الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قمر أكل نصفه قطيع ذئاب خائنة

قمر أكل نصفه قطيع ذئاب خائنة
5 فبراير 2014 19:21
تبدو رواية ميثاء المنصوري «من أي شيء خلقت؟» وكأنها رسالة طويلة تعرض فيها البطلة كل ما كانت تتطلع إليه من أحلام الحب وكل ما عانته من خيبات وآلام. ومن البداية، وقبل الإهداء، جاءت هذه العبارة: «هذا النص ليس رواية أو مذكرات أو أي شيء آخر.. إنه عتاب طويل أبعثه إليه.. لعله يقرأ!»، ثم ترد الإشارة إلى تاريخ هذا العتاب. هذه البداية التي يمكن اعتبارها لمحة فنية تأتي في سياق العمل الروائي وتأكيدا على موضوع الحب بين بطلة الرواية (الفتاة التي تسرد القصة) وبطلها الذي اختارت له اسم «متعب»، الذي نكتشف من خلال السرد أنه متعب بالفعل، وحين ننتهي من القراءة نتأكد أنه ظالم.. أو أنه كما تصفه «خائن»، «ملعون!.. حقيييير!»، لكنه يجيبها بكل استهتار: «لعنتي أنت!»، وهو بذلك مثل كثير من الذين يتخذون الحب للتسلية والعبث بمشاعر المحبوبة، ولا يعتبرونه جوهر الحياة. لا أريد أن أختصر الأحداث، لكنني سأتنقل برفقة الكاتبة بين أهم المحطات في هذه الدراما القوية والمؤثرة، وهي تتراوح بين الملهاة والمأساة، لكنها تنتهي بقوة وصلابة، وإن مرت مثل معظم قصص الحب الفاشلة بالكثير من الدموع والآلام. يبدأ الإهداء: «إلى الأرض والوطن وكل المدن العربية». ومن هذه البداية اللطيفة، تنقلب العبارة في زاوية حادة ويصدر الحكم القاسي على هذه «المدن العربية.. حيث نحبل بالحب سفاحاً ثم ندفنه سرا في مقبرة لا عنوان لها..». وبهذه العبارة تقبض الكاتبة على إرادة القارئ ومشاعره وتشده لمتابعة القراءة حتى النهاية بلهفة واهتمام. في المفتتح الروائي تشير الكاتبة إلى أنها تكتب قصة واقعية، قصة «صديقة» وأنها من «إحدى المدن العربية الثائرة..»، لكن القارئ لا يتوقف عند هذه الإشارة لأن البطلة كانت مقنعة في كل كلمة قالتها، وهذا الصدق الفني يشكل أساس الإبداع، وهو الذي يعطي العمل قيمته في مختلف أبعاده الفكرية والفنية والجمالية، وكأنه حدث فعلي وليس متخيلًا. ومن الصفحات الأولى تكشف لنا البطلة شيئا من التناقض بينهما: فهي تحب مدينته جدة، وهو لا يحب مدينتها دبي. وأول درس تعلمته من حبه يعبر بعمق عن ذلك التناقض: «تتنازل النساء كثيرا في الحب. يتغيرن لأجل رجالهن. بينما يرفض الرجال أي تغيير ويرفضون حتى التنازلات». وهي تعترف له بأنه كان شيئا مبهرا في حياتها، لكن تجربتها القاسية معه أكدت لها أن «النهايات السعيدة في الحب لا تأتي إلا في حكايات الجدات...». وهي تعترف أيضا أن معادلة الحب لم تكن عادلة بينهما، وتحاول أن تفهم قصتهما بكل أبعادها: «أحببنا بعضنا كثيرا! نعم. ولكن كلا منا أحب بطريقته». مرارة الخيانة الهاتف الجوال كان وسيلة أساسية للتواصل بين العاشقين، وكانت هناك لقاءات في المطارات وفي بيروت وألمانيا ولندن واليونان وماربيا حيث حذرتها عرافة غجرية منه قائلة لها: «سيتعبك هذا الرجل كثيراً». وهناك صديقات مررن بتجارب حب قاسية: نادية، عالية، منال، أروى، وجينا من كاراكاس.. ولكل واحدة قصة، وكل واحدة منهن نصحت صديقتها، لكن بلا جدوى.. فلا أحد يستفيد أو يتعلم إلا من تجربته ذاتها. ومع أن «متعب» فنان تشكيلي وشاعر ويحب المطر لأنه يشبه صوت حبيبته، ويقرأ لها من شعر نزار من باريس عبر الهاتف.. وله تصرفات تنم عن حبه الكبير لها، وخاصة حين كان يفاجئها بزيارة ساعة أو ساعتين ليعود بالطائرة من حيث أتى، إلا أنه كان كثير الغياب، وكانت تصرفاته مريبة. من ذلك عندما فاجأته مرة في لندن، ففتح لها الباب مواربا واعتذر، بحجة واهية، أنه لا يستطيع استقبالها، لكنه يعترف لها بعد مدة أنه اضطر لإيواء زوجته، التي أخذت طفلتهما وتخلت عنه، في شقته تلك الليلة إكراما لابنته. بعد تلك الصدمة تحاول أن تنهي علاقتهما، لكنها تعجز عن ذلك، وتظل في حالتها التي تراوح بين الحلم والكابوس، وبين الحب والجنون، وتعود إليه من جديد مرغمة، لكنه في النهاية يفاجئها بخبر صاعق قائلًا إن زواجهما غير ممكن، والسبب كما تقول: لأن «اسم قبيلتي لم يكن صالحاً لأن يقترن باسم قبيلتك...». فضلاً عن أن والدته رفضتها. ولم تكن هذه آخر خيباتها ولا صدماتها، بل يسدد لها “الحبيب” ضربة أقسى للإنسانة التي كانت حبيبته فيطلب رأيها في عروسه «سلوى»، وتسأله: «أي سلوى؟» فيخبرها بأنها شقيقة صديقتها.. التي اختارها أهله زوجة له، ويظهر السبب الحقيقي وهو أن سلوى أصغر من حبيبته. هكذا بكل قسوة صاعقة. وتعبر عن ردة فعلها قائلة: «يومها تحول كبريائي لتنين ضخم ينفث النيران في داخلي. لم أعاتبك، أو أصرخ في وجهك...». وتواصل التعبير عن حالتها، فقد أحست بأنها «.. قمر أكل نصفه قطيع من الذئاب الخائنة، فسقط رأسي على مكتبي لأنتحب كانتحاب ثكلى فقدت ابنها الوحيد الذي أنجبته بعد عشرين عاما من العقم في حرب أهلية باردة». وهنا تتذكر قصة صديقتها منال، وهي مشابهة لمأساتها. وتقاوم صدمتها بشجاعة وكبرياء، رغم الغصة الخانقة التي تركها في قلبها. وليلة زفافه، تسافر كالهاربة إلى عند خالها في تونس. وقصة خالها مأساة أخرى، وفيها كثير من العزاء. فقد رفضته أم حبيبته، فظل مخلصا لحبه، كما ظلت حبيبته، لكنهما لم يتزوجا رغم وفاة الأم. وحين يسرد لها قصته يشير إلى قلبه: «هنا ينام شهيد اغتيل منذ ثلاثين عاما!». كان هذا درساً كبيراً وعزاء جميلًا. وتخاطب متعب في النهاية: «غبت أنت وعدت أنا كما كنت، أنثى تحلم وتعيش وتبحث عن الحب في كل تفاصيل الحياة وبين مدن العالم». وتنتهي الرواية بهذه الكلمات: «وهكذا تيقنت بأنك كما دخلتَ حياتي فجأة كالمعجزات.. كالسيل.. كالمطر.. خرجتَ منها فجأة كالمعجزات.. كالسيل.. كالمطر.» زيف وتناقض الرواية تكشف بألوان صارخة واقع الحب بين عالمين متناقضين: عالم الرجل الذئبي الخائن وعالم المرأة الوردة الضحية، وبلغة بسيطة وجميلة تميط اللثام عن الزيف الذي يختبئ أحياناً في معسول الكلام واللغة المنمقة. وإذا ظهرت البطلة في بعض المواقف ضعيفة، بعكس النهاية الصامدة التي انتهت إليها، فإن تلك المواقف جزء من الدرس البليغ والهدف الفكري والتربوي الذي تتركه الرواية في نفس القارئ، أو القارئة بالتحديد. تبقى ضرورة الإشارة إلى أن ساردة القصة مولعة بالتفاصيل، والكاتبة تابعت كذلك سرد تلك التفاصيل في أكثر من موضع، بدءا من أسماء المدن والمقاهي و”البوتيكات”، إلى أسماء الروايات والأفلام، إلى الحركات التعبيرية في الوجه والعينين واليدين، ومن طريقة شرب القهوة إلى المزاح المزعج حين غمس إصبعها في فنجان القهوة ليكتشف أنه ازداد حلاوة!. هذه التفاصيل الصغيرة، إضافة إلى تفاصيل الحالة النفسية وتموجات المشاعر في حالات السلب والإيجاب، تجعل هذه الرواية أهم الروايات الثلاث التي قرأتها حتى الآن، وهي تبين مهارة الكاتبة في إبداعها لهذا العمل الفني الجميل والمتكامل بإتقان، بينما نرى الأعمال الأخرى تفتقر إلى هذا البناء الروائي الذي لا يقبل الحذف أو الإضافة. ولم تكن الكاتبة من المتعصبات للمرأة ضد الرجل إلا في قصص معينة من النماذج التي ذكرتها بطلتها، ويكفي هنا أن نشير إلى قصة حب الخال، لنتأكد من نظرتها الموضوعية المنصفة. الكاتبة عن روايتها ..أنا مغرمة بالتفاصيل تقول الكاتبة ميثاء المهيري لـ “الاتحاد” مجيبة على سؤال: لماذا أظهرت البطلة بالضعف والعاطفة الشديدة، وهل المرأة ضعيفة بالفعل؟: «العاطفة هي نقطة الضعف عند المرأة، لأنها مخلوق عاطفي وتتأثر بسرعة، لكن في حال ابتعدت عن العاطفة فهي تفكر بعقلانية وبطريقة صحيحة وتظهر قوة شخصيتها بوضوح. وليست الطبيعة العاطفية للمرأة عائدة فقط إلى الأمومة بل ثمة عوامل خارجية أيضاً تحيط بها، وهي التي تؤثر على مكانتها في المجتمع. ويمكن لهذه الأشياء أن تكون إيجابية، ومن خلالها تتعلم كيف تخطط لحياتها وتأخذ قرارات صحيحة بعيدة عن العاطفة، لذلك تغير حال البطلة في المشهد الأخير”. ولأن الكاتبة منغمسة في التفاصيل الصغيرة التي أضافت لعملها الروائي نوعا جديدا وجميلا في تقنيات السرد مما يعطي سلاسة في القراءة ومصداقية في الإقناع دون أن يؤثر على ترابط الأفكار وجمال المشهد المكتوب، تقول موضحة: «فعلا أنا أهتم كثيراً بالتفاصيل، حتى في حياتي اليومية أعنى بالأشياء الصغيرة أكثر من الكبيرة. هذا جزء من تكويني الشخصي، ويبدو أنني لم أستطع إبعاده عن النص. أشكرك لأنك انتبهت لهذه الأشياء وأرجو أن تكون إضافات جميلة للعمل وتنال إعجاب القراء”. وتضيف المهيري: “بدأت هذه الرواية من عام 2008. كنت أكتبها كمدونات أو يوميات، ولما شعرت أن القصة اكتملت أعدت جمعها وكتابتها من جديد، بحيث تكون أقرب إلى رواية حقيقية. أنا أحب السفر فعلا إلى كل المدن المذكورة بالرواية، البطلة ليست رمزا بل هي نموذج موجود في المجتمع، والواقع يشهد أشياء مشابهة جدا لأحداث القصة، ومازالت المرأة تجري وراء قلبها وعاطفتها». وحول قراءاتها ومشاريعها الكتابية توضح أن لديها حالياً فكرتين لعمل روائي جديد لم تختر بعد أيا منهما لتبدأ به. تقرأ ميثاء المهيري الأعمال الروائية المترجمة فضلاً عن تلك المكتوبة بالإنجليزية، وتتميز بلغة صحيحة، وعبارتها واضحة سلسة وعميقة الدلالة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©