الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفضائح .. وشرف الإعلام

19 نوفمبر 2012
لم تنل مؤسسة إعلامية هذا القدر من الاهتمام والإثارة على مدار عام مثلما لقيت شبكة «بي بي سي». وبتقديري لم تفعل أي مؤسسة إعلامية مثلما فعلت الشبكة نفسها مؤخرا عندما أولت الانتقادات والفضائح المتعلقة بها أولوية لافتة في نشراتها وتقاريرها، بما في ذلك توقع أسوأ الانعكاسات على مصيرها.. وسواء تعلق الأمر بالتهور في نشر اتهامات لمسؤول سياسي على خلفية انتهاك جنسي، أو بالتقصير في اهتمام وتحقيق الشبكة نفسها باعتداءات جنسية أخرى من قبل أحد نجومها السابقين (الراحلين)، فإني لا زلت أشعر بالثقة في هذه المؤسسة، لأسباب اعتبرها جوهرية في ممارسة الإعلام لدوره الأساسي في المجتمع. لا يمكن لأحد أن ينفي الخلفيات «الإمبريالية» للشبكة العظمى منذ نشأتها في أوائل القرن الماضي ووصولا إلى حماسها غير العادي في متابعة انتفاضات الشارع العربي (بما في ذلك الثورات على أنظمة تعتبر صديقة لبريطانيا العظمى). ومع ذلك فإن إمكانية المساءلة والمحاسبة العامة، والملكية العامة، والاستقلالية الإدارية، نجحت في صناعة هذه الشبكة المترامية الأطراف (التلفزيونية والإذاعية والرقمية)، والمتعددة اللغات والتي تتباهى بمئات ملايين المستمعين والمشاهدين حول العالم.. لقد عجزت قوى وامبراطوريات عديدة عن بناء شبكات مماثلة لهذا الأخطبوط الإعلامي. وراء ذلك أكثر من سبب. حتى المشروع الأميركي الإعلامي (صوت أميركا، راديو سوا، وتلفزيون الحرة، وغيرها) عجز عن تحقيق مثل هذه المهنية. ربما لأن الأخير يحرص على الظهور كذراع مباشر صريح لمشروع هيمنة سياسي وعسكري يستفز الشارع العربي كل لحظة، في حين أن الحلم الاستعماري البريطاني بصيغته المباشرة قد عفا عليه الزمن. تلك الأسباب والعوامل هي التي تقف مثلا وراء رفع أسهم بي بي سي عندما شككت قبل بضعة سنوات بمعطيات وتقارير ودوافع حكومة توني بلير للمشاركة في الحرب على العراق. وهي، أي العوامل ذاتها، التي تفسر عدم غض الشبكة النظر عن بعض عمولات لصفقات بيع أسلحة بريطانية ثقيلة لبعض دول المنطقة. بل هي نفسها التي جعلت «بي بي سي» تقوم قبل شهرين بعملية نقد ذاتي شرس لأنها لم تقم بواجبها المهني تجاه تقارير عن استغلال أحد نجومها السابقين نفوذه في انتهاكات جنسية، وربما نتيجة لهذا النقد والضغط جاءت الوقعة الأخيرة التي سببت في تسرع أحد برامج الشبكة الإخبارية باتهام مسؤول سياسي محافظ في قضية أخلاقية. وهي نفسها العوامل التي ضغطت على المدير العام الأخير ليقدم استقالته متحملا المسؤولية ومعه عدد من المديرين الآخرين الذين حافظوا بذلك على كرامتهم قبل أن يصبحوا عرضة لاتهامات التقصير من قبل مجلس العموم وممول الشبكة، أي دافع الضرائب البريطاني. قد لا يتحمل هؤلاء المستقيلون أي مسؤولية مهنية مباشرة إن لم يطلعوا على فحوى الاتهامات المغلوطة، ولكنهم آثروا الاستقالة حفاظا على شرف الشبكة وشرف المهنة. ولهذا أرجح أن تهويل البعض بمستقبل أسود ينتظر بي بي سي ليس إلا موقفا سطحيا ومتسرعا، أو ذا مصلحة سياسية أو غيرة من آخرين.. السؤال كله يتعلق بالتالي: مَن مِن وسائل الإعلام الأخرى يجرؤ على ممارسة هذا المستوى من المساءلة وتحمل المسؤولية عند ارتكاب مغالطات مفضوحة وربما مُخطط لها (وليس عرضية)، في الأخلاق السياسة وغيره؟ بالتأكيد إن وسائل الإعلام التي يمولها دافعو الضرائب وتتمتع بإدارة غير خاضعة للسلطات السياسية، وتخضع للمحاسبة العامة، هي أفضل تلك الوسائل وأكثرها حفاظا على شرف المهنة كله. وليس بالقضايا الجنسية فقط. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©