الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قرية عُمانية تصمد أمام قسوة الجبال وكآبة الكهوف

قرية عُمانية تصمد أمام قسوة الجبال وكآبة الكهوف
25 مارس 2009 02:32
إنها قرية «وسال» الواقعة في الجنوب الشرقي من ولاية قريات التابعة لمحافظة مسقط. القرية ذات طبيعة جميلة وخلابة، الرحلة إليها شاقة ومتعبة نظرا لوعورة الطريق حيث تسلك طريقا وعرا بين الجبال، مستعينا بسيارات الدفع الرباعي على أن تكون القيادة حذرة، وسميت بهذا الاسم نظر لجريان الأودية والمياه من أعلى منحدرات الجبال، هذا ما قاله كبير القرية وشيخها. وفي الحقيقة قرية وسال قرية تنقسم إلى قسمين أو حارتين، كما يقول أهلها، المنطقة العلوية والمنطقة السفلية، فالأخيرة عبارة عن مكان مسطح يقسمها الوادي إلى قسمين يسكن على طرفيه أهالي القرية. القرية جميلة وذات طابع سياحي لا سيما في أيام الصيف حيث تصل درجة الحرارة إلى درجة واحدة ليلا وخمس درجات في النهار، أما في فصل الشتاء فتصل إلى درجتين في النهار وفي الليل تصل إلى أقل من ثلاث درجات تحت الصفر. تشكل القرية منتجعا سياحيا لا سيما للمغامرين الذين يفضلون تسلق الجبال والكهوف، حيث يستخدم قاطنوها الكهوف كمنازل مأو لهم في فصل الشتاء تقيهم برودته، والبعض منها يستخدم أحيانا كملاجئ للأغنام. معظم أهالي القرية من حفظة القرآن الكريم ومن المواظبين على تأدية الفروض والصلوات، وخلال رحلتنا رأينا حسين الغداني الذي يمتلك صوتا جميلا في تلاوة القرآن الكريم، سمعناه في حفل أقيم لاستقبال لجنة التقييم التي قامت بزيارة القرية مؤخرا، ويتمنى الغداني أن يكون معلما أو إماما في مسجد بلدته، ويتمنى الالتحاق بأحد معاهد السلطان قابوس للعلوم الإسلامية، ويتولى مهام التدريس وتعليم القرآن الكريم، وأيضا وظائف أخرى كالتعليم والتوجيه وإلقاء المحاضرات لأهل قريته، الحياة البسيطة في هذه القرية ترجع إلى سجيتها ووجدانيتها وللإنسانية بشعورها وللتواضع برونقه. في رحلتنا وجدنا مسجدا كبيرا أنشئ مؤخرا ضمن جهود الحكومة لتوفير الخدمات المناسبة لأهالي القرية، كما أنشئت دورات مياه ومجلس عام يجتمع فيه أهالي القرية لاستقبال الضيوف القادمين من المدينة. بالإضافة إلى أعمال شق الطريق العلوي والسفلي للقرية لسهولة نقل امتعتهم بوسائل النقل المختلفة. وتتميز قرية وسال بجوها البارد طوال العام وتزداد البرودة بها في فصل الشتاء، حتى تصل إلى تحت الصفر، مما يجعل أهالي القرية في معاناة كبيرة، ولأن الطريق إلى القرية متعب وشاق وبحاجة إلى تحمل الصبر وغبار الطريق ووعورته نجد أن قرابة من يقطن بالقرية يبلغ 22 أسرة، لا تتوفر لديهم الحياة التي يتمتع بها سكان المدينة، فالطفل الذي يولد بين الجبال، تكون طفولته ذات سمات مغايرة عن طفل المدينة وذات صفات وتطبع مختلف تماما، ولا يتمتع بما يتمتع به أطفال المدينة، وطالب المدرسة يبذل جهدا مضاعفا في الوصول لمدرسته لعدة عوامل منها الطريق والمسافة والوعورة ووسيلة النقل المعدومة حيث ينتقل معظم الطلبة فيها بسيارة دفع رباعي مكشوفة ويغطيهم الغبار وأتربة الطريق حتى يصلوا إلى المدرسة وملابسهم تحمل كل أنواع التربة الجبلية، وما أن يعودوا إلى مقر سكنهم ويدخلوا غرفهم «خيامهم « لمذاكرة دروسهم، عليهم أن يبدأوا في وضح النهار من الساعة الثالثة ظهرا، وإما أن يهتدوا بالقنديل «سراج أبو فتيلة» كما يطلق عليه بالعامية !!. وتعيش فتيات قرية وسال في تواضع لأنهن بسيطات الأحلام واسعات العطاء والجهد لما تميزت به ظروف معيشتهن وحياتهن حيث لا يعرف بنات القرية ما لون فستان الفرح وماذا يعني شهر العسل، أما المرأة فهي تكدح طوال حياتها من أجل توفير الحياة السعيدة لأولادها وزوجها الذي لا يبعد عنها سوى بضعة أمتار، فهو لا يفارق القرية إلا لأمر أستدعي إليه فهو يعيش ليرعى أغنامه، ونظرا لصعوبة الحياة فلا يملك الأطفال سوى الأحلام، فالطفل يحلم أن تكون لديه لعبة والطفلة تحلم أن تكون لديها عروسة. وتمتلك القرية بعض المقومات التي أدخلتها الحكومة كعامل عون ومساعدة وتسهيل، حيث وفرت سبلة عامة يجتمع فيها الأهالي ومسجدين ودورات مياه، بالإضافة إلى «تسوير» مزرعة الرمان، إضافة إلى بعض الجهود الذاتية التي قامت بها اللجنة الصحية بولاية قريات بالتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى وبالتعاون مع أهالي القرية بشق طريق حتى يستطيع الفريق الطبي الوصول لها. يلجأ أهالي القرية إلى الكهوف عندما تسقط الأمطار وتسيل الأودية وعندما تهب الرياح الشديدة، يختبىء الأهالي في الأنواء الاستثنائية وذلك هربا من تلك الرياح العاتية التي تضرب القرية و تقتلع كل ما بنوه، وقد جعلوها مساكن لهم، ووضعوا الأبواب الخشبية على مدخل الكهوف، كما استخدموها مخازن لأمتعتهم التي لا تحتاج إلى تبريد. وتكاد تكون الخدمات الأخرى ضعيفة في القرية، كالكهرباء والاتصالات، إذا ما كانت معدومة أساسا، وذلك لأن طبيعة القرية الصخرية ساهمت في صعوبة تسخير الكثير من الإمكانيات. ولأهالي القرية نداءات وحلول وسطية للحكومة في حال إذا ما تعسر توفير معظم الخدمات، فهم ناشدوا بأن يتم توفير مولد كهربائي يستوعب متطلبات القرية ويتم تعيين فني كهربائي عليه، فهم لا يحتاجون إلى مكيف مركزي أو مروحة، فالطبيعة أغنتهم عن ذلك، هم فقط بحاجة إلى ثلاجة لحفظ المواد الغذائية وإنارة بسيطة كل حسب استطاعته. هذه القرية قد تكون قصة واقعية وغريبة في حياة متطورة عجت بوسائل الاتصال والإنترنت والعولمة والتكنولوجيا إلا أنها لازالت تعيش «محلك سر» كما يصفها البعض لكونها تفتقد الخدمات الأساسية، ولكن مع تعود أهلها على هذه الطبيعة تظل الحكاية مستمرة في قرية وسال
المصدر: مسقط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©