الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غرس معنى الامتنان في نفوس الأطفال له فوائد جمة بعيدة المدى

غرس معنى الامتنان في نفوس الأطفال له فوائد جمة بعيدة المدى
26 نوفمبر 2011 20:51
ليس الشُكر أمراً تُمليه فنون “الإيتيكيت” وأسلوب العيش المعاصر المغرق في التصنع والتكلف والمظاهر، بل إن شُكر الناس من الأخلاق الحميدة والخصال الجميلة التي نشأت بنشوء الإنسان وتجلت معانيه قبل نزول آدم إلى الأرض. وهي كلمة ذات دلالات بليغة وآثار سحرية باهرة لا يزول أثرها بتمام نُطقها، بل إنه يمتد إلى آماد آجلة بعيدة. ولذلك ينصح علماء النفس بزرعها في نفوس الأطفال وتعليمهم قيمة “الشكر” السامية حتى يجنوا ثمارها الوافرة من خلال تمتعهم بشخصيات أسعد وصحة أفضل. فالشكر، يقول علماء النفس، يُساعد الأطفال على بناء شخصيات متوازنة وراضية، شخصيات شاكرة إيجابية جميلة تستشعر جمال الكون وتحصي ما تعيش فيه من نعم، وتُسارع إلى شُكر المعروف، وتغض الطرف عن السوء والقُبح بعيونها الجميلة الكليلة عن كل عيب، والبصيرة بكل حُسن. يقول البروفسور جيفري فروه، أستاذ علم النفس بجامعة هوفسترا والذي بحث كثيراً في الآثار النفسية للشكر والامتنان، “نعلم أن الأطفال الممتنين هم أكثر سعادةً وأكثر رضاً عن حياتهم. وكونهم كذلك يجعلهم يكونون صداقات أفضل ويُنشئون علاقات أقوى مع أفراد العائلة. كما أن غالبيتهم يُحَصلون معدلاً تراكمياً أحسن وعلامات أكبر”. ويضيف “عادةً ما يكون الأطفال الممتنون ذو شخصيات أقل ماديةً وأقل حسداً لغيرهم وأقل عُرضةً للكآبة، ولديهم رغبة أقوى للتواصل مع المجتمع وأن يُقدموا له دائماً شيئاً ما عرفاناً وامتناناً”. ويعكف عدد متزايد من الباحثين على دراسة صفة “الشكر والامتنان” وأثرها في التكوين الشخصي والنفسي للأطفال، ويشير عدد منهم إلى أن التحلي بصفة الامتنان له العديد من الفوائد النفسية والاجتماعية على الشخص الراشد أيضاً، بل وحتى البدنية من قبيل انخفاض ضغط الدم. ومن الممكن تدريس “الامتنان” لحسن الحظ. فقد توصل البروفسور فروه في إحدى دراساته المقارناتية إلى أن المراهقين الذين يُحصون النعم التي يتمتعون بها كل يوم لمدة أسبوعين كانوا أكثر امتناناً من أولئك الذين لا يفعلون ذلك، كما كانوا أكثر تفاؤلاً ورضاً عن حياتهم. وفي دراسة أخرى لاحقة، وجد جيفري وزملاء له أن أطفال المدارس الذين يشمل منهاجهم الدراسي دُروساً عن قيمة الشكر كانوا أكثر امتناناً وسعادةً من أولئك الذين لم يحصلوا على مثل هذه الدروس، وأن هذه المشاعر الإيجابية لازمتهم حتى بعد مرور أكثر من خمسة أشهر من تلقيهم هذه الدروس. كما أنهم كانوا أكثر قُدرةً على التعبير عن مشاعرهم، بما فيها شعور الامتنان، وأحد تجليات ذلك كان كتابتهم عبارات “شكر” أكثر من الآخرين بنسبة 80% عند حضورهم فعاليةً مدرسيةً. تحدي الطغيان المادي يشير فروه إلى أن الدراسة التي شارك في إنجازها تُفيد أن الفوائد المرتبطة بالامتنان تظهر أكثر عند الأطفال الذين يبدؤون تلقي دروس عن قيمة الامتنان بإقبال فاتر وأقل حماسةً. ويضيف “نحن هنا بصدد الحديث عن سُلوك حقيقي”. وعلى الرغم من الميزات الجلية لخصلة الامتنان، فإن تنشئة أطفال ممتنين وشكورين في وقتنا الحالي الذي تطغى عليه القيم المادية ويُركز فيه الإعلام أكثر فأكثر على المال والشهرة والوضع الاجتماعي والأحدث والأعظم والأفضل في كل شيء قد يكون تحدياً صعباً بالنسبة للأبوين. لكن هذا لا يعني أن الأمر لا يستحق عناء المحاولة، كما تقول إلينور ماكيي من المركز الطبي الوطني للأطفال. وهي ترى أن “هذا الأمر شبيه بتلقين أي قيمة أخلاقية أخرى بشكل عام، فتعويد الطفل على أن يكون شكوراً تتطلب الوقت والجهد، لكنها غاية قابلة للتحقق إذا اعتبرها المربون أولويةً، فيكون جزاؤهم لاحقاً هو جني ثمار وافرة والشعور بالفخر بأنْ كان لهم الفضل في تمتع أطفالهم بصحة أفضل وشخصيات أكثر توازُناً”. التلقين بالقدوة يرى بعض الخبراء أن تلقين الأطفال معنى الامتنان وغرسه في نفوسهم يحتاج القدوة أولاً وإلى القيام بخطوات تربوية عملية ثانياً. فالآباء يحتاجون إلى أن يكونوا قدوات جيدة لأبنائهم عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن التقدير والامتنان، سواءً كان ذلك يعني شُكر الغرباء لإبقاء الباب أو المصعد مفتوحاً ليمر من بعدهم، أو شكر الابن أو البنت عن القيام بعمل جيد يستحق الثناء والحمد بشكل تلقائي عفوي. وتقول ماكيي “عندما يكون للشخص تجربة في تلقي عبارات الثناء والشكر، فإن ذلك يُساعده على الشعور بأن الشكر والامتنان هو أمر جيد لكل شخص كتعبير عن تقدير ما قام به الآخر لصالحه”. التركيز على الإيجابي يوصي البروفسور فروه بمساعدة الأطفال على وضع قائمة بالأشياء الجيدة التي يعتقدون أنه يجب عليهم أن يكونوا شاكرين لوجودها في حياتهم. وهذا ينفع أكثر مع اليافعين الذين يُركزون غالباً على الأشياء التي يملكها أصدقاؤهم ولا توجد لديهم. ويقول فروه “حاول فقط أن تركز أكثر وبغاية اللطف على الأشياء الجيدة التي يملكونها مسبقاً في نواح أخرى من حياتهم، مع الحرص على عدم نسف رغبتهم في الشيء الذي يريدونه”. ويمضي شارحاً “وذلك مثل أن تقول “حسناً، هذا جيد. قد لا يكون لديك “آي فون فور إس”، لكن أنظر إلى العلاقات الرائعة التي تربطك بأصدقائك، وانظر إلى أدائك وتحصيلك المتميز في المدرسة، فهاتان النعمتان هما أهم بكثير من الأشياء الأخرى”. روعة المكتسبات اللامادية يقترح البروفسور فروه استبدال مشاوير الذهاب إلى المراكز التجارية والمولات بوضع برامج أخرى لا ترتكز على الاستهلاك والامتلاك المادي، مثل الذهاب إلى حديقة عائلية أو ممارسة رياضة ما أو قضاء وقت ممتع في بيت مليء بالأنشطة المشوقة. ويوضح فروه ذلك بالقول “من المهم توجيه أطفالك إلى اكتساب القيم السامية والحاجات الهامة والابتعاد عن الصفات السيئة وعدم مصاحبة من يتسم بها. فجعل الأطفال مُفعمين بمعاني العظمة والروعة المتجسدة في الكون والعالم يُساعدهم على اكتشاف أن هناك الكثير من النعم الأكثر إمتاعاً والأجدر بالشكر والحمد من التفكير في الحصول على هواتف متحركة جديدة أو لعب حديثة أو غيرها من المكتسبات المادية الشائعة”. مساعدة الغير لا تعتقد أبداً أن الوقت ما زال مبكراً لتشرح لأطفالك فكرة أنه ليس هناك أي شخص في العالم لديه كل ما يحتاجه أو يرغب فيه. ولإيصال مثل هذه الأفكار، اصطحبهم لشراء بعض الهدايا وقم برفقتهم بجولة إلى مستشفى محلي أو دار للعجزة أو رابطة لإنقاذ الحيوانات أو جمعية لإغاثة المحتاجين، واجعلهم يتواصلون معهم ويقدمون لهم هذه الهدايا بابتسامة. وتقول ماكيي إن الراشدين والكبار يمكنهم التطوع في جمعيات مدنية أو مجتمعية تنشط في المنطقة التي يسكنونها، لكن التطوع لفعل الخير والأشياء الجيدة هي في الواقع أمر مُتاح للجميع كباراً وصغاراً، فأن تُقدم يد العون لجار مسن أو امرأة عجوز لعبور الطريق أو جلب حاجة ما من بقالة الحي له وقْع وتأثير عجيبين على النفس. ومثل هذه الأفعال التطوعية الفردية يمكنها أن تُظهر “روعة أن تشعر بأن شخصاً ما سعيد بفضل شيء قمت به أنت من أجله. فهذا إحساس في غاية الروعة والعُذوبة”. لا يَهُم إن كان طفلك لا يعي كامل ظلال ومعاني كلمة “شكراً” التي قد تصدر منه سريعاً لشخص ما بتوجيه منك. وفي هذا الصدد، يقول فروه “في البداية، قد ينفع التكرار في زرع معنى الامتنان في نفس طفلك كأن تُذكره دائماً بشكر كل من يُقدم له شيئاً ما أو يُسدي له خدمةً بالقول له حرفياً “عندما يُقدم لك شخص ما معروفاً، فقل له شكراً.” ويرى البروفسور فروه أن على كل مُرَب أن يُعود الطفل على الشكر بصرف النظر عما إذا كان ما يُقدم له من هدية أو خدمة يروقه ويُجاري تطلعاته وتوقعاته أم لا، فالإهداء والعطاء يستحق بحد ذاته الشكر والثناء. ويشرح فروه ذلك قائلاً “جعل مثل هذه الأفكار تستقر في ذهن الطفل يجعله يحظى في وقت لاحق ما بفرص يتذوق فيها لذة وحلاوة الامتنان ويتشرب معناه الحقيقي بكل تجلياته”. وحتى لو بذل الأب أو الأم أو المربي كل جهوده لغرس قيمة الامتنان والشكر في نفس الطفل منذ نعومة أظفاره، يجب عليه أن لا يتوقع من الطفل البالغ سنتين أو حتى خمس سنوات ومن اليافع بالتأكيد أن يُردد دوْماً كلمة “شكراً” أو يحصل عليها كلما أسدى معروفاً لإنسان، بل إنه كلما حرص الشخص على إكساب أطفاله قيمة الامتنان وتَمَثل هذه الخصلة في تعامله معهم ومع الآخرين بحيث تُصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصيته والشخصية الجماعية لأسرته، وجدت هذه الشيمة الأخلاقية طريقها بشكل اسهل وأسرع إلى قلوب الأطفال وألبابهم”. وهو ما يؤدي في فترة لاحقة، كما يقول البروفسور فروه، إلى حصولهم على العديد من الفوائد العاجلة والآجلة وبعيدة المدى. هشام أحناش عن “لوس أنجلوس تايمز”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©