السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

عزمي بشارة·· طليقاً في المنفى مقيداً بالوطن

28 ابريل 2007 01:17
أحمد خضر : لا شك أن حرمان شخص من العودة إلى وطنه عبر تلفيق تهم تهدده بالسجن مثلما حصل مع الدكتور عزمي بشارة يعتبر جريمة كبيرة، واستخفافاً بجميع القوانين والشرائع التي سنتها الأمم المتحدة وميثاق جنيف لحقوق الإنسان، لكن إسرائيل أصلاً قامت على اقتلاع الإنسان الفلسطيني، وطالما ضربت بالقوانين الدولية عرض الحائط، لذلك فإن الديمقراطية الإسرائيلية التي لا تحتمل من عضو كنيست أن يعلن عن رأيه، أو يزور بلداً عربياً تحت شعار أنه بلد معاد لإسرائيل مجرد أكذوبة، وديكور تجميلي، أما حقيقة الأمر فإن إسرائيل دولة عنصرية حتى مع مواطنيها، ومنقسمة انقساماً عمودياً بين ''الإشكنازيم والسفارديم''، وما تبقى من الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، فإن اليهود ينظرون إليهم كقنبلة ديموغرافية موقوتة تهدد أمن دولة إسرائيل، وقد خاض عرب 1948 نضالاً ضارياً، وسقط منهم العديد من الشهداء حتى حصلوا على بعض الحقوق الاجتماعية والسياسية منتصف الستينات، أما ما قبل ذلك فكانوا أشبه ما يكونون برهائن أو سجناء لدى الدولة العبرية· الدكتور عزمي بشارة لم يكن مجرد عضو عربي في الكنيست الإسرائيلي، ولكنه عربي ذو اتجاه قومي، وهو يرى أن تجربة عبد الناصر الوحدوية على سبيل المثال كانت تجربة طموحة لكنها تعثرت وسقطت بفعل العديد من الأسباب، وهذا البعد الوحدوي القومي الليبرالي في شخصية عزمي بشارة جعله يتجاوز القضايا السياسية الخلافية، أو الحدود المصطنعة بين الدول العربية، أو ما يسميه عرب 1948 بحدود ''سايكس- بيكو'' التي قسمت فيها بريطانيا وفرنسا العالم العربي· ولأن د· عزمي بشارة مفكر كبير فإن (مستقبل الثقافة العربية) ظل يشكل بالنسبة له هاجساً، وفي محاضرة له بمقر (ندوة الثقافة والعلوم) قبل سنتين اعتبر أن اللغة هي الجامع الذي يلتف حوله أبناء الأمة في مشرق الوطن العربي ومغربه، وتساءل هل هناك خطر يحدق بمفهوم الثقافة العربية؟ وهل بالإمكان الحديث عن ثقافة عربية طالما هناك تشكيك شامل بوجودنا كعرب؟ وهل كلمة العروبة في المغرب وبلاد الشام والخليج وغيرها من البلدان العربية ما زالت تعني الانتماء؟ الانتماء العروبي إن الدكتور عزمي بشارة أكد على انتمائه العروبي، وهو يدافع عن حقوق العرب داخل الخط الأخضر، وأثبت أنه مناضل صلب وهو يطرح بجرأة رأيه السياسي في حل المشكلة الفلسطينية، وتمسك ببعده العربي وهو يحتفظ بأفضل العلاقات مع العديد من المسؤولين والمثقفين العرب حتى أولئك الذين يختلف معهم في الرؤية السياسية، لذا فإنه يدعو دائماً إلى التنسيق العربي على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وطالما هو دائم الاستغراب في أن يطلب من العرب بشكل رسمي الاعتراف بيهودية إسرائيل في الوقت الذي يتم فيه إنكار عروبة العراق، وتقسيمه إلى سنة وشيعة وأكراد، وهنا مربط الفرس في ظاهرة عزمي بشارة داخل فلسطين المحتلة عام ·48 إن عزمي بشارة بكل بساطة ينادي بدولة يتساوى فيها جميع السكان، حيث لا ينظر إلى أبناء البلاد الأصليين وهم الفلسطينيون الذين يشكلون 20 بالمائة من عدد السكان على أنهم أقلية هامشية في وطنهم ووطن آبائهم وأجدادهم من قبل أناس غرباء جاؤوا بهم محملين بالسفن من أوروبا وغيرها، ومثل هذا الطرح الذي يركز على إلغاء النظام الفاشي في إسرائيل، والوقوف ضد ما يسمى بيهودية إسرائيل جهاراً نهاراً أثار ثائرة كل يهودي في فلسطين حتى من يسمون أنفسهم باليسار الإسرائيلي أو قوى السلام في الدولة العبرية التي تضامنت بشكل خفي مع بعض أعضاء الكنيست من اليمين المتطرف أمثال ليبرمان وغيره من الذين تصيدوا في الماء العكر للدكتور عزمي بشارة حتى يوصلوه لهذه النتيجة المؤسفة وهي الابتعاد عن الوطن· الاقتلاع من الناصرة لقد دفعت المخابرات الإسرائيلية عبر التهم الخطيرة التي نسجتها للدكتور عزمي بشارة بنجم سياسي، ومفكر، وزعيم حزب، وعضو كنيست إلى أن يتخذ القرار المرير بعدم العودة إلى الناصرة، هذه المدينة العربية الشامخة في الجليل، بلد الشاعر الوطني المرموق توفيق زياد، بلد التعايش المسيحي- الإسلامي، ومعقل الحركة الوطنية والسياسية لعرب الداخل، حيث يقومون بالاضرابات، ولهم أحزابهم السياسية، ومسارحهم التجريبية السياسية، وفلكلورهم، ومواويلهم، وغناؤهم الذي يشدو حباً، وتمسكاً بالوطن، وكثيراً ما يخرجون إلى العاصمة الأردنية عمان لحضور حفلة لمارسيل خليفة في مهرجان جرش، هم باختصار جزء من الشعب الفلسطيني، ولم يندمجوا في الهوية القومية لإسرائيل، ولم يقبلوا على أنفسهم العمل في حرس الحدود، ورفضوا التجنيد الإجباري باستثناء بعض الدروز، بقدر ما حملوا جواز السفر الإسرائيلي، أو الهوية الإسرائيلية التي قامت على أنقاض شعبهم بالقوة والعنف والإرهاب، وحين تذكر أمامهم الكيان الصهيوني يصححون لك ذلك بأن تقول إسرائيل لأن العرب فيها ليسوا صهاينة، أو يهوداً· إن فلسطينيي 1948 على المستوى الاقتصادي والمعيشي، ربما يكونون أفضل حالاً من الفلسطينيين الآخرين، لكنهم بالنسبة للجوانب السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية والمعيشية والتعليمية والوظيفية مقارنة مع اليهود ما زالوا أقل بكثير، ولم يصلوا إلى الدرجة الرابعة، ذلك أن اليهود في إسرائيل يرون أن الفكرة الصهيونية في أساسها قامت على أساس ديني طائفي، أما علمانية الدولة، أو أن الدولة لكل أبنائها فهذا شيء ينسف الأيديولوجية الصهيونية ذاتها، وهذا هو جوهر ما نادى به عزمي بشارة، وجعله أخيراً يدرك ببعده عن وطنه كم هم قساة ومجرمون ومتعصبون أولئك الذين قاموا (بتعذيب السيد المسيح) خاصة وأنه ابن الناصرة التي احتضنت عيسى عليه السلام· بشارة ومحمود درويش د·عزمي بشارة وقد أصبح خارج فلسطين الآن سلك مسلك الشاعر محمود درويش حين رفض في مؤتمر طلابي في العاصمة البلغارية صوفيا عام 1968 العودة إلى إسرائيل، وعاش حياة اللجوء والتشرد حتى العام 1994 إلى أن عاد بعد اتفاقية أوسلو مع مجموعة عرفات، الاثنان راهنا على هذه الأمة العربية الكبيرة من المحيط إلى الخليج، وما زال الرهان قائماً، ليس من الناحية العاطفية، أو الارتباطات اللغوية والدينية والثقافية والتاريخية فحسب، ولكن من حيث التطور النهضوي الحديث للعرب في كافة المجالات، العرب الذين لا يعيشون وفق معادلة (المؤامرة) مع التاريخ، ويرون في العلمنة تحديا لا تناقض بينها وبين الهوية· د·عزمي بشارة يستغرب أن إسرائيل تزداد ارتباطا بعجلة العلمنة في الوقت الذي تزداد فيه يهودية، أما نحن فهناك إشكال في علاقتنا مع الحداثة حيث الأغلبية من الناس في المجتمع العربي غير ديمقراطيين بحكم التعصب الجاهلي وغيره، لذا لابد أن يكون موضوع الديمقراطية مركبا من ثقافة نخبوية وثقافة شعبية للتحول إلى ثقافة سياسية ديمقراطية وليس من خلال المزاج الشعبي الذي ينحرف عن المسار الصحيح، وهذا ما حدث تماماً في أكثر من بلد عربي، حيث تم الضرب على الأوتار العاطفية الحساسة للناس، وهو ما كلف الشعوب دماً، وحروباً أهلية، ذلك أن بعض المثقفين أو من يدعون الثقافة يستسهلون الأمور ويبحثون عن النجومية ويتصورون أن النضال من أجل الديمقراطية مجرد شعارات·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©