الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غرباء تحت سقف واحد

11 ديسمبر 2014 00:10
بصورة أو بأخرى لم يعد أطفالنا لنا. تباعدت بيننا وبينهم المسافات بعض الشيء، وصارت العلاقات مهددة، إن لم تكن عرضة للخطر، ولم تعد قنوات الاتصال سهلة يسيرة بلا عائق أو عقبات، على الرغم من تطورها بفضل التكنولوجيا الحديثة. بل ربما كانت تلك التكنولوجيا هي السبب في تلك السحابة التي تخيم على معظم البيوت فيما يخص التواصل بين الآباء والأمهات والصغار. وهي سحابة تفرز في العادة توترات ومشاكل أسرية، أبطالها في العادة الأطفال.. وضحاياه في الوقت نفسه. فالتكنولوجيا الحديثة، قوضت الشكل التقليدي للأسرة ومراكز القوى والنفوذ فيها. ولم يعد الأب أو الأم المحور الرئيسي والمنبع الأهم للقيم والتقاليد والأخلاق. وتعددت مصادر المعلومات والأفكار، ودخلت على الخط أطراف كثيرة، صارت فجأة تلعب أدواراً مهمة في حياة الأطفال بعيداً عن أعين الأب والأم. فقد اتسعت دائرة المعارف، حتى صارت تضم غير المعارف. فالتكنولوجيا بإمكاناتها الخارقة، حطمت الأسوار وتجاوزت الحدود وفتحت الأبواب على مصاريعها، بحيث لم تعد دائرة الأصدقاء والمقربين حكراً على من نعرفهم والتقيناهم وعشنا معهم وزاملناهم.. بل اتسعت بحدود الأفق، حتى صارت تضم أناس لم يرهم الصغار من قبل. يسمونهم «أصدقاء افتراضيين». أي أناس يلتقونهم فقط عبر «الفيسبوك» و«تويتر»، ولو كانوا على بعد قارات منهم، فلا نعرف عنهم شيئاً، بل لا يعرف الصغار عنهم سوى ما يقولونه هم عن أنفسهم. ويوماً وراء الآخر تتسع الدائرة وتتداخل مع دوائر أخرى، وتفيض الأفكار والمعلومات والأخبار عن قدرة الصغير (أيا كان سنه) على الاستيعاب والفهم، فيما الأب أو الأم في مكان «ناء» على مقربة من الصغير الذي يلهو بالايباد أو الهاتف الذكي. وشيئاً فشيئاً، يتشكل حول الصغير عالم جديد موازٍ «افتراضي»، له قيمه وأخلاقه التي يفرضها هؤلاء الذين ينشطون في الدوائر المحيطة به. فيجد الأطفال أنفسهم لاشعورياً يعانون على الدوام، حالة من عدم التوازن والتيه، في صراعهم المكتوم بين العالم الحقيقي (حيث الأسرة والأقارب والأصدقاء الحقيقيين) ومنظومة القيم التي يمثلونها، وبين النسق القيمي الذي يرسخه «الغرباء الافتراضيون» في عقولهم ونفوسهم، في غيبة من الجميع. ويتفاقم الصراع وتسوء حالة عدم الاتزان إذا استمر تجاهل الآباء لما يعانيه أطفالهم في صمت، الأمر الذي يحتم ضرورة التنبه والمتابعة المستمرة، لنشاط الصغار على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت عموماً، حتى لا نفاجأ يوماً بأننا نعيش مع غرباء تحت سقف واحد. أحمد مصطفى - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©