السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التكنولوجيا إشكالية تهدد النشء بالعزلة عن الواقع

التكنولوجيا إشكالية تهدد النشء بالعزلة عن الواقع
18 نوفمبر 2012
أبوظبي (الاتحاد) - «ابني أحمد يبلغ من العمر عشر سنوات، لا يروق له مرافقة الأسرة إلى أي مكان، حتى بيت العائلة الذي كان يبكي من أجل الذهاب إليه والمبيت فيه حين كان صغيرا، يرفضه الآن رغم أن الجميع يحبه، وعندما أقول له «اسع لتكوين صداقات» يجيب «أنا أملك أصدقاء أكثر منكم» ولكنهم أصدقاء العالم الرقمي «أصدقاء ديجيتال». هذا ما اشتكت منه أم تعاني من التحول الذي أصبح يحيط بالأسر، ويلف الأطفال في عزلة ووحشة، ويضع الأسر على مفترق الطرق، حيث أصبح الصغار في منأى عن العالم الخارجي، يتقوقعون في العالم الافتراضي ما يمدهم بطاقة سلبية كبيرة، ويسهم في عدم التأقلم مع العالم الخارجي والهروب إلى هذا العالم الجديد. مشكلة شائعة إلى ذلك، تقول الدكتورة هبة شركس، استشارية نفسية وخبيرة أسرية وتربوية، «لا يمثل أحمد نموذجاً فريداً، بل إنه نموذج متكرر وسائد داخل بيوتنا، فكثيرا من أبنائنا اعتمد على أصدقاء «الواقع الافتراضي» داخل غرف الدردشة، ومواقع التواصل الاجتماعي واستغنى بهم عن العلاقات الاجتماعية الحقيقية، أو دمج بين النوعين من الصداقات، والصديق الرقمي ضمن منظومة الواقع الافتراضي يوفر للأبناء طريقة سهلة للتواصل الاجتماعي ترضي احتياجهم لتكوين صداقات من جهة، وتجنبهم المشكلات والخلافات الاجتماعية من جهة أخرى». وتضيف «من المعروف أن الأطفال والمراهقين يختلفون في درجة تفاعلهم الاجتماعي فمنهم من يمتلك مهارات اجتماعية عالية، أو متوسطة، أو بسيطة، وعليه تختلف الدوافع لإقامة صدقات «الواقع الافتراضي «بين الاستمتاع بإقامة عدد لا محدود من الصداقات عند الأبناء الاجتماعيين، أو تجنب الاحتكاك المباشر بالأصدقاء والاكتفاء بعلاقات رقميه يمكن التحكم فيها بكبسة زر عند أولئك الذين يعانون من مشكلات اجتماعية». وتؤكد شركس، المدرب المعتمد عضو هيئة تدريب الأكاديمية الأميركية للعلوم والتنمية، أن الوعي بأهمية التفاعل الاجتماعي يشكل نصف حل للمشكلة، مضيفة أنه «للاقتراب أكثر من المشكلة علينا أن نعي أهمية التفاعل الاجتماعي عند الأبناء، فعندما يكون الطفل صغيرا في عامه الأول والثاني يسيطر عليه شعور بأنه محور الكون وأن كل ما يصدر منه يحرك العالم من حوله، فابتسامته مصدر سعادة من حوله، كما أن بكاءه يحرك المحيطين ليسارعوا بتلبية طلباته، ثم ينتقل بعد ذلك من الأنا إلى النحن، متفاعلا مع من حوله في مرحلة الإقبال الاجتماعي، والتي تعد حجر زاوية في البناء الاجتماعي لشخصية الطفل ويشعر الطفل بالرغبة في التفاعل مع العالم من حوله ويسعد بتكوين صداقات ويبدأ في اللعب الجماعي الذي يعد بمثابة بروفة الحياة، يكتسب من خلاله العديد من المهارات فيتعرف على قوانين المجموعة ويحترمها، كما يتعلم الانتقال المرن بين الأدوار والتحلي بروح الفريق، وتعد الخلافات والمشكلات الناتجة عن التفاعل الاجتماعي مهمة جدا فهي تقوى عوده وتصقل مهاراته في احتواء المشكلات». وتتابع «يسهم التفاعل الاجتماعي في جعل الطفل أو المراهق أكثر مرونة وأكثر تقديرا لأهميه المجموعة، ويضع في اعتباره احتياجات الآخرين، وتنمو لديه بعض القيم المهمة مثل الانتماء والتعاون والتسامح، ومن هنا تظهر أهمية التفاعل الاجتماعي لدى الأبناء، وانخراطهم في العالم الافتراضي يعد عقبة تعوق نموهم الاجتماعي في حال اكتفى بهذا النوع من الصداقات التي تؤخر انخراطه في عالم الواقع الاجتماعي فيقع أسير الشبكة العنكبوتية». بين العالمين يرى بعض الآباء أن منح الأبناء كل وسائل التواصل من خلال الألعاب الإلكترونية وهواتف ذكية يدخل ضمن الترف وتحقيق ما يصبو له الطفل، لكن ذلك يشكل سلاحا قد يكون ضد الطفل ويؤثر عليه، ويجعله في عزلة تامة عن عالم واقعي تغيب عنه مفرداته وقيمه، إلى ذلك. توضح شركس «المعطى الجديد المتمثل في العالم الإلكتروني يجب أن يتعامل معه الآباء بذكاء، بحيث يمكن فتح المجال للطفل لممارسة ذلك، لكن بطريقة مقننة، بحيث إذا زاوج الأبناء بين الأمرين، الحياة الاجتماعية والواقع الافتراضي، فهذا يمنحه مميزات التفاعل الاجتماعي، بالإضافة إلى جواز سفر يسمح له بتواصل واسع يولد «عقلا جمعيا» يشمل أفراد من جنسيات ولغات مختلفة يحملون ثقافات متنوعة، وتجمعهم أحلام وتطلعات مشتركة، يدفعهم الفضول وحب الاستطلاع والرغبة في الانخراط مع العالم لتكوين نسيج اجتماعي مختلف ومتنوع، قد يكون بديع، وقد يكون غير ذلك، اعتمادا على درجة الرقابة الذاتية لدى المستخدمين». وتوصي شركس بمجموعة من الخطوات لتجاوز بعض التحديات التي أصبح يطرحها المعطى الجديد والذي بات يفرض البحث عن سبل وأساليب تربية جديدة بطريقة لا تنفر الطفل من أسرته، بل تعمل على احتوائه. في هذا الصدد تقول «التفاعل الاجتماعي بين الأبناء والمجتمع شرط من شروط التربية السوية ويؤمن لهم نمو نفسي واجتماعي قوى، كما الواقع الافتراضي على الشبكة العنكبوتية داخل غرف الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي يسهم في خلق نسيج اجتماعي جديد ويفتح آفاق نحو العالم بثقافته المتعددة، والموازنة بين العلاقات الاجتماعية الحقيقية وعلاقات الشبكة العنكبوتية أصبحت ضرورة حتمية لبناء شخصية سوية، فلا مشكلة من التواصل مع الأصدقاء الديجتال، ولكن بعد التأكد من بناء علاقات اجتماعية تفاعلية». وتلفت إلى أن الرقابة الذاتية تمثل سفينة نوح في بحر «الواقع الافتراضي» المليء بالمخاطر، حيث لا سبيل للسيطرة على محتوى الشبكة العنكبوتية بشكل كامل. فيكون من المنطقي غرس مبدأ الرقابة الذاتية لدى الأبناء عملا بوصية لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه حين قال: «يا بُنيّ إنّها إنْ تَكُ مِثقَال حبّةٍ مِنْ خَردلٍ فَتكنُ فِي صَخْرةٍ أو في السَّماواتِ أو في الأَرضِ يَأتِ بِهَا اللّهُ إنّ اللّهَ لطيف خبير»، مؤكدا أهمية الرقابة الذاتية، حيث جاءت بعد الأمر بتوحيد الله وبر الوالدين وقبل الحث على الصلاة، لما لها، أي الرقابة الذاتية، من دور فاعل في تقويم وتهذيب النفس. وتشدد شركس أن الرقابة الذاتية هي درجة عالية من التربية، لا يمكن للطفل أو المراهق أو الشاب ممارستها إلا إذا كان محصنا بتربية دينية عالية وبوعي مستمد من تربية الأهل، أما إذا غاب هذا المعطى فإنه يصعب ممارسة الرقابة الذاتية أو يغيب في غالب الأحيان. كما توصي الاستشارية النفسية بالحرص على إلحاق الأبناء بالنشاطات الاجتماعية المختلفة، مثل الأنشطة الرياضية، والنوادي الاجتماعية، والأنشطة الثقافية، وأنشطة الخدمة الاجتماعية سواء داخل الأسرة أو في المدرسة، وذلك لإشغال الطفل بممارسات واقعية تجعله يتفاعل في العالم الخرجي ويكتسب من خلالها مجموعة من الأساليب التي تضع رجله في عالم حقيقي لا مفر من التأقلم معه وإلا فإنه سيجد نفسه منعزلا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©