الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابن عبد ربه.. التائب عن الشعر

ابن عبد ربه.. التائب عن الشعر
5 فبراير 2014 19:18
سنظل نعيش مع شعراء الأندلس، لنعرف من خلال الاطلاع على حياتهم وشعرهم أهم فترة من فترات التاريخ العربي والإسلامي، في تلك المنطقة الواقعة جنوب إسبانيا والتي كانت مسرحاً لأحداث جليلة استمرت قرابة ثمانمائة عام. والشاعر الذي نلتقي به اليوم هو ابن عبد ربه، أحد أهم شعراء الأندلس في القرنين الثالث والرابع الهجريين. وحتى نسرع في الدخول إلى حياة هذا الشاعر نطرق بابه ونسارع إليه بأسئلتنا المتلهفة لمعرفة وقائع حياته. v السلام على روحك أيها الشاعر العظيم. ? ? وعليكم السلام.. ولكن لماذا وصفتني بالعظيم؟ v لأن أبا الطيب المتنبي نفسه كان من أشد المعجبين بك رغم بُعد المسافة بينك وبينه. ?? بعُدت المسافة وتوحَّد العصر. v ما هو اسمك الكامل؟ ?? أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب الأندلسي وكنت أُلقَّب بأبي عمر. v أين ولدت، ومتى؟ ?? ولدت في قرطبة، في عام 246 هجرية الموافق 860 ميلادية. v وما حكايتك مع أبي الطيب المتنبي.. هل التقيت به؟ ?? لا.. ولكن ياقوت الحموي روى في كتابه «معجم الأدباء»، قال: أخبرني بعض علية القوم أن الخطيب أبا الوليد بن عسال أدى فريضة الحج، فلما انصرف عائداً إلى الأندلس تطلع إلى لقاء الشاعر المتنبي في مصر، ورأى أن لقاءه فائدة يكتسبها وحلَّة فخر لا يحتسبها، فصار إليه فوجده في مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط، ففاوضه قليلاً ثم قال المتنبي: ألا أنشدني لمليح الأندلس، وكان يعنيني، لأن تلك كانت شهرتي. v وما رأيك بذلك؟ ?? أن تأتي هذه الشهادة من أبي الطيب، شاغل الناس، وسيد الكلمة، أمر يسعدني. v ولكن معظم مؤرخي الأدب والشعر سجلوا شهادات قيمة بحقك وبشعرك.. منهم ابن خلكان، والذهبي والحميدي وغيرهم. ?? هذا صحيح.. ولولا ذلك لما جئتني طالباً المزيد. قصة العقد v لم تكن مجرد شاعر اعتياديّ يا ابن عبد ربه، كنت كاتباً أيضاً ومن أهم كتبك «العقد الفريد»، ما قصته؟ ?? سميته في البداية بالعقد.. ولكن الأبشيهي صاحب كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف» هو الذي أضاف إليه صفة الفريد فيما بعد. v جدك الأعلى هو سالم.. مولى الأمير هشام بن عبدالرحمن الداخل، ولدت في قرطبة عام 246 هجرية، وكانت آنذاك عاصمة الدولة المروانية.. فمن هم أساتذتك في ذلك الزمن؟ ?? كثيرون.. منهم ابن مخلد وابن وضاح والحشي. v أكان ذلك قبل ظهور موهبتك الشعرية؟ ?? نعم.. وجاء شعري فيما بعد يغرف من هذه الثقافة الإسلامية التي حصلت عليها. v هل ساعدتك هذه الثقافة شعرياً؟ ? ? بالتأكيد، بل إنها هي التي صقلت الموهبة الشعرية ومكّنتني من نظم الشعر الجيد الذي مكّنني من التقرب لأمراء بني مروان وغيرهم. v ولكنك تمكنت كذلك من الاطلاع على الشعر العربي في المشرق والمغرب. ? ? وكيف يمكن أن أكون شاعراً بغير ذلك؟! v في دراسة قام بها الدكتور محمد رضوان الداية أستاذ الأدب الأندلسي قال عنك: «تقلبت على ابن عبد ربه أحوال الحياة، فبدأ بسيطاً مغموراً وانتهى معروفاً مشهوراً، وعرف الضيق والحاجة ثم انهالت عليه الدنيا من عطايا الأمراء والقادة وحكام الأقاليم». ?? ما قاله عني صحيح لا غبار عليه.. ولا تنس أنني أدركت من أمراء بني أمية الأمير محمد (238-272هـ) والأمير منذر (273-275هـ) والأمير عبدالله بن محمد (275-300هـ)، كما أدركت شطراً من عهد عبدالرحمن الناصر (300-350هـ). v هل مدح أولئك الأمراء هو الذي عاد عليك بالثروة؟ ?? ليس فقط الثروة.. لقد عاد ذلك المديح عليّ بالجاه والمركز والقيمة الاجتماعية. v هل كان الدافع إلى المديح مادياً بحتاً؟ ?? بالطبع لا.. كانت قصيدة المدح بالنسبة لي تسجيلاً لموقف سياسي، وتخليداً لفتوحات وانتصارات حقيقية. v وهل اقتصر شعرك على المدح؟ ?? لم أترك باباً من أبواب الشعر إلا طرقته. غزل و.. زهد v أطرقت باب الغزل؟ ?? نعم طرقت باب الغزل. v وماذا قلت؟ ?? قلت: أيقتلني دائي وأنت طبيبي قريبٌ وهل من لا يُرى بقريبِ لئن خنت عهدي إنني غير خائنٍ وأي محبٍ خان عهد حبيبِ وساحبةٍ فضل الذيول كأنها قضيبٌ من الريحان فوق كثيبِ إذا ما بدت من خدرها قال صاحبي أطعني وخذ من وصلها بنصيبِ فما كلُّ ذي لبٍّ بمؤتيك نصحَهُ وما كلُّ مؤتٍ نُصحه بلبيب v هلاّ زدتنا من غزلك؟ ?? أقول: معذّبتي رفقاً بقلبٍ معذّبِ وإن كان يرضيك العذابُ فعذبي لعمري لقد باعدت غير مباعدٍ كما أنني قرَّبتُ غيرَ مقرِّب بنفسي بدرٌ أخمل البدرَ نورهُ وشمسٌ متى تطلعْ إلى الشمس تغربِ لو ان امرأ القيس بن حجرٍ بدت له لما قال: مرّا بي على أم جندب v أكان ذلك الغزل كله في عهد الشباب؟ ?? ماذا تقصد يا بني؟ v قصدي الإشارة إلى أن الدارسين لشعرك وحياتك سجّلوا أنك مررت بمرحلتين: مرحلة الشباب وفيها جاء غزلك الصادر عن شاب عرف الحياة واستمتع بها، ومرحلة الشيخوخة التي ترفّعت فيها عن تلك الأحاسيس وتغيرت حياتك إلى حياة إنسان زاهد متعبد يتعفف حتى عن الغزل. ?? لم أترك الشعر الغزلي وحسب، بل اعتذرت عن كل قصيدة غزلية نظمتها في مرحلة الشباب. v وكيف اعتذرت يا ابن عبد ربه؟ ?? مقابل كل قصيدة قديمة نظمتها أيام الشباب، نظمت قصيدة جديدة عالجت فيها الورع. v ألم تطرق باب الغزل في شيخوختك؟ ?? لي بعض الغزل العفيف. v مثلاً.. كآبة الذل في كتابي ونخوة العز في جوابي قتلت نفساً بغير نفسٍ فكيف تنجو من العذابِ خلقت من بهجةٍ وطيبٍ وخلق الناس من ترابِ ولّت حميّا الشباب عني فلهف نفسي على الشبابِ أصبحت والشيب قد علاني يدعو حثيثاً إلى الخضابِ v وهل وضعت الخضاب.. أي هل صبغت شعر رأسك. ?? فعلت.. ولا أخجل من ذلك. v أقلت في ذلك شعراً ?? نعم.. قلت: أصمَّمَ في الغواية أم أنابا وشيبُ الرأس قد خلس الشبابا إذا نَصَلَ (1) الخضاب بكى عليه ويضحك كلما وصل الخضابا كأن حمامةً بيضاء ظلّت تقابل في مفارقِهِ عذابا v شوقتني يا ابن عبد ربه لسماع غزلك بعد مرحلة الشباب. ?? اسمع هذه الأبيات شادن (2) يسحب أذيال الطربْ يتثنىَّ بين لهوٍ ولعبْ بجبينٍ مفرغٍ من فضّة فوق خدِّ مُشْرَبٍ لونَ الذهبْ كتب الدمعُ نجدّي عهده للهوى - والشوق يملي ما كتبْ - ما لجهلي ما أراه ذاهباً وسواد الرأس مني قد ذهبْ قالت الخنساء لما جئتها شاب بعدي الرأس هذا واشتهب (3) v وماذا عن الأبواب الأخرى التي طرقها شعرك؟ ?? هناك باب العتاب وباب الرثاء وباب الزهد وباب الإخوانيات. v لماذا لم يصل إلينا الكثير من شعرك؟ ?? بلاد الأندلس كلها ضاعت.. فلا عجب أن يضيع شعر شعرائها. v لقد حاول الدكتور الداية أن يجمع ما تبقى من شعرك متناثراً فيما تبقى لنا من كتب أدباء وشعراء ومؤرخي الأندلس.. وجاء ديوانك الذي قدم له وحققه ليعطي الأجيال صورة واقعية عن زمانك وشعرك وحياتك، كيف تشعر حيال ذلك؟ ?? لا أخفيك مدى الأسى الذي أصاب أرواحنا بضياع ما عشنا نبدعه ونخطه للأجيال اللاحقة. v إذا سمحت لي الآن سأختار قصيدتك الموسومة «ما قدّر الله غالب»، وسأحكي حكايتها كما رواها ابن عبد البر في كتابه «بهجة المجالس». ?? ماذا قال؟ v قال: أخبرني أحمد بن محمد بن عبد ربه أبو عمر الشاعر، قال: - دخلت على الوزير جهور بن الضيف وكان القحط قد ألح، والغيث قد احتبس، واغتم الناس لذلك، وتحدث المنجمون بتأخر الغيث مدة طويلة، فوجدت عنده ابن عزرا المنجّمَ وجماعةً من أصحابه، وقد قضوا بتأخير الماء شهراً. فقلت للوزير: إن هذا من أمور الله المغيبة وأرجو أن يكذبهم الله بفضله، ثم خرجت عنه وأتيت داري فجاء أول الليل والسماء قد تغيمت، ونمت ساعة، فما أيقظني إلا نزول الماء، وقمت وقربت مني المصباح ونظمت هذه الأبيات التي صابحت بها الوزير فسرّ بها وأعجبته: ما قدّر الله هو الغالب ليس الذي يحبه الحاسبُ قد صدق الله رجاءَ الورى وما رجاءُ عنده خائبُ وأنزل الغيث على راغب رحمتهُ إذ قنط الراغبُ وقل لابن عزرا السخيف الحجا زرى عليك الكوكب الثاقبُ وقل لعباس ٍ وأشياعه كيف ترى؟ قولكم الكاذبٌ خانكم كيوان (4) في قوسه وعزّكم في لونه الكاتبُ فكلكم يكذب في علمه وعلمكم في أصله كاذبُ تغالبون الله في حكمه والله لا يغلبه غالبُ معاني الكلمات: 1 - نَصَلَ: نَصَلَ اللون زال. 2 - شادن: ولد الغزال 3 - اشتهب: بياض يتخلله سواد 4 - كيوان: كوكب زحل المراجع: 1 - ديوان ابن عبد ربه/ تحقيق وتقديم الدكتور محمد رضوان الداية 2 - بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس/ ابن عذاري أبو عبدالله محمد المراكشي 3 - بهجة المجالس/ لابن عبد البر القرطبي، تحقيق محمد الغزالي 4 - لسان العرب/ ابن منظور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©