الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خطر الصوملة

24 مارس 2009 03:56
ما قبل إتفاق السلام وإيقاف الحرب (إتفاقية نيفاشا) بين حكومة السودان و''الحركة الشعبية''، دخلت القاموس السياسي السوداني كلمة أو مصطلح (الصوملة) تعبيراً عن مخاوف السودانيين آنذاك من أن يتحول بلدهم بسبب الحرب الأهلية المدمرة إلى شبيه بالصومال· لذلك كان التأييد والفرح العظيم بوصول الحكومة و''الحركة الشعبية'' إلى اتفاق السلام، وتملكَ غالبية السودانيين إحساس-أمل بأن تكون حرب ''الجنوب'' آخر الحروب التي شهدها وعاش آلامها ورأى نتائجها السودانيون· وعندما انفجرت حرب دارفور كان الناس الطيبون يأملون أن تتغلب الحكمة والعقل على كل الأطراف التي أشعلت حريق دارفور حتى تجني البلاد ثمرات السلام الذي ترقبوه كثيراً، وأن يستعيد السودان الطيب سيرته القديمة، وأن ينتهز فرصة السلام المدعوم بوعود دولية بإزالة آثار الحرب وتحقيق مشاريع التنمية والاستقرار حتى تشمل كل مديريات السودان المهمشة جداً وشبه المهمشة· لكن حريق دارفور، وما صحبه من تطورات دامية ومآسٍ إنسانية فاجعة وما ترتب عليها وما سيترتب عليها من آثار سياسية-جغرافية، أعادت مصطلح (الصوملة) مرة أخرى إلى مسارح السودان السياسية وأحاديث عامة الناس المعلنة والمضمرة، وأعادت المخاوف من (صوملة) السودان بأكثر وأشد مما كانت عليه من قبل· من أسباب هذا الحديث، ذلك الحادث المؤسف عندما قامت ''جماعة مسلحة'' بمهاجمة عيادة طبية في قرية دارفورية شمال الفاشر واختطفت العاملين فيها من أطباء أجانب تابعين لمنظمة ''أطباء بلا حدود''· وقد كانت المرأة الوحيدة من بين المختطفين الممرضة الكندية لورا آرثر· وأياً كانت الجهة التي دبرت عملية الاختطاف (التي انتهت بعد تدخل إيطالي مشكور) فإنها العملية غير الإنسانية· فهل كان المقصود بهذا العمل إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي بأن هنالك من يمكنه تحدي الإرادة الدولية غير مكترث بهذا المجتمع وبالنتائج الفاجعة التي كانت وستكون آثارها شديدة الوطأة أولا على أهل دارفور؟ وتجدر الإشارة إلى أن منظمة ''أطباء بلاد حدود''، عُرفت على مدى الثلاثين عاماً بنشاطاتها وخدماتها وتواجد أعضائها المتطوعين في أي موقع حلت به كارثة إنسانية· لقد كان وقع حادث اختطاف '' لورا آرثر'' عنيفاً وشديداً (حتى بعد إعلان إطلاق سراحها وزملائها) في كندا عامة وفي إقليم كويبك خاصة، حيث تعيش أسرتها· فالسيدة ''لورا'' أصلا ليست ممرضة منتمية لمهنة التمريض، فهي فنانة تشكيلية موهوبة، كانت قد تعرضت لحادث على الطريق السريع أُنقذت فيه من الموت بأعجوبة· وتقول هذا في حديث نشرته مجلة الجامعة بعد عودتها الأولى من مهمتها في دارفور: ''إنني بعد الحادث جلست وفكرت وسألت نفسي ماذا يمكن لمثلي (الخارج من ظلال الموت) أن يقدم للإنسانية من عمل فيما تبقى من عمره؟ وكان القرار أن أترك دراسة كل شيء وأن أتطوع للعمل مع أطباء بلا حدود لإيماني برسالتها الإنسانية·· ولقد تدربت في بلجيكا على التمريض والإسعافات الأولية ومعالجة أطفال المجاعات وضحايا الحروب، وعندما قرروا إرسالي للعمل في دارفور -بعد تشاد- كنت سعيدة وحزينة، سعيدة لأن هنالك أناسا محتاجين جداً لمساعدتي وعوني، وحزينة لما رأيته هنالك من مآس تحدث للأطفال والنساء والحوامل والفتيات المغتصبات·· وهو ما عبرت عنه في لوحاتي (أقامت معرضاً تشكيلياً في الجامعة)، التي ترونها اليوم''· كان هذا جزءاً من حديث صحفي أدلت به قبل سنتين من اختطافها· مرة أخرى أياً كانت الجهة التي دبرت ونفذت حادث الاختطـــاف الجبــان، فقــد سببت لأهـــل دارفـــور وللسودان أضراراً كبيرة· وعسى أن يكذب الله مخاوف الخائفين من ''صوملة'' الســـودان· عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©