الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما وراء استهداف السُّياح في اليمن

ما وراء استهداف السُّياح في اليمن
24 مارس 2009 03:56
على وقع الأزمة المالية العالمية، وفي ظل أزمات لا تكاد تنتهي تعيشها اليمن هذه الأيام، جاءت سلسلة الاعتداءات الإرهابية الأخيرة التي تعرض لها رعايا أجانب من كوريا الجنوبية، بين سياح وفريق تحقيق أمني، لتزيد الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد تأزماً وتعقيداً· وبيّنت -بما لا يدع مجالا للشك- أن تنظيم ''القاعدة''، الذي نفّذ هذه العمليات، أخذ يمارس عنفه الأعمى بقسوة ودون هوادة، وعلى نحو استعراضي يُقصَد منه إظهار عجز السلطات في اليمن، وإنهاكها اقتصادياً، ناهيك عن مضيّه في جهوده الرامية لإحراج صنعاء أمام أهم حلفائها؛ ولهذا تجاوز إرهاب التنظيم الأهداف السياحية التقليدية والمعتادة، الغربية أساساً، وبدأ نطاقه يتسع ليشمل سياحاً وأفراداً من دول أخرى تربطها علاقات حسنة باليمن، ومن هؤلاء السياح الكوريون الجنوبيون الذين يُنظر إليهم بشكل واسع على أنهم أكثر السُّياح الأجانب وداعةً ومسالمة· تنظيم ''القاعدة'' يدرك بطبيعة الحال عمق الأزمة التي تعاني منها الحكومة اليمنية في الوقت الراهن، إذ تأثّر أداؤها الاقتصادي والمالي، كما اعترف مسؤولوها أخيراً بعد طـــول ترددٍ ، نتيجة التداعيات الارتدادية السلبية للأزمة المالية العالمية· وفي ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، من المُرجّح أن يلجأ التنظيم مـــن الآن وصاعــداً إلى التركيز، وبشكل أكثر حِدّة، على الأهداف الاقتصادية الأكثر حيوية بالنسبة للحكومة اليمنية، وفي مقدمتها قطاعا السياحة والنفط· لكن استراتيجية التنظيم هذه، وعلى عكس المتوقع، قد تُفضي -في نهاية المطاف- إلى نتائج عكسية بالنسبة لجميع الأطراف، وبما يحوّل الخاسرين إلى رابحين والعكس· فمع اشتداد العنف الإرهابي الذي يستهدف موارد وقطاعات اقتصادية حساسة في اليمن، بالتوازي مع استفحال الأزمة الاقتصاديــــة والماليـــة التي تعاني منها البلاد، ستكون الحكومة اليمنية في وضع تفاوضي أفضل فيما يتعلق بقدرتها على تلقي المزيد من المساعدات الخارجية، الأمر الذي سيُعطي تحذيرات كبار مسؤوليها - وفي مقدمتهم نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير التخطيط والتعاون الدولي، والتي تُلوِّح صراحةً بإمكانية غرق البلاد في الفوضى و''تحولها إلى صومال جديد''- أهمية أكبر وبما يدفع إلى استجابة (وتحرك) أسرع من المجتمع الدولي، الذي ما فتئ يُبدي خشيته من دخول اليمن طور ''الفشل''، وتحولها تالياً إلى ساحة للمتطرفين والإرهابيين، الذين سيهدد عنفهم المتشظّي واحدة من أكثر مناطق العالم حيوية من النواحي الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية، والمقصود بالطبع منطقة الخليج حيث منابع النفط واحتياطياته الأهم والأكبر عالمياً· وإذا تحقق ذلك، ستزداد القدرات الأمنية اليمنية مع تحسن الوضع الاقتصادي نسبياً وتجاوز الأزمة الراهنة نتيجة تدفق الأموال وارتفاع وتيرة الدعم الخارجي للاقتصاد اليمني، وبالتالي ستتخذ المواجهة مع ''القاعدة'' وجماعات العنف المسلح أم منحىً مختلفا، في ظل جهوزية أمنية أكبر وأكثر فعالية تحظى بدعم إقليمي ودولي مهم وحاسِم· وفي المقابل، قد تنقلب خطط تنظيم ''القاعدة'' عليه ومن حيث لا يدرك قادته أو يتوقعون· فالعاصفة المالية الحالية أخذت رياحها العاتية تطال التنظيم، الذي لطالما تفاخر بدوره المزعوم في إحداثها بفعل هجماته على أميركا و''جرّها'' إلى حروب استنزاف صعبة ومُكلفة في أفغانستان والعراق، وبدأت تهدد وضع التنظيم المالي، في مركزه وتفريعاته الإقليمية، تهديداً حقيقياً، لاسيما وأن قادته، سواء أولئك المختبئين في الحدود الأفغانية- الباكستانية أو هؤلاء المحتمين بمناطق قبائل اليمن الأكثر نفوراً من قبضة الدولة المركزية - ليس لديهم في الوقت الحاضر موارد مالية كبيرة، خلافاً للموارد التي تتمتع بها حركة أصولية كـ''طالبان'' والمرتبطة بشدة بتجارة المخدرات المربحة (يتناقض الوضع المالي الحالي لقادة تنظيم ''القاعدة'' تناقضاً حاداً مع الوضع الذي كانوا عليه قبل هجمات 11 سبتمبر ،2001 عندما كانت الميزانية السنوية لتنظيم ''القاعدة'' تتراوح بين 20 و30 مليون دولار، والتي ذهبت عدة ملايين منها إلى ''طالبان''· وعلى الأرجح فإن الأزمة المالية، التي يحاول تنظيم ''القاعدة'' مفاقمة تداعياتها بالنسبة لدول نامية كاليمن، أخذت تؤثر في حجم مبالغ التبرعات التي يتلقاها التنظيم، في الوقت الذي تقل فيه موارد المانحين، وتزداد الطلبات من ملتمسين آخرين· والمؤكد أن المشاكل المالية ستُلحِق أضراراً فادحة بقدرة ''القاعدة'' على إدارة تنظيمها بشكل فعّال، إذ يتحتم على قيادة التنظيم أن تدفع ثمن الطعام والسكن والإقامة لأُسر الذين فقدوا أرواحهم، وكذلك مصاريف الأمن والحماية وشراء الأسلحة والمعدات والتجهيزات اللوجيستية، فضلا عن الأموال الضرورية لتجنيد وتدريب العاملين والانتحاريين وتهيئتهم للقيام بالعمليات الإرهابية والانتحارية· وفـــــي المحصلـــة، ثمـــة احتمـــالات كثـيــــرة لما يمكن أن يؤول اليه الوضع الأمني في اليمن، والذي يهيمن عليه مشهد الإرهاب والحرب· لكن المهم اليوم هو أن يدرك المجتمع اليمني، بمختلف مكوناته، طبيعة التهديد الكبير، الذي تشكله جماعة ''القاعدة'' على حاضره ومستقبله، وأن مشروع هذا التنظيم، الذي يتأسس على العنف والمزيد من العنف دون أفق سياسي واضح، بات يتقاطع وبصورة جوهرية مع سعي هذا المجتمع لتجاوز عثراته· محمد سيف حيدر باحث وكاتب يمني ينشر بترتيب خاص مع خدمة منبر الحرية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©