الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

راوي بلسان النخيل

راوي بلسان النخيل
24 فبراير 2010 21:52
بعد أسابع معدودات من بداية عام 2010 رحل القاص والروائي العراقي يعرب محمود السعيدي إثر مرض لم يمهله طويلا، وبوفاته فقدت الساحة الادبية العراقية كاتبا من كتابها المتميزين الذين اثروا المكتبة العراقية بالعديد من الروايات والقصص القصيرة والمقالات النقدية منذ نهاية الخمسينات وحتى تاريخ وفاته في يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر يناير من هذا العام. السهل الممتنع كان يعرب السعيدي أديبا مثقفا، عارفا بدقائق لغته العربية ومستثمرا امكاناتها في الكتابة الادبية، دقيقا في اختيار مفرداته بالاتجاه الذي يخلصها من كل الزوائد والاطناب الذي يخل بها كوسيلة اساسية في البناء، وقد كتب رواياته وقصصه بلغة منضبطة وبسيطة بما يسمى بالسهل الممتنع، ومن خلال لغته الشفافة استطاع أن يصور مدينته البصرة، ويسبغ على معاناتها في الحروب بشكل خاص شكلا شفيفا من الحزن والأسى، منتصرا لمعاناة ابطاله الذين كانوا يمثلون شرائح المجتمع العراقي من المثقفين والكسبة، وأضفى على معاناتهم في الحرب بطولة تشي بموقفه من هذه الحرب المفروضة على شعبه من داخل الوطن او من خارجه ومصورا احداثها بما يؤكد البطولة والاستبسال في الدفاع عن وطنه. المكان الروائي أعطى يعرب السعيدي ملامح مؤثرة للمكان الروائي وحوار الشخصيات بالاستفادة من الموروث الشعبي لفلاحي مدينة البصرة التي تعرضت بساتينهم الى الدمار فغادروها مرغمين الى مركز المدينة، الامر الذي عرض حياتهم البسيطة وتقاليدهم التي ورثوها الى التشويه، كما انهم اضطروا الى مسايرة حياة اهل المدينة التي لم يالفونها سواء في سبل المعيشة والصراع على لقمة العيش او بالحياة في اماكن ضيقة بديلة عن الفضاءات الرحبة التي توفرت لهم في بساتينهم تحت ظلال النخيل الوارفة والمياه الوفيرة. وقد رسم هذا الروائي في العديد من رواياته فضاءات المكان الروائي الذي يستفيد كثيرا من بيئة البصرة الزراعية بما يميزها بتلك الكثافة في اشجار النخيل التي تشكل رمزا حيا للعراق باعتبار النخلة رمزا لوادي الرافدين منذ نشوء الحضارات الضاربة في القدم فيه، الامر الذي يعني ـ من خلال اصرار الروائي على هذا الوصف المتكرر للنخلة وبساتين النخيل في معظم رواياته ـ رفع رتبة النخلة الى رمز وطني، حتى وان كان الوصف يختص بمكان مشخص ومعروف هو مدينة البصرة. واقعية الأشياء اتسمت كتابات يعرب السعيدي النقدية بالجدية في تناول الاعمال الادبية التي انتجتها اقلام الادباء الشباب في مدينة البصرة بشكل خاص من خلال شعور مرهف بما لهذه المدينة من عمق حضاري وثراء ادبي ولغوي يضاف الى امكانات الابداع في الشعر والقصة والرواية والفن، بما يعطي انطباعا يرى في مبدعي المدينة الشباب امتدادا اصيلا للثقافة العراقية وتاصيلا اكيدا لها، ولذا كانت نقوده تتسم بهذه الخاصية وهو يشجع ويشيد بالنتاجات الادبية الجديدة في مدينته المبدعة. يبقى الروائي والناقد يعرب محمود السعيدي مبدعا اصيلا في كتاباته وحياته التي كرسها للادب والثقافة فانتج نصوصا كانت تتسم بحلاوة النسج وطعم التصوير وبراعة السرد الذي خالطته شعرية واضحة بنفس من التصوير البارع الشفيف للاشياء وبخاصة في روايته “النخل يا مدينة المدن” التي برع فيها بتصوير العلاقات الانسانية بين الرجل والمرأة في مشابهة للعلاقة العاطفية بين النخل الذكر والانثى وهو بذلك وصل الى روحية التماثل الجميل الذي كان الناقد والروائي جبرا ابراهيم جبرا معجبا بها وقد اجاز اعمال السعيدي الواحدة بعد الاخرى. كان اسلوب السعيدي ينحو منحى الوصف الشفيف البارع المجسد للاشياء حتى لتبدو تلك الاشياء خلف لغته واقعية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©