السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلمى··· معجزة تمشي على قدمين!

سلمى··· معجزة تمشي على قدمين!
22 ابريل 2007 01:37
فتحية البلوشي: تصوير - محمد خالد ابراهيم حين رأيناها تلج إلى الصالة وتشد عودها الصغير على قدميها الضيئلتين أحسسنا بأنها حكاية تستحق أن تروى، سلمى ذات الأربعة عشر ربيعا ابتسمت باطمئنان وجلست بجوار والدتها التي بدأت تحكي لنا كيف كانت سلمى وكيف أصبحت اليوم · بداية الحكاية تقول السيدة أمل والدة سلمى: ولدت ابنتي في مدينة (بنها) المصرية مصابة بالشلل الدماغي، ليفجر مرضها ذهول وحزن العائلة كلها حيث اكتشفناه قبل أن تتم عامها الأول، ولمدة يومين مرا علينا بكثير من الألم لم نستطع سوى التفكير في كيفية التعامل مع هذه الصغيرة التي لن تعي من العالم شيئا، وكيفية حمايتها ومساعدتها على الحياة بقوة· لجأنا منذ اليوم الأول للأطباء في مستشفى بنها التعليمي وفي مستشفيات الأعصاب الأخرى في مصر ، بحثنا عن أي أمل طبي للمشكلة لكن الرد الأول جاء بصدمة: (لا أمل في العلاج) ليصبح تشخيص الطبيب الأول هو الأقسى بالرغم من أننا حملنـــــا سلمى وزرنا أطباء كثر ردوا كلهم بنفس الرد· صرع وصراع تتابع أمل: بتوجيه من الأطباء واظبت على إعطاء سلمى دواء للصرع بدعوى أنها تحتاجه لتكون أكثر هدوءا، ومع مرور الأعوام لاحظت أن حالها ازداد سوءا ونوبات الصرع تزداد بسبب الدواء، وحين بلغت سلمى التاسعة توقفت عن إعطائها إياه لخوفي من تأثيره، وبالطبع لامني الكثيرون وأولهم الأطباء لكني لم أندم لليوم على إيقاف الدواء بل ندمت على إعطائها إياه طوال طفولتها · جراحات وآلام تواصل الأم: تجدد أملنا في علاج سلمى بعد مجيئنا إلى الإمارات، حيث حملناها سنة 2000 للمستشفى المركزي آنذاك، وللأسف لم تكن حالتها مؤهلة للعلاج الطبي لأن الشلل الدماغي من أصعب الأمراض التي يمكن علاجها، قضت سلمى طفولتها بوضع النوم، لا تستطيع حتى رفع ظهرها، وطوال سنين حاولت مساعدتها لتستطيع الجلوس، وفي نهاية عامها الثامن بدأت سلمى المحاولة وصارت تجلس قليلا بمساعدة منا· وفي عام 2005 لاحظنا أن نمو قدميها ضعيف قياسا لجسدها فراجعنا الأطباء في مستشفى المفرق وهناك قرر الطبيب إجراء جراحة لتطويل الأوتار في الساقين تساعدها على النمو ، وكانت استجابة سلمى غريبة لهذه العملية لأنها بدأت تحاول الجلوس بمفردها ودون معاونة، وصارت أكثر تقبلا للتعلم والفهم، وفي نهاية سبتمبر 2006 الماضي قرر الطبيب إجراء عملية أخرى لزراعة بعض الأعصاب إلا أنها تعرضت لانتكاسة صحية بعدها وأصيبت بآلام قوية في الساقين لم تستطع التعبير عنها إلا بالبكاء والصراخ طوال عدة أشهر، وحين زالت أغلب الآلام عادت سلمى فجأة لوضعية النوم والتعب وصعوبة الجلوس، وشعرنا بأننا عدنا لنقطة الصفر معها من جديد · خروج من الأزمة منذ بداية هذا العام تقريبــــــا بدأت سلمــــــى تجلس مجددا لفترات بسيطة، وفكرت الأسرة بتسليتهــــــا أكثر عــــــبر إلحاقها بمركز النــــــور لذوي الاحتياجـــات الخاصة في الفترة الصباحية ، بالإضافة لمركز الضياء لمرضى الشلل الدماغي في الفترة المسائيـــــة، ودفعتها للمشاركة في ماراثون ذوي الاحتياجات الخاصة الذي أقيم في نهاية مارس الماضي لكنها سقطـــــــــت من على الكرسي ولم تستطع المتابعة· قدرة الله ورحمته سقوط سلمى في الماراثون، وإحساس الأهل برغبتهم في تحسين حياتها ومساعدتها على التحكم بحواسها أكثر جعلهم يحملون صغيرتهم لأحدى أخصائيات العلاج الطبيعي في 5 ابريل الحالي، التي قالت لوالديها بالحرف الواحد: علاج حالات الشلل الدماغي مستحيل، والأفضل لكم أن تقنعوا بوضعها الحالي وبأنها تستطيع الجلوس لفترات قصيرة، لأن حالات الشلل الدماغي من الحالات المستعصيــــة على العلاج، ولا أمل للشفاء منها إلا بالمعجزات · حبست الأم دموعها التي كادت تسيل من عينيها وأكملت كلامها بعد أن احتضنت سلمى: خرجت من عند طبيبة العلاج الطبيعي والألم يعتصرني لحال صغيرتي، وحين جلست بجوارها في السيارة أشارت لي بيديها أن الحمد لله··· (في نفس اللحظة قامت سلمى بتقبيل ظهر كفها الصغيرة وباطنها لترينا إشارتها)· وتابعت الأم: يومها عدت وفي داخلي شجن وخوف على سلمى وأجلستها على الكرسي المتحرك في غرفة التلفزيون ثم ذهبت لغرفتي أدعو الله أن يشفيها ويمنحها القوة والصبر والإرادة، وفي نفس اللحظات أحسست بشخص يفتح باب الغرفة وإذا بها ابنتي تمشي على قدميها فعلا، تمشي لوحدها دون أن تستعين بأي شخص، نادتني ثم مشت بسرعة لتصل إلي وتقف أمامي وأنا مذهولة كأني أرى شبحا أو خيالا··· ! فرح وذهول ويتهدج صوت أمل وقد بدت اختلاجات نفسها تظهر مع الكلمات: لا أستطيع أن أصف شعوري تلك اللحظة، كان خوفا أو خيالا مخلوطا بالصدمة والفرح، وقفت أمامي ونادتني مرة أخرى: أما··· بينما وقفت أنا مشدوهة لا أستطيع النطق، ثم احتضنتها وأنا أقول: الحمد لله الحمد لله · والدها أيضا كان مذهولا وغير مصدق، الجيران توافدوا لرؤيتها، وصاحباتها في المركز ومعلماتها كنّ مذهولات أكثر · إرادة وأمومة الأم التي داعبت شعر ابنتها تابعت: الحمد لله، لم أفقد الأمل لحظة بأني سأراها تمشي، ولم أفكر أبدا باليأس، عاملتها بحب من نوع خاص، وعودتها أن تكون صديقتي قبل أن تكون ابنتي، دعوت واستجاب ربي لدعائي ولله الحمد والمنَّة، حاولت جاهدة أن أجعلها طفلة عادية مع صعوبة هذا الأمر بالنسبة لمريضة بالشلل الدماغي· اخترعت أم سلمى لغة خاصة لها تتفاهم بواسطتها مع الأسرة، حركات مختلفة لطلب الماء وعند الجوع وعند الحاجة لدخول الحمام، حركات للتعبير عن الخوف أو الفرح أو حتى الشكوى على أحد شقيقيها محمود وبَسْمَلَة· سلمى كما رأيناها سلمى ذات العينين العسليتين بدت ودودة طوال حديث والدتها، وحين انصرفت والدتها لتقديم الضيافة قامت سلمى بحركة (قبلة في الهواء) دليل منها على المحبة والوداد، وهي تحب اللون الزهري ، وتحب الورود التي تفاجأت بها وضحكت بصوت عال وعينين مغمضتين تعبيراً عن الفرح · تعرف سلمى ما يقال حولها وتدرك أن الحديث كان عنها وتتابع باهتمام ما يدور، وحين كانت والدتها تحكي قصة العلاج الطبيعي ذكرت أن سلمى أشارت لها: (الحمد لله) فقامت سلمى بأداء الحركة لوحدها دون أن يطلب أحد ذلك منها· قالت والدتها : سلمى تعرف كيف تصلي·· ثم أشارت لها: صلي يا سلمى، فإذا بها تكبر تكبيرة الإحرام بيديها الضعيفتين ثم تعقدهما على صدرها وتحرك شفتيها وكأنها تقرأ القرآن، وتركع وهي جالسة وتسلم باطمئنان ، ثم تحرك يديها بوضعية التوسل إلى الله وتدعو بما تريد وتدعو لأمها، مما يجعل الناظر إليها يشعر بالفخر بهذه الصغيرة التي قهرت ظروفها الخاصة· ملامحها هادئة وتحب الأطفال، تنطق عدة كلمات هي (أما) وتعني ماما ، (أبا) وتعني بابا، أها ( للموافقة)، (اوووه للرفض) وأهم تعابيرها (آرااا) وهو تعبير تقصد به: سارة، وسارة اسم الفتاة المريضة في المسلسل العربي الذي أدته الفنانة حنان ترك، وهو مسلسل سلمى المفضل ولا تمل من مشاهدته ليل نهار، والأهم أنها تعشق الفنانة حنان ترك وتناديها : آراا أي سارة· سلمى وحنان ترك من شدة حب سلمى لحنان ترك ، جاهدت العائلة للوصول للفنانة حين استضافها تلفزيون دبي، ويومها تمكنت العائلة من لقاء الفنانة في الفندق الذي تقيم فيه بدبي· وكانت سلمى مضمدة الجسم بالجبس إلى منطقة الحوض لكنها كانت فرحة جدا بلقاء حنان ترك، وفي مؤتمر ذوي الاحتياجات الخاصة الأخير في أبوظبي كانت سلمى تنتظر وصول الفنانة حنان ترك بلهفة وبقيت لثلاثة أيام ترافقها في كل مكان، وأهدتها حنان ترك قلادة ترتديها في عنقها ولا تخلعها أبدا، وحين مشت أرسلت العائلة رسالة للفنانة حنان ترك فإذا بها تتصل للاطمئنان عليها وصنع ابتسامة حب جميلة على وجه سلمى · تقرير الطبيب سامي ألبير عام 5002: هذه الطفلة معاقة ولا يمكنها المشي جاء في التقرير الطبي الذي أعطاه د· سامي ألبير أخصائي جراحة العظام في مستشفى المفرق عام 2005 ما يلي : هذه الطفلة معاقة ومشخصة بأنها حالة صرع مع شلل دماغي تشنجي منذ الولادة، ولا يمكنها المشي وتعتمد على كرسي متحرك· وقد أظهر الفحص عدم وجود تشوه بطرفيها العلويين ولكن قبضة اليد ضعيفة، والأوتار المأبضية مشدودة بشكل واضح بطرفيها السفليين، وأوتار إكلس مشدودة مع تشنج في أصابع القدمين· وتبين من صور الأشعة أن الوركين متأثران وقد تم إجراء جراحة تطويل الأوتار بالطرفين السفليين في 5/2/2005م، وهي تحتاج لعلاج طبيعي لفترة طويلة، ولا تستطيع الاعتناء بشؤونها ومعتمدة على غيرها · شهادات من مركز الضياء سلمى طالبة في مركز الضياء لذوي الاحتياجات الخاصة، رافقناها إليه في يومها الأول بعد المشي ، وهناك استقبلت بكثير من الفرح· مدرسها عاطف الذي كان يعلمها المهارات اليدوية والكمبيوتر لم يصدق أنها تمشي، وهبَّ لاستقبالها أمام الباب، وقال: بصراحة لم أتوقع أن أراها تمشي، لكني لم أستبعد ذلك أيضا لأن سلمى ذات إرادة قوية لاحظتها حين كانت تتعلم التشكيل اليدوي تحت إشرافي، كانت تحب العمل وتتحدى عجزها عن تحريك يديها والتحكم بهما عبر الانهماك أكثر في العمل والمحاولة مرات ومرات، وتغضب حتى البكاء عندما يتنهي الدرس لأنها ترغب بالاستمرار أكثر وتحدي نفسها · أما جيان مشرفة التأهيل فسرعان ما ظهرت الفرحة والمفاجأة في عينيها وضحكاتها التي استقبلت بها الصغيرة التي فوجئت بها تمشي، ثم احتضنتها وقالت لأمها : من اليوم انتهى عهد مساج الأقدام ، سنبدأ تمارين المشي ، وحملتها إلى جهاز التدريب على المشي وبدأت بتحريك قدمي سلمى على الجهاز بكل عناية· الدكتور فريد: أجرينا العملية ومشت بمشيئة الله نظرا لغياب الدكتور سامي البير استشاري جراحة العظام، عرضنا حالة سلمى على الدكتور فريد عياد فريد دكتور العظام بمستشفى المفرق وأحد الأطباء الذين أشرفوا على حالة سلمى حين أجرت عملياتها الجراحية، قال: كانت سلمى تعاني من حالة شلل دماغي تشنجي منذ الولادة، أثرت على تحكمها بأعصابها وعضلات جسمها المختلفة، ومع مرور الوقت بدأت ساقاها بالاعوجاج في منطقة الركبتين وأصبحت عضلاتها مشدودة بشكل دائم مما جعل من مسألة تحريك الساقين والتحكم بهما مسألة في غاية الصعوبة، لذا أجرينا أول عملية في 2005 كي نمنح العضلات فرصة للتقلص وبالتالي نخفف من التشوه والانحناء في الركبتين· واستطرد الدكتور فريد: استجابت سلمى لهذه العملية وبدأت تحرك عضلاتها لذا فكرنا بإجراء العملية الثانية في 2006 كي نمنح الساقين فرصة أفضل ونهيئ العضلات لتتحرك وهو ما يحسن الحالة وإن كانت مسألة المشي متروكة لله عز وجل، وكل ما نستطيع نحن الأطباء فعله هو محاولة إيجاد أحسن الفرص لتحسين الوضع· وعبر الطبيب عن فرحته بتحسن سلمى خلال عدة أشهر من العملية وكونها استطاعت المشي بهذه الفترة، مركزا أن رحمة الله عز وجل واهتمام الأسرة كانا السبب الرئيسي لتقدم حالتها الصحية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©