٌ دائرة وفي الآخرة سبلٌ وانتظار أوسمة قابعة وشهدٌ حرائق من فجواتٍ سئمتُ وآهٍ قَدِمتُ وفي القبب التمست وجوه الصبايا وعودُ الربيعُ ولم أتنفس سوى أدخنة/ أتربة أفئدة شهوة تتملقني أستقي بحةُ الانتظار عبير التها... والتماهي في حرقة غير معشوقة هنا أو هنا قمرٌ سبيلي على ضفتين من اللا ولا غير حب يضعضعني في اشتهاء السماوات قرأت صحيفة طيبة ممزقةٌ كقمار السنين صفضافة أَذْهبت عني وحزنٌ يبيح مناديل أوراق بوصلة تدشن شيئا وشيئا وأبقى أعدُ مع الزلف الغارقة أفجرُ بوحي وأقرأ في سنن المارقين حديثْ الرؤى والتراوي وثمة ما يُقْرأُ ما يقرُ وأقرأه نقرأه قرآتنا رائجة قراءتنا قارئة قرأتنا غيرُ قراءة قارئه لا ترى غير فنجانها أو ترى ما يرى ما لا يرى وأرى رؤى قارئة هشيم يخدر أقرأ فنجانها وأقرأ ألوان دفترها ولباس جسارتها أو أرى بي في يقيني منها لجة من شمال بحة من رمال بحة من كمال بحة لا أرى... أُحَدِث عنك الذي بيننا وأقرأ ما بيننا ما يحدثُ عنا ما اتفاقٌ أرى ما اختلافٌ أرى وأرى ما لا يرى أريني الذي بيننا أريني دفاترنا وأريني اتفاق رفاق السماء أريني الذي لا يرى أصلي على قول بائعة للمزامير قول امرأة “أنا الأرضُ كل الضلوع” وأنسفُ ضلعي وأبقي يقيني بشومان هذا الذي قد قرأتِ هذا الذي قد أبحتِ هذا الذي قد جرأتِ عليك بقاءٌ وفي القلبِ نور علي وصالٌ وفي القلب زمرة وجد تعرى وأودع قلبي مجون السماء * مقطع من قصيدة طويلة مهداة الى الشاعرة ظبية خميس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©