الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المعارضة السورية... ومأزق الضبابية

26 نوفمبر 2011 21:41
ترى، أيّ نوعٍ من التغيير مطلوب لسوريا؟ هل تريد المعارضة تغيير النظام الأمني أم إسقاطه ككل؟! وبشأن المرحلة الانتقاليّة، وكيفية حسمها، هل ستشارك السلطة في هذه المرحلة؟ وبشكل أوضح هل سيقود الرئيس المرحلة الانتقالية؟ ثم، ألا يمكن للمعارضة الوصول إلى حلول وسط، وهل مشكلة سوريا مشكلة أشخاص أم مشكلة سياسيّة؟ وفيما يتعلق بمسألة التدخُّل الخارجي، ترى أي نوع من التدخل الخارجي مطلوب؟ ألا تحتاجُ المعارضة إلى توضيحٍ أكثر! ولماذا هذه الضبابيّة تجاه مسألة التدخل الخارجي؟ وخصوصاً أنَّ القاعدة الشعبية لا تحبِّذ تدخُّل "الناتو". وفيما يتحدّثُ الرّأي العامّ عن فشل المبادرة العربيّة، إلى أيّ مدى سيؤثر قرار تجميد عضويّة سوريا في الجامعة؟ ما زالت النقاط التي ذكرناها أعلاه محل اختلاف في سجال المعارضة السوريّة. والحق أنّ المعارضة يتعقد وضعُها بشكل أكثرَ عمقاً، وقد يتعرّضُ لانزلاق خطيرِ، وينذرُ بتدهورِ المسألة السوريّة نحو مخاطر لا تحمَدُ عُقباها في ضوءِ غيابِ آفاقِ للحلّ لدى السلطة، ولعلّ المعارضة هي أيضاً تتحمّلُ جُزءاً كبيراً من المسؤوليّة في هذا المجال، إذ تعجزُ على الاتفاق على رؤية معقولة وواضحة! ولا يخفى على أحدٍ أنّ مردّ اختلاف المعارضة يعود إلى التباين في قراءات الحالة السوريّة بين المعارضتين الداخليّة والخارجيّة. وللأسف لم يقفْ هذا الاختلاف عند حدود تباين في الرؤى بل وصلَ الأمرُ إلى حدودِ كيلِ التهَم المتبادلة. فالمعارضة الخارجيّة تتهمُ الداخليّة بأنّها في جيب النظام، فيما تتهم الداخليّة المعارضة الخارجيّة بأنها تعملُ دون أخذ وضع البلاد الداخلي في عين الاعتبار، وتقولُ إنها لا تعيرُ اهتماماً كثيراً لسقوط القتلى والجرحى، وكذلك الاستنفار الأمنيُّ الذي صار خياراً لابدّ منه لدى السلطات، هذا فضلاً عن الفشل في إقناع الشريحة الصامتة والميّالة إلى النظام أكثر من المعارضة. ولا نستغربُ أن من الاستحالة بمكان إقناع الفئة الصامتة، مع أنّ هذه الشريحة لها دورها وأهميتها شئنا أم أبينا، فهي بمثابة بيض قبّان في المعادلة السوريّة. ولعلّ كلَّ ما ذكِرَ ينعكسُ سلباً على المدن الكبرى ومستوى انخراطِها في الحالة الثوريّة التي يعيشها السوريون منذ أكثر من ثمانية أشهر. ويبدو أنّ عدم فاعليّة هذه المدن وتباطؤ تفاعلها مع الثورة لا يتمّ تجاوزهما عبر تصريح ثوري من هنا ورسالة من هناك، وإنما عبر إعطاء ضمانات لمالكي مفاتيح المدن، وشاغليها! والحال أنّ فشلَ المبادرة ربما يأتي في المرتبة الثانية مقارنة مع ما يجري في داخل المعارضة السوريّة نفسها من المهاترات. وهي قبل كلِّ شيءٍ أمام استحقاق تاريخي، ولعلّ وحدتها ووحدة خطابها ووضوح برنامجها وأفقها أصبحت من ضروريات المسألة السورية، حيث إن توحيد خطاب المعارضة سيضطرُّ الشريحة الصامتة إلى أن تَحسمَ موقفها، إمّا أن تكونُ مع النظام أو معها! بالعودة إلى مسألة انخراط المدن الكبرى في الثورة، ومع ما للمدن الكبرى من أهمية معنويّة كبيرة لدى الثورة بشكل عام إلا أنّ التاريخ يذكرُنا أيضاً: كم من ثورات نجحتْ من هوامش المدن وليس من متنها (مركزها)، ثمّ ألا يقولُ ياسين حاج صالح إنّ الثورة السوريّة هي "صراع بين مجتمع العمل ومجتمع الامتيازات والسلطة"، فإذا كانَ كلامُه صحيحاً فمعنى ذلك أنّ مشاركةَ مراكز المدن الكبرى ليس لها معنى كبير لأنّ الرهانَ على سكان مراكز المدن في القيام بالثورات هو رهان خاسر من الأساس، ولعلّ السببَ بالدرجة الأولى يعودُ إلى أنّ غالبيّة السكان تكونُ من مجتمع الأثرياء والامتيازات، وتاليّاً هو جزءٌ من النظام العام أو السلطة؟ هذا من الناحيّة التحليليّة، أما من الناحيّة التاريخيّة، فكانتْ ثمّة دائماً حساسيّة بين المدن السوريّة والغيرة بينها كانت تصلُ إلى حدّ العصبيّة، فمن يدري، ربما، تأخرت دمشق عن مركب الثورة لسببٍ يتعلقُ بطبيعة مجتمعها؟ ولو تصفحَ أحدُنا بعض صفحات التاريخ فقد يلاحظ أن المدن الكبرى تأخرت عن مواكبة الثورات، وقد كانت دمشق عصيّة على التغيير في أكثر من مرة، وربما لهذا السبب التجأ أكرم الحوراني إلى القيام بعصيان في حماه في القرن المنصرم وليس في دمشق. وهذا الأمر قد ينطبق على حلب أيضاً ولو بنسب متفاوتة. وقد يصحُّ القول إن من الخطأ الظن بأن مدينتي حلب ودمشق ستجلبان للثورة السوريّة "رأس الزير سالم"، فدمشق "تُأكل ولا تؤكل"، أو "تَضُم لا أن تضم" حسب تعبير صقر أبو فخر، فهي بهذا المعنى لا تساق وراء أيَّة مدينة من المدن السوريّة الأخرى، ومن يدري فربما تكون عصيّة على التغيير من الخارج والداخل، لكن لا خوفَ عليها. والسؤال الذي يطرحُ نفسه، ترى، ماذا قدّمَتِ المعارضة لهاتين المدينتين (دمشق وحلب) غير مطالبتهما بالانضمام إلى الثورة؟ في الحقيقة أنّ حلب ودمشق وتبعاً لطبائع مجتمعاتهما تحتاجان إلى اهتمام خاص من خلال توجيهِ رسائل خاصة لأبنائهما. وقصارى القول إنّ المعارضة لم تقمْ بتوضيحِ هدف الثورة السوريّة لفئات معينة من الطبقة الوسطى المدينية السورية، وما إذا كانت الثورة تسعى لتحقيق إسلامية الدولة أم علمانيتها، لأنّ توضيح هذا الهدف يكتسي أهميّة كبيرة. فاروق حجّي مصطفى كاتب سوري ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©