الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جذوة الصمت وأحزان الكينونة

7 مارس 2008 22:41
الحزن ضيف كثير الطرق على أبواب الناس في هذا العصر، ويذهب البعض إلى درجة أن يخلعوا على عصرنا رداء الحزن الكلي، ولا يتركون فيه ومضة من ومضات الفرح، وحتى من هم في درجات السلَّم الاجتماعي نقرأ في وجوههم كثيراً من بعض سمات الحزن، وهو ما يذكرنا بقول أحد المسرحيين العالميين: ''إن الإنسان كثيراً ما يجد نفسه أحياناً بحاجة إلى البكاء والعويل''· هذا بالنسبة للشخص الاعتيادي، فما بالنا إذا كان هذا الشخص شاعراً أو أديباً أو فناناً من ذوي الإحساس المرهف والمشاعر الرقيقة ؟! إن أمثال هؤلاء تنطبق عليهم المقولة الشهيرة ''إن أتعس الناس هو أرقهم إحساساً، وأصدقهم شعوراً''· كذلك نرى الناس العاديين وإن صح التعبير (إخوة الجهالة) هم أسعد الناس· والتعاسة التي هي جالبة الحزن لتفجر في الشعراء والأدباء والعلماء والفلاسفة ينابيع الفكر والإبداع والعطاء، وهي تهزهم من الأعماق، أو تشحذ أفكارهم، فينقلون لنا الصورة الداخلية الصادقة عمّا في نفوسهم ومجتمعاتهم، ويقدمون لنا عصارة فكرهم وتأمُّلاتهم في الكون والحياة· والحزن الشديد الذي لا يستطيع الإنسان البوح به، والتعبير عنه يكون في الغالب شديد الوطأة على النفس الحساسة مما يؤدي إلى الموت أو الجنون في بعض الأحيان، وهذا ما يسمّى بـ''الحزن الصامت''، ويقول في ذلك جبران خليل جبران: ''إن أصعب الأحزان هو الحزن الصامت''· ومثل هذه الحالات كثيراً ما تحدث عند بعض العشاق الذين لم تسعفهم الظروف والأحوال للوصول إلى غاياتهم في الظفر بالمحبوب، والتاريخ يحدثنا عن كثير من هؤلاء الذين لقوا حتفهم بسبب ذلك الحرمان والحزن العميق· لكن الحزن العصري أصبح متشعباً وثقيل الهموم، وتعدى حالة العشق إلى حالة الموضوعية في مستوى التفكير الاجتماعي، وأصبح الشاعر والفنان يحمل هموم شعبه ومجتمعه إلى جانب همومه وأحزانه الشخصية· لذلك نراه يبحث دائماً عن المطلق، إنه في هم دائم يلازمه ليل - نهار، وغارق في التفكير بما هو كائن، وبما سيكون· كان ابن الرومي أكثر الشعراء واقعية، وبمفهومنا المعاصر أكثرهم تقدمية لأنه أكثرهم حزناً، بل تشاؤماً وتطيراً، والشاعر الحزين في عصرنا أكثر إيجابية من الشاعر الذي يدعي الفرح، ويبتسم ابتسامة صفراء، فالأكثر حزناً هو العين الساهرة، والمراقبة لهموم وأحزان المجتمع، وكما قال لافونتين: ''العار لمن يجيز لنفسه الغناء بينما روما تحترق''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©