الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سهيل الظاهري: عايشت مواقف تجسد عشق الشيخ زايد للوطن

سهيل الظاهري: عايشت مواقف تجسد عشق الشيخ زايد للوطن
26 نوفمبر 2011 20:47
لم يكن التوقف عند المحطات المهمة في مسيرة حياته التي تمتد إلى ما يزيد على سبعة عقود أمراً هيناً. فسجل الذكريات لديه يقترن بتفاصيل الحياة وبساطتها وثرائها في «زمان أول». ويزداد الأمر صعوبة عندما أحاول في كل مرة أن أمسك بتفاصيل البعد الإنساني الذي يستغرق في استحضاره عندما يكون الحديث عن شخصية بحجم ومكانة وقيمة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وقد حظي بالعيش في كنفه، ورافقه عن قرب كسائق ومرافق أمين لسنوات طويلة تزيد عن نصف قرن، عايش خلالها تفاصيل عديدة، وأحداث يصعب حصرها، ومفردات يستحيل استحضارها! فتمتزج كلمات سهيل اليبهوني الظاهري بذكريات «زمنه الجميل»، ليعود إلى بداياته الأولى، ونشأته، وحياة الرعيل الأول من أهل الإمارات، ورحلة وفائه، وحظوظه أكثر من غيره في أن يكون قريباً من رجل خطط وصنع وقاد وأسس تاريخ الوطن المشرق، في تجربة هي نموذج للحكمة والقيادة. يحاول سهيل الظاهري، أن يسترجع الأيام التي شهدت نشأته الأولى، فيقول «يصعب وصف الحالة التي كانت عليها الإمارات قبل أربعة أو خمسة عقود، وإلى فترة بداية سبعينيات القرن الماضي، فالحياة كانت شديدة الصعوبة والبساطة، حيث فرضت ظروف الحياة والطقس نظماً وأنماطاً حياتية متكاملة للإنسان خصوصاً فيما يتعلق بالغذاء والطعام والمسكن». ويضيف «لأن حرارة الصيف كانت قاسية كان الناس يبحثون عن الوسائل المتوافرة حينها كي يتعايشوا مع هذه الحرارة، بل ويوظفوها من أجل مصالحهم، وقد تميز الآباء والأجداد في الماضي بقدرتهم على التكيف مع جميع المواسم والأحوال السائدة، فكان سلاحهم الصبر والإرادة، ولا يستسلمون لشظف العيش بسهولة، فكانوا يعتمدون على الزراعة البسيطة لندرة مصادر المياه، والرعي والصيد والقنص». زمن جميل يقول الظاهري «مثلت زراعة النخيل أهمية خاصة في حياة الناس، لمواءمتها لمناخ الصحراء ونقص المياه، وكانت مظاهر الحياة البدوية تعتمد على التمور كمصدر للغذاء، وعلى مخلفات النخيل، حيث تفننوا في كيفية الاستفادة من كل جزء منها حتى عند جفافها، في بناء المنازل، وبناء البيوت وحظائر الحيوانات والسلال اليدوية، وأوعية حفظ التمور، وصناعة الحبال، وعلف الحيوانات، والوقود». والظاهري، الذي تعدى منتصف العقد السابع من العمر، انتقل من العين إلى أبوظبي عام 1966، وتزوج سبع مرات، وأنجب سبعة أبناء، حرص حرصاً شديداً علي تعليمهم وتنشئتهم تنشئة صالحة، فمنهم الطيار، ومنهم من يعمل بإدارة الأعمال، وأصغرهم عمرا لا يتجاوز السنوات الخمس. وعن نشأته الأولى، يقول الظاهري «عشنا تلك الأيام الجميلة، وعشنا ذلك الزمن الذي كان يتميز بالترابط والعلاقات الاجتماعية الوطيدة بين الناس، ورأينا ذلك الود والتعاطف الكبير بينهم في الأفراح والأتراح، فقد ولدت ونشأت في بيئة تتمتع بالبساطة، وأتذكر حرارة أيام الصيف، وكان المزارعون يقضون وقتهم في جهد وعمل، وينتظرون موعد جني الرطب من النخيل بمختلف أنواعها، وكانت النخلة الشجرة الأولى التي نعتمد عليها في الغذاء، وكانوا دائما مستعدون لقهر الحرارة التي تعودوا عليها، ولم يكن أمامهم سوى ظل النخيل والأشجار يستظلون بها وقت القيظ، فلم يكن هناك أجهزة تكييف كالتي نراها الآن، وكنا نعتمد بشكل أساسي على النخيل، كما كانت هناك أنواع أخرى من المحاصيل التي تنضج في الصيف وننتظر موسمها بلهفة وفرح، وكانت البيوت تبنى من العريش، حتى يسرب الهواء من كل جانب، وتفرش من الداخل بالحصير، وكنا نعتمد على رش سعف النخيل بالماء لتبريد الهواء الذي يتسلل إلى الداخل». طبيعة وفطرة يستعيد الظاهري طبيعة الناس في هذه الأثناء، وكيف كانوا يحملون من صفات، فيقول «نشأت وتربيت في مدينة العين، وكان أهل العين يتصفون بصفات مميزة، وتجمعهم قيم وعادات وتقاليد عربية عريقة، منها الشهامة والرجولة والنخوة العربية الأصيلة، والكرم واحترام العهد والصبر وتحمل الشدائد والتآلف والتراحم والترابط عند الأزمات، ولم يكن هناك وجود للمدارس، ولا المستشفيات، ولا الخدمات الحديثة التي نراها الآن، ولا يوجد طرق أو مواصلات ولا هواتف». ويضيف «كنت أكثر الناس حظاً أن التحقت بالعمل سائقا لدى المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وكان عمري لا يزيد عن 12 سنة، وكان وقتها حاكماً لمدينة العين، ما أتاح لي أن أتعرف إليه عن قرب، وعايشته ـ طيب الله ثراه ـ في أيام شبابه، ولمست منذ وقت مبكر ما حباه الله به من صفات يندر وجودها مجتمعة في إنسان، فكان مثالاً للبساطة والشهامة والمروءة والحكمة وسعة الأفق والكرم، والتمتع برؤى ثاقبة، وإرادة لا تلين، وشاهدت كثيرا من المواقف الإنسانية اليومية التي تؤكد مدى حبه وعشقه لتراب هذا الوطن، واهتمامه بالناس البسطاء وقضاياهم ومشاكلهم اليومية، واحتياجاتهم، ومدى عشقه للأرض والطبيعة والبيئة، واهتمامه بالزراعة، وتوفير مصادر المياه، ولمست كيف كان يحلم ببناء دولة عصرية حديثة، وعايشت بالقرب منه ـ رحمه الله ـ كيف تنامت وتطورت أحلامه لشعبه وأمته، بقيام وتأسيس دولة الاتحاد، وما بذله من جهد غير محدود حتى تحققت أحلامه». ذكريات خالدة يعود الظاهري بذاكرته إلى تلك الأيام ليروي مشاهد حفرت في ذاكرته ولا ينساها، فيقول «أتذكر تلك الأوقات التي سافرت فيها إلى مسقط لإحضار معلم لأنجال المغفور له بإذن الله الشيوخ بارك الله فيهم وحفظهم، لتعليمهم القراءة والكتابة في الفترة الصباحية، وكنت مسؤولاً وقتها عن إحضارهم واصطحابهم إليه للدراسة تحت ظلال النخيل في منطقة المويجعي، وبعد الظهر عند «الشيخ ثاني» الذي أوكل إليه تعليمهم حفظ القرآن الكريم، وكان طيب الله ثراه ما إن يراني إلا ويسألني عن أحوالهم وانتظامهم في الدراسة، ودائما ما كنت أرافقهم خلال سفرهم للخارج». ويكمل «من ينسى كل التفاصيل التي حفرت في سجل الذاكرة على امتداد ما يزيد عن خمسين عاما خلال مرافقتي للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وخلال رحلاته الخارجية، أو رحلات الصيد والقنص، أوعند تفقده للمشاريع الكثيرة التي كان يشرف عليها ويتابعها بنفسه، حتى عندما تولى مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي في 6 أغسطس 1966، حيث انتقلت للإقامة في أبوظبي، وسكنت بالقرب من قصر المنهل». ويتابع «لا تفارقني ذكريات رحلاته ولقاءاته المكوكية بين أبوظبي ودبي والإمارات الأخرى، ولقاءاته بإخوانه حكام الإمارات، ولا تبارحني سعادته فور عودته ـ رحمة الله عليه ـ من دبي، وكنت في باحة قصر المنهل، بعد إعلان قيام دولة الاتحاد، وكيف كانت فرحته بالإنجاز التاريخي العظيم الذي تحقق وقد اقترنت بمشاعر الفخر والاعتزاز، وكيف نجح وإخوانه حكام الإمارات في تحويل الحلم إلى حقيقة، فقد تحققت إنجازات غير مسبوقة في كل مناحي الحياة، وعايشت تلك الفترة على امتدا الأربعين عاماً، ورأيت ما نراه اليوم من نهضة حديثة، وتنمية، وانطلاقة لكل مجالات الحياة، من صحة وتعليم وثقافة واقتصاد، ولم يفتر اهتمام القائد المؤسس ـ طيب الله ثراه-يوما بقطاع الزراعة، فكان شغله الشاغل، رغم الطبيعة الصحراوية القاسية والظروف المناخية الصعبة، وقلة مصادر المياه، وما كانت هذه الإنجازات تتحقق إلا بفضل المولى سبحانه وتعالى والبصيرة الثاقبة والعزيمة الغلابة والتوجيهات والمتابعة المستمرة للمغفور له، الذي كان يؤمن بأن الزراعة والحضارة وجهان لعملة واحدة، فقد سمعته أكثر من مرة يقول «اعطوني زراعة أعطيكم حضارة»، فقد عايشت واستمعت عن قرب أوامره وتعليماته ومتابعاته لإنشاء عشرات مشاريع البنية التحتية، وإنشاء المحميات في منطقة سويحان بوسط الصحراء، وأقيمت بنية أساسية قوية للقطاع الزراعي، ووزعت الأراضي الزراعية مجانا على المواطنين، ومنحوا ضمانات وقروضا لشراء المعدات والأسمدة والبذور لزراعتها، وإقامة المشروعات العمرانية وتوفر المساكن الحديثة والخدمات الأساسية في كل المناطق الزراعية الجديدة، وأنشئت المزارع النموذجية الحديثة على مساحات واسعة من الأرض كتلك الموجودة في منطقة الجرف الصحراوية ومنطقة العجبان وجزيرة صير بني ياس التي تحولت إلى مزرعة ضخمة ومحمية طبيعية للحياة البرية». امتداد الأحلام يتذكر سهيل الظاهري لحظات كان يقود فيها السيارة التي يستقلها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ رحمه الله ـ أثناء رحلات الصيد والقنص، أو عند تفقده مشروعات في ليوا، والخزنة، وزيارته لمنطقة عين بوسخنة، أو صوب خويرة، أو غرب عبري، وحديثه وأحلامه التي كان يفكر بها بصوت مسموع، ويكشف فيها عن آماله وطموحاته لأبناء شعبه، وكيف كان مهموماً يفكر في كيفية قهر المستحيل، وكيفية ترجمة أحلامه على أرض الواقع، وكيف تكون فرحته عندما يشاهد مشروعاً ما قد تم إنجازه، ولم يكد ينته منه إلا وكانت أحلامه تمتد إلى حلم تنموي جديد، ووسط هذا كله لا ينس أن يسأل عن أدق التفاصيل عن حياة الأبناء وأحوالهم، ويطمئن على كل صغيرة وكبيرة يمكن أن تخطر على بال.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©