الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من هي المرأة الثالثة؟

من هي المرأة الثالثة؟
15 نوفمبر 2012
نادراً ما يفلت كاتب من الكتابة عن المرأة، لكن هذا كان صعبا على الفيلسوف الفرنسي جيل ليبوفتيسكي، وهو يعد كتابه “المرأة الثالثة”، هو صاحب الدراسات والكتب المهمة حول العولمة والثقافة والاعلام، وتدور معظمها حول هموم الانسان الأوروبي والغربي المعاصر، ثم راح يعد كتابه الذي بين أيدينا، واضطر إلى أن يضع في مقدمته مذكرة تفسيرية حول الأسباب التي تدفع فيلسوفا مثله، من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى أن يضع كتابا حول المرأة، وعنده أن المكانة الجديدة والمتميزة للمرأة في النصف الأخير من القرن الماضي تحديدا منذ سبعينيات القرن العشرين تفوق ما تحقق لها في الألفيات السابقة. وخلال هذه العقود ظهر ما يسميه هو “المرأة الثالثة”، وقبل الحديث عنها لابد من التوقف عند الأولى والثانية. الأولى المرأة الأولى، هي التقليدية التي كانت محبوسة في البيت وفي الدور الاجتماعي المخصص لها، وهو الإنجاب والأمومة في المقام الأول، ثم رعاية البيت والزوج، لا يعني ذلك أنها كانت بلا أهمية تذكر، كانت اهميتها في أن تحافظ علي استمرار الاسرة والعائلة، ومن ثم الجنس البشري كله بالتوالد والإنجاب، وكان ذلك موضع تقدير لها ويحدد هويتها في المحيط العائلي والانساني، هذه المرأة كانت مبعدة عن مواقع السلطة، بمعنى أنها لا تمارس السياسة ولا تصبح قائدة للجيوش في الحروب، ولا تتولى الوزارة ولا الحكم، ولا نقترب من دائرة الكهنوت، وليس لها دور خارج حدود المنزل، ويطلق الفيلسوف الفرنسي على هذه المرأة “المرأة المحتقرة”، حيث سادت التراتبية التي تعلي من قيم الذكورة في المجتمع منذ فجر التاريخ. الثانية المرأة الثانية، هي المُحتفى بها وظهرت منذ العصور الوسطى، فقد اختفى المأثور الأبدي في شتم النساء والتقليل منهن، وظهر خطاب جديد يقوم على تقديس المرأة المحبوبة والتغني بها وبمزاياها الكاملة وصفاتها الحميدة، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر كرمت الأنثى والمرأة الجميلة، وبدأ التغني بالجمال والجميلات في الأشعار والمواويل. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر ظهر أنصار المرأة الذين يعددون فضائلها، ويمتدحون خصالها، وجرى الحديث عن شهيرات النساء في مختلف الأجيال والمجالات، وفي القرن التاسع عشر تم تمجيد المرأة، باعتبارها زوجة حيناً، وأماً حينا آخر، ومحبوبة وابنة وسيدة صالون وهكذا. قال عنها جوته “المرأة الخالدة تجرنا نحو العلا” وهي “مستقبل الرجل” لدى أراجون وهي “مخلوق سماوي ورباني”، وأيضا “مبتغى الرجل” عند نوفاليس، أما بريتون فقد اعتبرها “الربة الملهمة وأعلى فرصة للرجل”. هكذا اختفى خطاب الاحتقار التقليدي، وبرز خطاب التمجيد ولنقل التدليل والتوله بها، لكن ذلك لم يغير شيئا من التراتبية الاجتماعية التي تميز الذكورة بقيمها على الأنثى والأنوثة، بقيت المرأة وردة جميلة وزهرة يانعة، لكنها لم تصبح عنصرا فاعلا وأساسيا في مواقع التأثير بالمجتمع والدولة، وهذا ما أدى الى تمرد النساء على ذلك الوضع، واتجهن الى المطالبة بتغيير أدوارهن، والأهم من ذلك تغيير هويتهن الاجتماعية والحياتية طبقا لذلك، فظهرت المرأة الثالثة. الثالثة المرأة الثالثة، هي نموذج جديد يحكم مكانة المرأة ومصيرها الاجتماعي، وتتميز هنا بالاستقلالية، ويسميها “المرأة غير المحددة”، فقد خرجت من المصير المتوقع والمعروف. ربة منزل وزوجة الى مصير آخر مفتوح، ولا يمكن التنبؤ به، او توقع الى أين يقود المرأة. وهناك تساؤلات كثيرة يتم النقاش حولها في هذا الصدد، مثل، هل تتزوج المرأة وتعيش في ظل أسرة، أم تعيش مع شريكها خارج مؤسسة الزواج؟ هل تتزوج من رجل، أم تعيش مع طرف آخر من الجنس نفسه؟ هل تطلب الطلاق أم لا.. هل تعمل طوال الوقت أم بعض الوقت؟ هل تمارس جميع المهن والأعمال، أم هناك مهن لا يجوز لها الاقتراب منها؟ وهكذا.. كل شيء مفتوح وقابل للنقاش والأخذ والرد. وفي ظل المرأة الثالثة صارت المرأة في بعض البلدان الأوروبية وزيرا للدفاع، أي قائدة الجيوش ورئيسا للمخابرات، وتولت رئاسة بعض الدول، فضلًا عن أنها خاضت المنافسة على رئاسة الولايات المتحدة، ودخلت سلك الكهنوت بالكنيسة. المرأة الثالثة، تمثل قطيعة مع تاريخ المرأة حين كانت المرأة محتقرة ثم مدللة، وتم تقليل الفوارق بين الجنسين، خاصة في مجالات التعليم والعمل والتربية وغيرها، ولكن ستبقى الفوارق قائمة، تميز بين الجنسين، والذي يحدث الآن هو اعادة انتاج أو إعادة تدوير الفوارق بينهما ولا الغاؤها، ويعلن الفيلسوف بوضوح أنه لن يمكن إزالة الفوارق بين الذكر والأنثى. الرجل والمرأة ويقول: في قلب الحداثة المفرطة ينتظم من جديد التباين في مواقع النوع وبقيت الوظائف والأدوار القديمة، وتواكبت بطريقة غير مسبوقة مع الأدوار الحديثة، وكنا نعتقد أن الحداثة ألغت الفصل الجنسي للمعايير، وفي الواقع أنها وفقت بين الجديد والقديم، وأعادت التراث القديم الى داخل العالم الفردي، من هنا يتأكد مطلب إعادة النظر في أساس الافتراضات التي تؤكد حتمية المسيرة نحو عدم التمييز في الأدوار والمكانة بين الجنسين، انه يتحدث عما يسميه الحداثة الديمقراطية، والتي تقوم على أن أحد الجنسين لا يتغلب على الآخر ولا يزيحه، والمطلوب ليس إمكانية تبادل الأدوار الجنسية، ولكن اعادة تشكيل الفروق الدقيقة والأقل تعطيلا للمرأة، باختصار اعادة النظر في الفروق التي تعد عقبة أمام الامتلاك الحر للذات. النتيجة الأخيرة للكتاب عرضت صاحبه لانتقاد حاد من بعض السيدات في مختلف البلدان الأوروبية، خاصة المتخصصات في علوم الاجتماع، وذهبت صحفية كندية الى ان افكاره تنطبق على المرأة البيضاء البشرة والبرجوازية، وكذلك الفرنسية، لكنها لا تنطبق على النساء في بقية القارات والمناطق غير الأوروبية في عالمنا. الكتاب: المرأة الثالثة.. ديمومة الأنثوي وثورته المؤلف: جيل ليبوفيتسكي المترجم: دينا مندور مراجعة وتقديم: جمال شحيد الناشر: المشروع القومي المصري للترجمة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©