الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شهدي عطية هتف لثورة يوليو ومات بسياطها

شهدي عطية هتف لثورة يوليو ومات بسياطها
24 فبراير 2010 21:54
الكتاب: حارة أم الحسيني المؤلف: شهدي عطية الشافعي اعداد: شعبان يوسف الناشر: المجلس الأعلى للثقافة ـ القاهرة عرف المثقفون شهدي عطية الشافعي سياسيا ومناضلا، انتمى الى الفكر اليساري واصدر كتابين متأثرا بهذا الفكر، واعتقل عام 1959 مع عشرات من كتاب اليسار اثر خلاف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع عبدالكريم قاسم بالعراق، ومات تحت التعذيب في 15 يونيه 1960 وكان موته سببا في ان يأمر الرئيس عبدالناصر بوقف التعذيب نهائيا لكافة المعتقلين، ذلك هو الوجه المعروف لشهدي لدى الدارسين والباحثين، لكن الجانب الخفي فيه انه كان قصاصا وروائيا، له رواية نشرت في صحيفة “المساء” في الفترة من 12 أكتوبر وحتى 2 نوفمبر عام 1956، وقت ان كان خالد محيي الدين رئيسا لتحرير صحيفة “المساء” وكانت “المساء” وقتها منبرا اقرب الى اليسار، وتحديدا اليسار المتعاطف مع ثورة يوليو 1952 والمؤيد لخطوات عبدالناصر تجاه الاستعمار العالمي تحديدا. ولم يهتم احد من النقاد بانتاج شهدي الادبي، خاصة روايته المسماة “حارة أم الحسيني” وبعض القصص القصيرة حتي ان د. رفعت السعيد تعرض لهذه الرواية في احدى الندوات بالقول انها “ذات طابع سياسي محض ولا يعتد بها ادبيا”. لكن الباحث شعبان يوسف له رأي اخر مناقض تماما لرأي رفعت السعيد لذا عكف على انتاج شهدي الادبي وصدر في كتاب عن المجلس الاعلى المصري للثقافة بعنوان “حارة ام الحسيني وقصص اخرى”. بداية أدبية ولد شهدي في عام 1912 وهناك من يرى انه ولد في العام التالي وتخرج من كلية الاداب وبدأ بنشر الدراسات الادبية في مجلة “الرسالة” منذ عام 1933 وكانت حول رؤية هـ.ج ويلز لمستقبل الانسانية، وفي مارس 1936 اعلنت مجلة “مجلتي” التي اسسها احمد الصاوي محمد عن مسابقة أو جوائز لأروع قصص مصرية واقعية وكانت لجنة التحكيم تضم اسماء في حجم الشيخ مصطفي عبدالرازق ود. طه حسين وتوفيق الحكيم وخليل مطران ومحمود تيمور وغيرهم وكان من الفائزين شهدي عطية الشافعي بقصة قصيرة حملت عنوان “من الجامعة الى الوظيفة” وفيها يتضح ان الكاتب يمتلك حسا نقديا عاليا، فقد تعرض لموضوع مازال مطروحا الى اليوم وهو البيروقراطية والترهل الوظيفي. ثم يتبعها بقصة اخرى حملت عنوان “جمال رخيص” وفيها يواصل نفس الطريق في انتقاد الاوضاع الاجتماعية مع حس انساني رفيع واسلوب سلس وجمل سهلة تخوض في عمق ذلك الزمان. لكن شهدي لم يواصل طريق القصة والادب، فقد اتجه الى طريق آخر هو الدرس الاكاديمي، حيث نال منحة من الحكومة المصرية للدراسة في جامعة اكسفورد ببريطانيا وقبل السفر كان قد عمل مدرسا للغة الانجليزية وصار مفتشا لها بالمدارس المصرية وكان اول مصري يشغل هذا الموقع، الذي كان يشغله الانجليز. والى جوار الدرس الاكاديمي تأثر شهدي بالحركة الماركسية ففي عام 1945 وضع عبدالمعبود الجبيلي كتابه “اهدافنا الوطنية” الذي شكل الخطوط العريضة للحركة الوطنية الديمقراطية التقدمية المصرية وانضم شهدي الى اللجنة الوطنية للطلبة والعمال التي قادت التظاهرات واتجه للكتابة في المجلات اليسارية وحكم عليه بالسجن عام 1947 لمدة سبع سنوات. وبعد ان افرج عنه ايد ثورة يوليو وزعيمها عبدالناصر واصدر في عام 1956 كتابه “ماذا تريد اميركا من الشرق الاوسط” واتبعه كتاب “تطور الحركة الوطنية من 1882 ـ 1957”. مسيرة سياسية كان شهدي معجبا بخطوة عبدالناصر في تأميم قناة السويس وصموده امام العدوان الثلاثي. وفي ظل هذا الحماس السياسي والانشغال الفكري بادر شهدي بنشر روايته القصيرة “حارة ام الحسيني” واللافت للنظر انها نُشرت من دون اسمه، وان كان رفاقه اكدوا انه كاتبها، وملفات صحيفة “المساء” تقطع بذلك. هل فضل شهدي ان يخفي اسمه بعد ان صار معروفا كمناضل في الحركة اليسارية؟ وهل يعني ذلك نظرة دونية ـ آنذاك ـ من الحركة ومن اعضائها للعمل الادبي؟! وهل كتبها شهدي وقت نشرها ام انها كانت مكتوبة من قبل؟ ويبدو من النص انها كتبت قبل عام 1952 ففيها حديث عن مظاهرات عام 1922 وهتاف طلاب المدارس “يحيا سعد” لكن لا ذكر لما جرى بعد ذلك من احداث، خاصة ما جرى عامي 1952و1953 حيث خلع الملك وإلغاء الاحزاب وإلغاء دستور 1923. وتتنوع لغة الرواية بين الفصحى الميسرة والعامية، وأجرى الكاتب الحوار بين شخصيات الحارة باللغة العامية، لغة الحارة، ويبدو فيها التأثر بالأفكار الاشتراكية التي كانت سائدة آنذاك في مصر ويتضح ذلك في نهاية القصة، فقد انهاها بطريقة الهتاف والشعارات الرسمية المناقضة للعمل الادبي والفني، الامر الذي يذكرنا بفيلم “الايدي الناعمة”. ولنستمع الى “المعلم حمودة” وهو يخاطب “سيد” بطل الرواية “انت زعلان علشان المدرسة وإيه يعني المدارس؟ يعني بيعلموكم فيها ايه؟ شوية كلام فارغ. وبيطلعوا منها ايه؟ حتة كاتب لا هنا ولا هناك يفضل طول عمره في الحكومة بتلاتة اربعة جنيه. الواحد الصنايعي منا في دقة واحدة بيكسب اده عشر مرات”. ثم يقول فيما يشبه الهتاف “احنا الصنايعية. شوف الهدوم اللي كل الناس بتلبسها مين اللي بينسجها ويغزلها؟ برضه احنا الصنايعية. لا تقولي بتوع مدارس ولا افندية ولا باشوات احنا الصنايعية إحنا كل حاجة احنا وبس”. ولعلها حالة نادرة ان نجد رواية تحرض على عدم التعليم والانحياز التام للحرف، دون تعليق أو دراسة، ترى هل كانت تلك النهاية سببا في ان رفاق شهدي لم يعتبروها جديرة بالنشر في كتاب، وان د.رفعت السعيد شكك في قيمتها الادبية والنقدية؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©