السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأسس العقلية للسياسة من ظلام الأهواء إلى وضوح المنطق

الأسس العقلية للسياسة من ظلام الأهواء إلى وضوح المنطق
7 مارس 2008 22:40
قدَّم الدكتور عبد الرحمن بوقاف، أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر بمقر ''المكتبة الجزائرية''، قراءة نقدية لكتاب ''الأسس العقلية للسياسة'' الذي ألفه الدكتور عبد القادر بليمان، أستاذ الفلسفة في الجامعة نفسها· وصف بوقاف الكتاب بأنه ''جاد ومكثف'' وإنه إثراءٌ للمكتبة العربية حيث لخص فيه المؤلف، وبجهد علمي ومنهجي، النظريات الكبرى للعقلانية، والأسس السياسية والفلسفية للسلطة بدءاً من المرحلة اليونانية إلى الآن· وتحدث عن المرحلة اليونانية بشيء من التفصيل لأثرها الواضح في تطور الفكر السياسي، حيث قام أفلاطون بتطويع الفلسفة لأسس الحوار حتى أنه كان الفيلسوف الوحيد الذي بإمكانه مخاطبة كل الناس، وحينما لاحظَ استشراء الفساد السياسي في بلاده حينها تساءل عم يجب عمله للإصلاح؟، فألَّف كتابه الرئيس ''الجمهورية'' في عشرة أجزاء قصد محاربة الظلم وإقامة ما أسماه بـ ''الجمهورية الفاضلة''، وأراد إنشاء أكاديمية لتكوين حكَّام هذه المدينة، وتأسيس ''حكم الأخيار'' كما أسماه بحيث يسترشدون بالعلم والعقل والفكر، ولم تكن الديمقراطية تعني حكم الشعب لدى أفلاطون إنما ''حكم الأخيار''، ومن ثمة تكريس الطبقية السائدة التي اعتبرها أفلاطون ضرورية ولا مفر منها· أما المرحلة الثانية لأسس الفكر السياسي، فهي قيام الكنيسة كسلطة ثانية تبرر للملك أخطاءه ''التفويض الإلهي''، لكن هذه النظرية البالية لم تصمد طويلاً أمام النهضة والأفكار التنويرية وفي مقدمتها ''نظرية العقد الاجتماعي'' لجان جاك روسو التي أرادت إيجاد أساس بشري للسلطة، وفصل السلطات ومنع احتكارها، حيث انتقد التفاوت بين البشر بسبب الملكية الفردية التي أسيء استعمالها، ودعا إلى إصلاحها بعقد اجتماعي، وكان ذلك هو أساس الثورة الأوروبية التي أدت إلى إرساء الديمقراطية الحديثة حسب المؤلف، لكن بوقاف تساءل عن مفهوم المؤلِّف للشرعية، وقال إنه يحتاج إلى المزيد من التوضيح، فهل تقتصر على الجانب الأخلاقي؟ وماذا عن الشرعية الاجتماعية؟ وهل العقلانية تؤدي إلى الشرعية؟· وتناول بعده الدكتور بليمان الكلمة ليتحدث عن كتابه فقال إنه يرتكز إلى مبادئ أساسية منها الفكر اليوناني وموقفه من التأسيس الفلسفي للسياسة، أي المعيار الرئيس الذي يوجِّه الفكر السياسي بشكل عام، وكان الفكر اليوناني يطرح أسئلة حول السلطة ومن يملك حق امتلاكها؟ ونبَّه إلى أن أفلاطون رفض تدخُّل العامة في السياسة، وطرح فكرة ''التفاضل'' القائمة على المؤهلات، كما حاول الفلاسفة اليونانيون، من بعده، ربطَ السياسة بالأخلاق واشترطوا على الحاكم التحلي بالأخلاق لممارسة السياسة· ولاحظ المؤلف أن مطلب كبح جماح الشهوة والتحلي بالفضيلة كشرط لممارسة الحكم، كان مطلبا طوباوياً صعب المنال· وأضاف بليمان أن الكتاب قدَّم عرضاً متوازناً بين فكر جون لوك وتوماس هوبز وباروخ سبينوزا، وركز على نظرية العقد الاجتماعي لروسو لدورها في نقل السياسة من ظلام الأهواء والميتافيزيقا إلى وضوح العقل والمنطق، كما تطرَّق إلى فكر إيمانويل كانط ثم فردريك هيجل الذي انتقد فكر كانط وقال إنه صوري· وتحدَّث بعدها بليمان عن الفكر السياسي المعاصر وبزوغ بارقة أمل منذ عام 1971 على يد يورجن هابرماس وجون روس اللذين انتقدا الديمقراطية الحديثة وما خلفته من استعمار واستغلال لثروات الشعوب· وفُسِح المجالُ، بعد ذلك، للنقاش حول مضمون الكتاب، فتساءل أحد المتداخِّلين عن معايير اكتشاف عقلانية الخطاب السياسي من لا عقلانيته، ولاحظ آخر أن هيجل انتقد الإسلام بقسوة وعداء كبيرين، وركز متداخل ثالث على تحول فكر أفلاطون بعد أن عاش صراعاً مريراً بين الطبقات، فأخذ يبحثُ عن شرعية جديدة؛ شرعية العقل والذكاء بدل القوة والمال، بينما تدخَّل الدكتور عبد الله شريَّط ليتساءل: ماذا كان نصيبُنا التاريخي والحضاري من المسحة العامة للفكر السياسي؟ وأضاف: لقد انتقلنا من مرحلة انقلاب قبيلةٍ على أخرى إلى مرحلة انقلابِ عسكريٍ على آخر· ولاحظ شريَّط أن الفلاسفة المسلمين أحجموا عن البحث في شؤون الحكم وكيفية إزاحة الحكام إذا لم يلتزموا بالعدل، عدا الإمام الغزالي والفيلسوف ابن خلدون اللذين لم يقدِّما حلاً؛ فقد انتظر الغزالي الحلَّ من ''ملك الموت''، وانتظره ابن خلدون من القبائل البدوية!· وعقَّب بوقاف بتأييد فكرة ضعف إنتاج الفكر السياسي العربي عبر العصور، وقال إن الثقافة الأوروبية هي المركزية إلى الآن في العالم ولا يمكن تجاوزُها، وأضاف إن هيجل عرف الإسلام العثماني؛ إسلام السلاطين الذي ''احتل'' جانباً من أوروبا، فحكم عليه هيجل بقسوة· أما الدكتور بليمان فعاد إلى فكر أفلاطون لتوضيح أنه أراد معالجة انحطاط السياسيين بربط السياسة بالمعرفة والعقل بمعنى أنه أرادها سياسة نخبوية يُقصى منها عامة الشعب، وهو ما رفضته ''نظرية العقد الاجتماعي'' التي قالت بإمكانية مشاركة الشعب في الحكم عن طريق العقد، ولاحظ أن كل ''العقلانيات'' منذ عهد أفلاطون تهدف إلى حل المشكلات السياسية بالعقل، لكنها لم تستطع مواجهة الواقع إلى حد الآن؛ إذ لا تزال الديمقراطيات الغربية تواجه عقبات· وهو ما ينصب فكر هابرماس جون روس على معالجته بالنظر إلى ما يصادف الديمقراطية العريقة من عقبات وقصور عن معالجة قضايا العصر، واستنتج أن المشكلة الآن تكمن في الواقع شديد التعقيد وليست مشكلة عقلانيات·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©