الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العلماء: قيم الهجرة النبوية تنقذ الأمة من كبوتها

العلماء: قيم الهجرة النبوية تنقذ الأمة من كبوتها
16 نوفمبر 2012
بالأمس حل علينا عام هجري جديد، وعند رأس كل عام هجري جديد دائما ما يتذكر المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ذكرى الهجرة النبوية، والتي مثلت حدثاً عظيماً وجليلًا غير وجه التاريخ البشري، وقد أرسى فيها النبي صلى الله عليه وسلم قيماً ودروساً عديدة، يجب أن يستفيد منها المسلمون في الوقت الراهن، ليعيدوا لأمتهم مجدها المسلوب من خلال تبني رسالة المهاجرين الأوائل في العمل الجاد من أجل إعلاء كلمة الله وإقامة المجتمع الصالح، فلا ينبغي أن تمر هذه الذكرى مرور الكرام، ومن الضروري أن نتخذ منها العبرة والعظة لظروفنا وأحوالنا المعاصرة، فما أحوجنا اليوم إلى دروس وقيم الهجرة النبوية حتى تتجاوز الأمة الإسلامية الظروف الصعبة التي تعيشها الآن، وحتى يكتب الله لها النصر والتمكين والثبات. أحمد مراد (القاهرة) - يؤكد الدكتور علي جمعة ـ مفتي مصر ـ أن للهجرة معنى مهماً في ذاته نراه عند جميع الأنبياء، فإبراهيم هاجر طلبا للإيمان، وموسى هاجر إلى أرض مدين طلبا للأمن، وإسماعيل هاجر إلى أرض مكة لإقامة البيت على قواعده، ويعقوب هاجر إلى مصر للحاق بيوسف وأخيه، وهكذا لو تتبعنا هجرة الأنبياء لوجدناها كانت لأغراض كثيرة، فأصبحت منهج حياة لطلب الرزق أولطلب العلم أو لطب الأمن أو لطلب الإيمان أو غير ذلك، ولذلك كان لابد أن يكون للهجرة معنى مستمر لمكانتها المهمة من الدين سواء أكان أحدنا ينتقل من مكان إلى مكان أو من حال إلى حال، أما الانتقال من مكان إلى مكان، فقد ورد أنه إذا رأى المرء منكرا فليزله أو فليزُل عنه، وهذا منهاج قوي في مقاومة الفساد وعدم الرضا به، يرتبط ارتباطا عضويا مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما طوره المسلمون قديما في نظام الحسبة وحديثا في المؤسسات الرقابية. مقاومة الفساد ويتابع مفتي مصر: أما الانتقال من حال إلى حال فيتمثل في التوبة والرجوع إلى الحق وعدم اليأس من الوقوع في فعل الذنب لأن الاستمرار فيه أشد من الوقوع فيه، وقضية التوبة هذه هي أساس الرقابة الذاتية للإنسان على نفسه كما قال عمر بن الخطاب في خطبته “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر، يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية”، وعلى هذا المفهوم فإن الهجرة أمر مستمر يدخل في الحياة اليومية للمؤمن، فضلا عن أن مفهومها من ناحية أخرى واسع لا يقتصر على النُقلة المكانية، وقد أصبحنا في أشد الحاجة إلى هذا المفهوم في عصرنا الحاضر حيث يشمل مقاومة الفساد والإفساد. ويقول الدكتور جمعة: هناك العديد من الدروس المستفادة من الهجرة النبوية، ومن الضروري أن يستفيد المسلمون منها في الوقت الحاضر، حيث تعلمنا الهجرة أن الإنسان إذا تنازعت فيه النوازع الأرضية والنداءات السماوية، عليه أن يؤثر الجانب الأسمى والأبقى فلا أحد يستطيع أن ينجيه من عذاب الله، فالهجرة في حقيقتها هجران للباطل وانتماء للحق، وابتعاد عن المنكرات، وفعل للخيرات، وترك للمعاصي، وانهماك في الطاعات. خطة محكمة للهجرة ويضيف مفتي مصر: كما تعلمنا الهجرة من خلال الخطة المحكمة التي رسمها النبي صلى الله عليه وسلم، أن استحقاق التأييد الإلهي، لا يعني التفريط قيد أنملة في استجماع أسبابه، وتوفير وسائله، لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم خطةً محكمةً لهجرته، حيث كتم تحركه، وقصده واستأجر دليلا ذا كفاءة عالية، واختار غار ثور، الذي يقع جنوب مكة تضليلا للمطاردين، وحدد لكل شخص مهمةً أناطها به، فخصص واحداً لتقصي الأخبار، وآخر لمحو الآثار، وثالث لإيصال الزاد، ثم إنه كلف سيدنا عليا كرم الله وجهه أن يرتدي برده، وينام على سريره تمويها على المحاصرين الذين أرادوا قتله، وبذلك أعد النبي صلى الله عليه وسلم لكل أمرٍ عدته ولم يدع مكانا للحظوظ العمياء، لقد اتخذ الأسباب وكأنها كل شيء في النجاح، ثم توكل على الله وكأنها ليست بشيء لأنه لا قيام لشيء إلا بالله، واليوم إذا أراد المسلمون، أن ينتصروا على أعدائهم، وأن يستعيدوا دورهم القيادي بين الأمم، عليهم أن يستوعبوا جيدا هذا الدرس البليغ الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من خلال هجرته، وهو أن التوكل في حقيقته أخذ بالأسباب، من دون الاعتماد عليها، وافتقار إلى تأييد الله وحفظه وتوفيقه، من دون تقصير في استجماع الوسائل. في معية الله وعن القيم والمبادئ التي أرستها الهجرة النبوية يقول الدكتور أحمد عمر هاشم ـ رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية: الهجرة النبوية تمثل حدثا مهما في التاريخ الإسلامي والبشري، لأن بالهجرة تم قيام الدولة الإسلامية على أسس قوية، وتم فيها توثيق الصلة بالله ببناء المسجد‏ وتوثيق الصلة بين المسلمين بالمؤاخاة وتوثيق الصلة بالآخر في صحيفة المدينة، وبالهجرة أرسى النبي صلى الله عليه وسلم العديد من القيم الإسلامية في مقدمتها الصلة بالله، والارتباط به والاستمرار في معيته فإن من كان في معية الله لا يخشى أحدا سواه بل يظل في رعاية مولاه وفي عناية ربه فلا يخاف ظلما ولا هضما ولا يخاف من العدو بخسا ولا رهقا. وقد رأينا أثر المعية الإلهية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء وأبوبكر الصديق رضي الله عنه يقول له: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا، فيجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: “ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا”. ويشير رئيس جامعة الأزهر الأسبق إلى أن من بين القيم التي أرستها الهجرة النبوية أنها أوضحت للبشر كافة عظمة هذا الدين، وأنه يرعى الحقوق ويصون الأمانات ورغم أن المسلمين أخرجوا من ديارهم بغير حق، وبرغم ما صنعه المشركون معهم من الإيذاء ومن أخذ الأموال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر استخلف علي بن أبي طالب ليرد الودائع لأصحابها، وليعطي الناس أماناتهم ونفائسهم التي كانوا قد تركوها عند رسول الله صلي الله عليه وسلم. وأضاف الدكتور عمر هاشم: ومن القيم العظيمة التي أبرزتها الهجرة النبوية الحفاظ على الأمة من الأخطار ومن عدوان الأعداء والحرص على اجتماع الشمل، وتجلت هذه القيمة في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يكن أول المهاجرين، ولم يكن وسطهم ولا معهم بل كان من آخر المهاجرين، فقد أذن لأصحابه أولا بالهجرة بعد ان اطمأن على أمنهم وسلامهم وطمأنينتهم حيث تم عقد بيعة العقبة الأولى والثانية، وأرسل بعض المبعوثين من قبله لأهل المدينة وهو مصعب بن عمير رضي الله عنه ليعلم الناس هناك أمور الإسلام وعباداته ومهد الحياة للمهاجرين واطمأن على سلامتهم وجعلهم يهاجرون سرا حتي لا يتعرض أعداء الإسلام لهم بالإيذاء، وبعد أن اطمأن على هجرتهم هاجر هو بعد ذلك ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه. تحول تاريخي ويقول الدكتور عبدالحكم الصعيدي، الأستاذ بجامعة الأزهر: الهجرة النبوية حادث عظيم، تحول عنده التاريخ، وتبدلت به الأوضاع، وتغيرت به الأحوال، ومن ثم علينا أن نستفيد من الهجرة النبوية في إحداث تغيير آخر في عصرنا الحالى نبني به مجتمعاتنا على أسس قوية، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة إلى المدينة، حيث أقام مجتمعا إسلاميا استطاع في غضون سنوات قليلة أن يقود العالم، وينشر دعوة الحق والخير في ربوع الدنيا بأكملها، ويمكن للمسلمين في الوقت الراهن أن يحققوا هذا الأمر أيضا من خلال تبني القيم السمحاء لرسالة المهاجرين الأوائل في دين التسامح والسلام وإكرام الإنسان المستخلف على الأرض ليعمرها. نبذ الفرقة والخلاف وتقول الدكتورة آمنة نصير، الأستاذ بجامعة الأزهر: الظروف الحالية التي تعيشها الأمة الإسلامية تستدعي منا أن نستلهم دروس الهجرة النبوية في البناء والعمل على تحقيق النهضة والتنمية، فقد بنى الرسول صلى الله عليه وسلم مجتمعا إسلاميا متفردا غلب عليه التسامح والاستقرار وقيم البناء، وهي قيم نحن أحوج ما نكون إليها في ظل هذه الظروف الراهنة التي نعيشها، كما أن دروس الهجرة النبوية تحتم علينا أن يكون العمل مقرونا بالأمل وبالتوكل على الله، إلى جانب بذل الجهد والاستعانة بالقدر. وتضيف: ذكرى الهجرة النبوية دائما ما ترتبط بتطلعات وآمال خاصة، حيث نتطلع جميعا إلى التوحد والاعتصام بحبل الله لنستطيع مواجهة أعدائنا وإحباط المؤامرات والدسائس التي تحاق بنا، والتي تهدف إلى إضعاف قوتنا وتفريقنا إلى شيع وأحزاب متنافرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©