السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متمرد يكرس فرادته

متمرد يكرس فرادته
24 فبراير 2010 21:56
تشهد صالة كامل في دمشق معرضاً استعادياً للفنان التشكيلي السوري خزيمة علواني يستمر حتى 20 فبراير الحالي، ويضم المعرض خمساً وعشرين لوحة تمثل تجاربه عبر نصف قرن من الإبداع، وقد تفاوتت اللوحات زمنياً ما بين عام 1960 وحتى عام 2009، وتراوحت مساحاتها ما بين (46×37) و(50×70) سم، وهي المساحة الغالبة، وصولاً إلى لوحة بقياس (140×140) سم. يمتاز خزيمة علواني بنزعته السريالية التي تركز على قضايا الإنسان المعاصر، وهو مشغول دائماً بالهم الإنساني والسياسي العربي، ونلمس انفعالاته النزقة المتمردة في تعبيراته ذات الأشكال الغريبة التي تبدو أقرب إلى الاحتجاج والصرخة الدائمة في وجه الوحشية. ويعتمد على الرموز التي تحمل معاني عميقة تحرض المتلقي على الشعور بجمالها ورسالتها، كما يحرص على الإبهار البصري ليضع المتلقي مباشرة في أجواء اللوحة وموضوعها رغم رمزيته وإشاراته الخفية. يستخدم علواني في لوحته أشكالاً تعبر عن كائنات أسطورية بألوان متفردة، لكنه ينزلها من عالم الأسطورة إلى أرض الواقع بتعبيرات درامية تثير فينا الشجن والسؤال، وربما الحس الفجائعي!. ولعل براعته كرائد من رواد الحركة التشكيلية السورية تكمن في أنه يعيد توظيف الرموز بأسلوب جديد وبتجريب مستمر، فهو لا يتقيد دائماً بالأشكال، وربما يحولها إلى أشكال عديدة مختلفة، والمهم عنده أن يحرض الخيال، وأن يوصل رسالته الإنسانية، وهو بهذا النهج يشكل حالة خاصة في الفن التشكيلي السوري، حيث يوحد بين الشكل والمضمون، ويذهب في مغامرة مستمرة في البحث عن تشكيل جديد يمزج الواقع والحلم والخيال على أرضية صوفية تتخذ الروح منبعاً وهدفاً. وإلى ذلك فهو يعنى عناية كبيرة بالتراث العربي، ففي رأيه أن الخط العربي مثّل أول اتجاه فني في التجريد، كما أن فنوننا المشرقية في بلاد الرافدين ومصر شكلت أولى خطوات السريالية العالمية. وفي معرضه الاستعادي يركز علواني على ما يتعرض له الإنسان العربي، ولاسيما الأطفال العرب من وحشية وقتل. فهو يضع الطفل والقاتل في مواجهة حادة، كما يضع الوحش قبالة الحمامة ليطلق صيحة الاحتجاج والتمرد، ليشير إلى أن لوحاته تعبر عما تعرضت له غزة، وتمثل موقف الضمير الإنساني في مواجهة الوحشية الصهيونية، وهو بحركة بارعة يحوّل أفواه الأطفال إلى أفواه عصافير وطيور ليجعلنا نقف أمام حكايته مع لوحة بيكاسو (غرونيكا) التي رسمها بعد مجزرة (غرونيكا) الباسكية التي ارتكبتها النازية عام 1937، لتصبح أشهر لوحة في القرن العشرين، ولتعتبر أقوى احتجاج فني دائم ضد فظائع الوحشية والفاشية وضد الحرب المدمرة، وقد عمل علواني على هذه اللوحة الشهيرة وكانت محل اهتمامه الدائم، من حيث إعادة صياغتها برؤية علوانية عربية إنسانية تعطيها بعداً مستمراً، حيث يؤكد أن هذه اللوحة حاضرة أبداً لترهب أعداء الحياة والحرية، وأن علينا أن نرسم لنردع هؤلاء الأعداء، ولاسيما أن (غرونيكا) هي نموذج حي وأبدي للعمل الفني، ويعتبر علواني أن كل صياغة جديدة لغرونيكا من قبله تشكل عملية بحث وفهم، لأن هناك دائماً جديداً في هذا العمل الإنساني الرائع. ويكشف علواني عن سر العفوية في أعماله فيرى أن هذه العفوية تشكل أساس العمل الفني الذي إما أن يكون فناً وإما لا. وبالنسبة له فإن المتلقي هو هاجسه الأول، وهو يدعو الفنان إلى أن يرسم ويبدع تاركاً وراءه الأقاويل، ولسان حاله يقول: (أنا أرسم، وعبرت عما أريد وأرغب وعملي يسبق رأيكم). ولعل من المهم أن نشير إلى الرموز التي يعتمدها علواني كالحصان والسهم والحمامة والإنسان، فهذا الفنان المتمرد وذو المزاج الحاد يقبل علينا دائماً بروح جديدة، ليعيد تحريك بحيرة الوجدان الثقافي، ولعل أهمية المعرض الاستعادي لخزيمة علواني تكمن في أنه يكشف مراحل تطور تجربته الفنية ويقدم تكثيفاً لعناوينها، ولاسيما أن الرجل يعمل بدأب على تأصيل التشكيل العربي، وعلى المزاوجة بين التجريد والتجسيد، ليعبر عن رؤى فلسفية واجتماعية وقومية بروح متمردة ونزقة أيضاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©