الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المراوحة في الزمان والمكان

المراوحة في الزمان والمكان
15 نوفمبر 2012
المعنى المباشر الذي يصل من رواية "الميراث" للكاتبة أمل صديق عفيفي هو عودة يوسف من أمريكا إلى وطنه مصر بعد أعوام طويلة من "الغربة"، باحثًا عن حل لمشكلاته، فيجد في واقعه الجديد ما هو أعقد ويدخل في رحلة للبحث عن ميراثه، ذلك هو الهيكل الفني البسيط والقريب لفكرة الميراث الرواية، والميراث المعني، في مراوحة زمنية ومكانية، تتمثل في الرحيل بداية، ثم العودة، ثم التفكير في الرحيل مرة أخرى، ورفض هذه الفكرة، في بنية دائرية فنيًّا ونفسيًّا، لتنطلق فكرة الميراث من معنى مادي إلى قيمة أعمق، تتعلق بمفهوم الهوية، هوية الإنسان والأرض والوطن، معنويًّا وإنسانيًّا وتمزقاتها بين المحلي والعولمي. هذه الفكرة التي تقض مضجع كل مغترب سواء كان يعيش بالخارج أو يعيش بالداخل، تم التعبير عنها فنيًّا بعوالم روائية تفيض بالتفاصيل والأحداث، وزخم الشخصيات وتناقضاتها، وكل شخصيات الرواية تتوزع فيهم فكرة الاغتراب والرغبة في الرحيل مكانيًّا وزمانيًّا، جسديًّا وروحيًّا، فمنهم من يريد مغادرة المكان بجسده، ومنهم من يريد العودة بالزمن إلى الوراء والعيش في الماضي، فبطلا العمل (رجل وامرأة) الأول اغتراب جسديًا، ثم عاد ليدخل في الاغتراب أي الانفصال النفسي والروحي عن الواقع الضاغط بمشكلاته، فيدخل إلى الاغتراب بمعناه الفلسفي والإنساني الواسع، لكنه يتدارك نفسه ويحاول الاندماج في واقعه، محاولًا تغييره. كذلك فإن العديدين من أبطال العمل مصابون بهذا الاغتراب، ومنفصلون عن الواقع لكنهم لا يحاولون تغييره، ويرون أن حل مشكلاته يكمن في فكرة استخراج كنز مادي، يعوضهم عن فقرهم الواقعي روحيًّا وماديًّا، لكن البطل وقد عادت إليه شخصيته المصرية، يرفض استكمال هذا المخطط ويقرر البقاء في وطنه، محاولًا تغييره إلى الأفضل، مع مراعاة حق الأجيال المقبلة في اكتشاف كنوز أجدادهم التي تتمثل في تراث مادي وفكري وروحي: "كان منصور لا يزال يحاول إقناع يوسف بالعدول عن رأيه مشككا في أنه اتخذ القرار الصحيح، محاولًا حثه على الإقدام على الحفر بعد الاستعانة بشيخ جديد، خصوصًا أنهم تأكدوا من وجود مقبرة، ولكن يوسف أصر على الرفض، قائلًا: "أنا مش عايز الفلوس الملعونة دي.."، ثم أضاف مبتسمًا: "بكرة هيجي ناس ثانية، وأيام ثانية، وهتبقى الدنيا غير الدنيا.. وواحد من أولادي أولادي هيدخل التاريخ لأنه عمل كشف عظيم". وهكذا يرفض البطل فكرة كون الميراث هو معنى مادي وفقط تحل عبره مشكلات آنية، إلى معنى أعمق يشكل هوية المواطنين، ومناط وجودهم؛ والقارئ يقع في فخ بساطة الحكي الذي انتهجه الروائية كإستراتيجية فنية لها، ليتسرب إليه هذا المعنى الأعمق لفكرتها، وتصوراتها من الوجود. وكعادتها فإن أمل صديق عفيفي، تحيط عملها بأجواء واقعية، تشي للقارئ بأن ما يجرى أمامه في سطور الرواية هو شيء يقع فعلًا أمامه، وذلك أنها تذكر الكثير من الشخصيات الواقعية التي شاركتها فكرة العمل، وشكلوا عالمها الروائي، وتذكرهم بأسمائهم الحقيقية وتثمن أدوارهم، فالرواية عالم من أشخاص حقيقيين وإلى قراء حقيقيين، لتكتمل فكرة الدائرية في الرواية شكلًا وموضوعًا، واقعًا وخيالًا، كما أنها تهدي روايتها إلى الأديب والمفكر علاء الأسواني الذي أعاد جيلًا بأكمله إلى الكتاب. "الميراث" صدرت حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية، وتقع الرواية في 320 صفحة من القطع المتوسط، وبغلاف يكتنز الكثير من المعاني التي تدور حولها الرواية، فصورة الهرم في الغلاف تذهب بمعنى الميراث إلى آفاق بعيدة عن فكرة الأموال والعقارات التي قد يرثها المرء من أهله، كاستفادة وقتية. الرواية كتبت أساسًا كسيناريو لفيلم، فكما تقول المؤلفة "ما عادت الجمل الحوارية على لسان الأبطال تكفيني، ولذا قررت أن أحوّل الفيلم إلى رواية". والروائية أمل صديق عفيفي حاصلة على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة آستون بانجلترا، ولها العديد من المؤلفات منها روايات "يوم من الأيام"، و"نقطة ومن أول السطر"، و"أنفلونزا الحمير"، و"أيام في حياة محمد علي" بالإضافة إلى سلسلتي كتب للأطفال "رحلة الزمان" و"حكايتنا كلنا"، وقد شاركت في كتابة السيناريو للعديد من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، كما شاركت في العديد من معارض الفن التشكيلي الجماعية، وأقامت أخرى فردية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©