الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النفط.. والتوقعات الخاطئة

7 ديسمبر 2014 23:01
في الأول من فبراير عام 2011 ارتفعت أسعار النفط فوق 100 دولار أميركي للبرميل. وفي السنوات الثلاث التالية استقر السعر عند هذا الرقم مع ارتفاعات وانخفاضات مفاجئة معتادة في أسواق النفط. ولذا، فعندما بدأت الأسعار تنخفض ببطء في يونيو هذا العام أصابت الدهشة الكثير من خبراء الصناعة النفطية. وفي وقت متأخر من الشهر الماضي، أعلن أعضاء «منظمة الدول المصدرة للنفط» (أوبك) أنهم سيقلصون إنتاجهم لتحقيق استقرار في الأسعار. ثم انخفضت أسعار النفط فجأة تحت 70 دولارا للبرميل، أي بانخفاض نسبته 40 في المئة عن قمتها في شهر يونيو الماضي. علينا هنا إذن أن نطرح السؤال التالي: لماذا أخطأ كثيرون بشأن أسعار النفط؟ والإجابة هي أن الافتراضات الواهية عن كيفية عمل صناعة النفط الأميركية وعن قوة «أوبك».. هي ما أدى إلى سوء إدراكنا للمسار التي تتجه فيه أسعار البترول. فمن المعلوم أن النفط الصخري أسرع استجابة لظروف السوق وتقلبات أسعاره من النفط الذي يُستخرج بالطرق التقليدية. فآبار النفط الصخري يمكن حفرها في غضون شهور وليس أعوام كالنفط التقليدي، مما يعني أنه يمكن تعزيز الإنتاج بطريقة أسرع نسبياً عند الحاجة إلى ذلك. وفي المقابل عندما يتوقف استخراج النفط ينخفض الإنتاج بسرعة. وهذا الأمر هو مما دفع كثيرين إلى الاستنتاج بأنه إذا ما ظهرت تخمة في الإنتاج وبدأت الأسعار تنخفض فإن إنتاج النفط الصخري سيبطئ بسرعة مما يؤدي في نهاية المطاف إلى استقرار الأسعار. ورغم أن النفط الصخري أدى إلى ازدهار اقتصادي أميركي ملحوظ، فإن التعديلات التي تطاله ليست فورية أو مباشرة. وقد اتضح ذلك في عامي 2011 و2012 عندما أدى ازدهار النفط الصخري إلى خفض أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 60 في المئة تقريباً خلال عام واحد. لكن في الشتاء الماضي، وفي ظل مناخ بارد بشكل غير معتاد وارتفاع الطلب على الوقود، تضاعفت الأسعار القياسية للغاز الطبيعي في شهر واحد. ولو كان الناس استوعبوا هذا لكانوا أكثر تقبلاً لاحتمال حدوث تغيرات كبيرة في أسعار النفط.والسبب الأهم الآخر الذي جعل الناس تخطئ في تقدير انهيار أسعار النفط هو الفشل في التفكير جدياً في تأثير السياسة على إنتاج النفط وخاصة في الشرق الأوسط. فلطالما روج البعض لمزاعم خاطئة مفادها أن الأسعار لا يمكن أن تهبط كثيراً. وأولها أن منظمة «أوبك» تمثل اتحاداً فاعلاً بوسعه أن يبقي الأسعار عند مستوى معين يستهدفه الأعضاء. لكن لطالما كانت «أوبك» غير قادة على التنسيق فيما بين دولها على سياسة نفطية واحدة، إذ لا يجمع بين أعضائها شيء مشترك آخر عدا النفط. والافتقار للاتساق الذي شهدناه في الآونة الأخيرة في «أوبك» ليس استثناءً، بل هو السائد غالباً. وعلى سبيل المثال، لم تعلن المنظمة خفضاً حقيقياً في الإنتاج، إلا عندما انخفضت الأسعار عام 2008 من 145 إلى 60 دولاراً ولم تتخذ إجراء حاسماً إلا عندما انخفض السعر إلى 40 دولاراً.والزعم الثاني هو أن السعودية يمكنها تغيير الموازين وحدها. فالمملكة تسيطر على نحو ثلث إنتاج المنظمة وهي أكثر الأعضاء فعالية في التأثير في الأسواق. وفي السنوات القليلة الماضية استنتج الكثير من المحللين أن المملكة قررت أن 100 دولار للبرميل هو السعر الملائم للنفط. ومثل هذه القوة التي يُعتقد أن السعوديين يمتلكونها هو ما جعل مراقبين يتخيلون أن الرياض ستمنع أيضاً الأسعار من الارتفاع كثيراً مخافة أن ينصرف المستهلكون عن النفط. لكن العقد الأول من القرن الحالي أثبت خطأ هذا الزعم، فقد ارتفع سعر النفط نحو 15 مرة في أقل من عشر سنوات، بينما لم تستجب السعودية إلا قليلاً. العقد الماضي علمنا أن أسعار النفط نادراً ما تبقى مستقرة لفترة طويلة وأن الظروف السياسية، وليست الأسس الاقتصادية وحدها، حاسمة في تطور الأسعار. وقد يحدث تعافٍ سريع نسبيا في الأسعار مدعوماً بمجموعة من العوامل مثل هبوط في نمو إمدادات النفط الأميركي مع إعادة تقييم الشركات لمكاسبها وخسائرها، وحدوث نمو اقتصادي عالمي أكبر من المتوقع أو صدور قرار سعودي بتقليص الإنتاج. لكن أسعار النفط قد تنخفض أكثر من ذلك إذا ما واجهت الصناعة الأميركية الأسعار المنخفضة بالتحلي بمزيد من كفاءة استخدام الطاقة، وإذا ما ظل الاقتصاد العالمي على ضعفه وإذا لم تحرك السعودية ساكنا. أو تستقر الأسعار عند مستواها الحالي، وهو الاحتمال الأضعف. وكل مسار له عواقبه السياسية والاقتصادية المختلفة البعيدة المدى. ومن التهور الجزم باحتمال معين. مايكل ليفي * * باحث بارز في البيئة والطاقة بـ«مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©