الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأفغان الأميركيون: يبقون أم يعودون؟

18 نوفمبر 2012
في إحدى صالات العرض الفني بكابل تزين مئات اللوحات الزيتية الجدران، فيما يبدو الخط الإسلامي بتعبيراته الدقيقة والجميلة إلى جانبها مع عدد من التحف الفنية الأخرى التي صاغتها أيدي الفنانين الأفغان، كل ذلك وأكثر تضمه صالة العرض الواقعة في أحد الأحياء الجانبية المليئة بالمارة في العاصمة الأفغانية كابل، أما صاحب الصالة فهو “رامين جاويد”، الأفغاني الأميركي الذي قدم خصيصاً من نيويورك للاستقرار في بلده الأصلي مباشرة بعد سقوط حكم “طالبان” عام 2001، مفضلاً العمل في أفغانستان ومساعدة الفنانين المحليين لعرض أعمالهم وتسويقها. والحقيقة أن “جاويد” ليس سوى واحد من آلاف الأفغان الذين فروا من بلادهم خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي أبان الحكم الشيوعي في أفغانستان، وما تلا ذلك من عنف وفوضى، ليقرروا العودة بعد الحملة الأميركية ضد “طالبان”. لكن، وعلى غرار باقي العائدين الأفغان، يواجه “جاويد” إشكالية الرجوع مجدداً من حيث أتى، لاسيما في ظل المخاوف المتنامية من استيلاء “طالبان” على الحكم بعد مغادرة القوات الأجنبية نهاية 2014، حينها ربما سيكون على العديد منهم حزم أمتعتهم والعودة من حيث أتوا. وعن قرار الرحيل مجدداً، والذي قد يُتخذ في أي وقت، يقول جاويد: “حتى هذه اللحظة ليست لدي خطط بالرجوع للولايات المتحدة، فلكي أصل إلى هذا القرار لابد من حصول تطورات أمنية قصوى تدفعني إليه، لاسيما أن لي أسرة هنا وطفلة وُلدت وتربت في أفغانستان”. ومع أن “جاويد” درس الثانوية والجامعة في نيويورك، فإنه طالما راوده حلم العودة إلى بلاده والعمل مع الفنانين المحليين لتسويق عملهم، مؤكداً أنه لن يرحل بسهولة حتى لو اضطر إلى تحمل بعض الفوضى والظروف الأمنية الصعبة. وعن عمله يقول “جاويد” إنه يساعد الفنانين الأفغان الذين لا تتوافر لهم فرص العرض والتعريف بأعمالهم في الخارج، حيث يحصلون على عائدات من بيع اللوحات، كما يأخذ هو بالمقابل عمولة على كل عمل يقوم ببيعه. وفيما كانت اللوحات والمقتنيات الفنية الأخرى تباع بسعر بسيط لا يتجاوز هامش الربح فيها 20 إلى 25 في المئة، يقوم هو من خلال صالة العرض التي يملكها ببيع لوحات بربح يصل إلى 200 في المئة. وإلى جانب “جاويد” الذي آثر الاستقرار في بلاده، هناك أيضاً “هلينا ماليكيار”، الأفغانية الأميركية من أريزونا التي تعيش حالياً في كابل برفقة ابنها وزوجها، وقد قررت البقاء، كما تقول، رغم التوقعات المتشائمة بعد انسحاب القوات الدولية، حيث ترى أن الأفغان سيثبتون جدارتهم وينهضون بالمسؤوليات الجسيمة حتى بعد مغادرة الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد تقول: “أعول كثيراً على الجيل الجديد، لأني أعتقد بأنهم طوروا وعياً متقدماً يحثهم على الدفاع عن المكتسبات التي تحققت خلال العقد الأخير، ومع أني أدرك صعوبة هذا الأمر وربما عدم تحققه خلال حياتي، فإني آمل أن يتمكن ابني من رؤية أفغانستان الجديدة التي تنعم بالاستقرار والرخاء”. بيد أن أفغاناً آخرين قدموا من أميركا للاستقرار في بلادهم ليسوا بنفس القدر من التفاؤل، إذ حزم العديد منهم أمتعتهم راجعين إلى الولايات المتحدة بعدما ساء الوضع الأمني وباتت شوارع كابل أخطر من أن يتجول فيها المرء دون حماية. هذا التوجس من المستقبل هو ما عبرت عنه “نيولفار شوجا”، الأفغانية الأميركية القادمة من كاليفورنيا قائلة: “لفترة طويلة قضيتها هنا في أفغانستان كنت أشعر بأنني أحقق شيئاً لنفسي ولبلدي، لكن وخلال الشهور الأخيرة بدأت أشعر بعدم الأمان مع تردي الوضع الأمني”. وكانت “شوجا” قد عادت إلى أفغانستان في مارس 2002 وظلت تعيش بين البلدين منذ ذلك الوقت بعدما عملت كمستشارة للتطوير في أفغانستان إلى جانب المنظمات والهيئات الدولية التي تدفقت على البلاد بعد دخول الولايات المتحدة، لكنها قررت في يوليو الماضي العودة نهائياً إلى أميركا بعدما شهدت تراجعاً في الفرص الاقتصادية والاستقرار الأمني. لكن رغم صدق نوايا هؤلاء الأفغان الذين جاءوا من أميركا للاستقرار في بلدهم، هناك من الأفغان المحليين من لا ينظر إليهم بعين إيجابية، هذا الأمر تعكسه تصريحات “إسماتوالله”، الموظف الحكومي قائلاً: “أغلب الأميركيين الأفغان الذين عادوا إنما فعلوا ذلك لكسب المال وللبحث عن الفرص الاقتصادية”. والحقيقة أن هذا التصور شائع بكثرة في الأوساط الأفغانية، ويجد له صدى لدى المواطنين العاديين، ويغذيه لجوء الأفغان الأميركيين إلى توظيف علاقاتهم بالمسؤولين وتجربتهم في الغرب للحصول على صفقات، أو تولي مناصب كمستشارين براتب عال. كما أن قدرة الأميركيين الأفغان على مغادرة البلاد والرجوع إلى أميركا في حال تردي الأوضاع يؤجج الشعور بالمرارة لدى الأفغان المحللين، وأحياناً يولد إحساساً بالغيرة كما يبدو من تصريحات شير محمد، الشباب الأفغاني العاطل عن العمل، والذي يقول: “أريد أنا أيضاً مغادرة أفغانستان؛ لا أرى أملاً في البقاء، ولا أتوقع تحسناً للوضع على المدى القريب، فهنا لا تستطيع الحصول على عمل كريم دون دفع رشى للمسؤولين”. حليمة كاظم كابل ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©