الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين العقيدة والأخلاق (1)

29 نوفمبر 2015 01:04
يُنقل عن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (ت 1999م) أنه قال: «مشكلة المسلمين في عقائدهم، ومشكلة السلفيين في أخلاقهم»، وهي عبارة ننقلها بأمانة عن كتاب «حكاية التدين السعودي» للباحث المبدع وحيد الغامدي، وهو بالمناسبة كتاب يستحق القراءة وبشدة، الشطر الأول من العبارة المذكورة يكاد يستبطن نظرة السلفي إلى غيره من أتباع المذاهب الأخرى، وهي نظرة لا تخلو دوماً من الشعور بالاصطفاء الإلهي ومن الاستعلاء على الآخرين، ولما لا يُصاب السلفي بتلك «النفخة الإيمانية» مادام أن عنده العلم اليقين والفهم السليم لهذا الدين، والغرور الديني من أسوأ أنواع الغرور، لأن المغتر بالدنيا قد توقظه المواعظ، وأما المغتر بالدين، فلن توقظه المواعظ، وكيف له أن يتقبلها وهو يرى نفسه واعظاً لا متعظاً. وأما الشطر الآخر من العبارة ففيه اعتراف من الألباني - رحمه الله - بوجود أزمة أخلاقية لدى السلفيين، وهو اعتراف شجاع يندر أن تسمعه منهم، ولكن ما المقصود هنا بهذه الأزمة الأخلاقية؟ المقصود بها أن مشاعر السمو والزهو الديني لدى السلفي، واعتقاده بامتلاك الحقيقة من ناصيتها ستحمله، ولو رغماً عنه، إلى احتقار الآخر والانتقاص منه، حتى ولو أفضى ذلك إلى انتهاج العنف ضده والتعدي عليه بقصد تقويمه ورده إلى الطريق القويم الذي لا يعرفه أحد غيره، ولا يعني ما سبق أن أصحاب المذاهب الأخرى من سنية وشيعية تخلو بدورها من هذا الداء الذي ابتليت به السلفية، ولكن المسألة عند السلفية تكاد تكون أكثر وضوحاً وأشد رسوخاً. إن تغليب سوء الظن عند السلفية بالآخر، واستعمال الشدة معه كوسيلة للتغيير يعود إلى مراحل مبكرة جداً من تاريخهم، يسوق الغامدي في كتابه المذكور واقعة جاء بها ابن الأثير (ت 630هـ) في كتابه الشهير «الكامل في التاريخ»، وهي ما تُعرف بفتنة الحنابلة ببغداد، والحنابلة هم الرعيل الأول لما اصطلح على تسميتهم فيما بعد بالسلفية، يقول ابن الأثير: «... وفيها (أي سنة 323هـ) عظم أمر الحنابلة، وقويت شوكتهم، وصاروا يكبسون من دور القواد والعامة، وإن وجدوا نبيذاً أراقوه وإن وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء، واعترضوا في البيع والشراء، ومشى الرجال مع النساء والصبيان، فإذا رأوا ذلك سألوه عن الذي معه من هو فأخبرهم وإلا ضربوه وحملوه إلى صاحب الشرطة، وشهدوا عليه بالفاحشة فأرهجوا بغداد. فركب بدر الخرشني وهو صاحب الشرطة، عاشر جمادي الآخرة، ونادى في جانبي بغداد، في أصحاب أبي محمد البربهاري الحنابلة، ألا يجتمع منهم اثنان ولا يتناظروا في مذهبهم، ولا يصلي منهم إمام إلا إذا جهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الصبح والعشاءين، فلم يفد فيهم وزاد شرهم وفتنتهم واستظهروا بالعميان الذين كانوا يأوون المساجد، وكانوا إذا مر بهم شافعي المذهب أغروا به العميان، فيضربونه بعصيهم حتى يكاد يموت».. وخاف الخليفة الراضي بالله (ت329هـ) شر العاقبة، فأصدر فيهم كتاباً ينكر عليهم أفعالهم ويقبح أعمالهم، ويتوعدهم فيه، إنْ لم ينتهوا ليوسعنهم ضرباً وتشريداً وقتلاً وتبديداً، وليستعملن السيف في رقابهم والنار في منازلهم ومحالهم فانقمعوا وما كادوا يفعلون. ولم يسلم أهل العلم والدين ممن لم يوافقوا الحنابلة في هواهم من شرهم وبطشهم، ولقد سبق لي في مقالة «محنة المثقف في التاريخ» إن ذكرت ما جرى لابن جرير الطبري (ت310هـ) حين ذهب إليه الحنابلة في إحدى جوامع بغداد، فسألوه عن ابن حنبل، فلما سمعوا منه ما لا يرضيهم شغبوا عليه ووقعوا فيه ورموه بمحاربهم وكانت ألوفاً، فقام الطبري ودخل داره، فرموا داره بالحجارة حتى صار على بابه كالتل العظيم، وظل الطبري ما بقي من حياته محتجباً في بيته، وكانت الحنابلة تمنع الدخول عليه بتأليب من شيوخهم، وحين مات دُفن ليلاً لأن العامة اجتمعت ومنعت دفنه نهاراً، وكانوا فوق هذا يدعون عليه بالرفض والإلحاد، وفي هذا قال الوزير علي بن عيسى: «والله لو سُئل هؤلاء عن معنى الرفض والإلحاد ما عرفوه». خالد سعيد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©