الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضلالات الدلالات!

21 فبراير 2017 22:42
غلبت دلالات الألفاظ معانيها في لغتنا العربية فتشابه البقر علينا، واستشكل الأمر وساد الغموض والإبهام، وبالتالي غابت الحقائق ووقع اللبس وكثرت الجماعات والفرق الهالكة والتنظيمات الإرهابية والأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان – فإذا قلت كلمة (الحب) – ترك الناس المعنى وانصرفوا إلى الدلالة التي اكتسبتها الكلمة ليصبح الحب محصوراً في علاقة الرجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية – وإذا قلت كلمة (الفساد) – انصرفت الأذهان إلى الدلالة وتركت المعنى – والدلالة هنا الفساد المالي كالرشوة والتربح وإهدار المال العام.. ودائماً تكون الدلالة أضيق من المعنى – إذ ينصرف الذهن فوراً إلى جزء من الظاهرة ويترك الكل – فإذا قلت كلمة (الصلاة) فإن معناها الدعاء ودلالتها الصلوات الخمس وصلاة السُنة وغيرها.. وليس صحيحاً أبداً أن اللغة العربية هي لغة المترادفات بمعنى أن الكلمة هي مرادفها بالضبط. فهذا هو التفسير العاجز للأمور، وقد وقع كثيراً في كتب ما يسمى تفسير القرآن الكريم.. إذ يفسر المفسر الكلمة بما يتصور أنه مرادف لها – فيقول مثلاً إنّ جاءَ بمعنى أتى – أو إنّ أتى بمعنى جاء.. وهو كلام غير دقيق لأن القرآن الكريم استخدم الفعل (جاء) في مواضع والفعل (أتى) في مواضع فلا يمكن أن يكونا مترادفين – ولا بد أن (جاء) فعل له معنى ومقصد ودلالة تخالف معنى ومقصد ودلالة (أتى)– وأزعم أن (أتى) فعل فيه السرعة والفجأة وإن (جاء) فعل فيه تدرج وهدوء وروية وحركة ظاهرة من بعيد (وجاؤوا أباهم عشاء يبكون) ولا يمكن أن يقال هنا (أتوا) – وهناك مثلاً (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) – هنا لابد من دلالة (البغتة) ولا يمكن هنا أن يقال: (جاء أمر الله فلا تستعجلوه). وقد أدى فرض الدلالات التي في أذهاننا على النصوص المقدسة إلى تفصيل هذه النصوص على مقاسات الفرق الهالكة وعلى مقاسات العامة والدهماء الذين اتخذوا رؤوساً جهالاً يفتون بغير علم فيضلون ويضلون – كما أدى إلى تسيد الرويبضة لكل المشاهد والرويبضة هو الرجل التافه يتحدث في أمور العامة.. كما أدى فرض الدلالات على النصوص المقدسة إلى التدخل في اليوم الآخر – والوصف غير الدقيق وغير المؤدب لأنهار الجنة والحور العين ثم التدخل والعياذ بالله في مشيئة وإرادة الرحمن بجعل هذا في الجنة وهذا في النار – وهذا مجاهد مؤمن، وهذا كافر زنديق – رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الجنة مثلاً: فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر – وهذا يكفي تماماً – والضلال الذي ساد الأمة سببه فرض أهواء الدلالات على الدين ونصوصه وتحميلها ما لا تحتمل أو أقل أو أكثر مما تحتمل، فتفرقت السبل وصار كل حزب بما لديهم فرحين. ونهى القرآن الكريم في غير موضع عن اتباع الهوى، يعني نهيه عن اتباع الدلالات لأن الدلالات أهواء – ولأن المعاني ثابتة لكن الدلالات متغيرة بتغير الأهواء والبيئات والثقافات حتى في العاميات العربية تختلف دلالات الألفاظ باختلاف البيئة والثقافة والأهواء أيضاً – فلفظ (مرة) بفتح الميم أي المرأة – له معنى سيئ في مصر مثلاً أو بالتحديد في الوجه البحري والقاهرة والإسكندرية، لكنه في الصعيد أي في جنوب مصر له دلالة مثل المعنى (المرة هي المرأة) واتفاق دلالة (المرة مع المرأة) نجده أيضاً في دول الخليج مثل صعيد مصر.. وأذكر أن رجلاً من القاهرة سب رجلاً من الصعيد قائلاً: (يا ابن المرة) – فقال له الصعيدي: (وإيه يعني – ما أنت ابن مرة برضه ولا أمك راجل؟). ومن عجائب سيطرة الدلالات على المعاني حتى انقلب المعنى إلى الضد تماماً (كلمة التغيير) – فالمعنى الأصيل للكلمة هو (الفساد)... فأنهار الجنة لم يتغير طعمها أي لم يفسد.. والغيرة فساد في الطبع أو خلل في الطبع – وتغير وجهة أي اختلت ملامحه – وتغير السلطان على فلان أي فسدت العلاقة بينهما... وتغيير المنهج أو تغيير المسؤول يعني إفسادهما – والناشطون أو الثوار أو شياطين الخريف العربي يطالبون بالتغيير أي يطالبون بالإفساد والفساد وهذا حق لكنهم لم يقصدوه. وانتقل هذا الخلط الأبله إلى من نسميهم علماء الدين الذين وقعوا في فخ الدلالة على حساب المعنى حتى نقلوا خلطهم إلى القرآن الكريم.. ودائماً ينصحون بإصلاح النفس والحياة وترك المعاصي والذنوب مستخدمين آية قرآنية معروفة: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) – والمعنى هنا مخالف تماماً للدلالة التي فرضوها على الآية الكريمة – فهذه الآية والله أعلم تعني أن الله عز وجل لا يفسد أو لا يزيل ما بقوم حتى يفسدوا أو يزيلوا ما بأنفسهم – والآية الأخرى توضح هذا المعنى تماماً (وما كان الله مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) – والمعنى هنا واضح تماماً ويؤكد أن التغيير يعني الإفساد. وقد قلب العلماء أو من نسميهم العلماء المعنى وجعلوا السيادة للدلالة. وفسروا ذلك بأن المرء يجب أن يغير نفسه حتى يغيره الله أو يعينه على التغيير. إنه معنى مضاد، وسقيم تماماً وجاهل أيضاً فرضته الدلالة.. وهذه الآية والآية الأخرى تحملان نفس معنى (إن الله لا يصلح عمل المفسدين). كما أن هؤلاء الذين نسميهم العلماء ومعهم كل العرب تقريباً فرضوا دلالة أخرى على النص القرآني لا علاقة لها بالمعنى وهي دلالة ومعنى (بني إسرائيل).. فالدلالة عندنا جميعاً تقريباً أن بني إسرائيل هم اليهود بينما المعنى أن بني إسرائيل هم أبناء سيدنا يعقوب عليه السلام – وأن إسرائيل سرقت بنوة يعقوب وجعلته اسم دولتها وسقطنا نحن في المصيدة وصدقنا أن بني إسرائيل هم اليهود – وكما استخدم القرآن الكريم الفعل (جاء) في مواضع والفعل (أتى) في مواضع مختلفة – استخدم أيضاً كلمة (بني إسرائيل) في مواضع وكلمة (اليهود) في مواضع أخرى مغايرة مما يؤكد أن المعنيين مختلفان تماماً، فليس كل بني إسرائيل يهودا وليس كل اليهود بني إسرائيل.. وبنو إسرائيل مصطلح عرقي. لكن اليهود مصطلح ديني. وقد دحض الله عز وجل الادعاء والمجادلة في إبراهيم عليه السلام بأنه كان يهودياً أو نصرانياً بأن التوراة نزلت من بعده – أي اليهودية جاءت بعد إبراهيم وإسرائيل. ومعنى ذلك أنه قد يكون كثير من العرب بني إسرائيل وهذا احتمال أكبر لكن اليهود الذين في إسرائيل ليسوا بني إسرائيل إلا اليهود العرب.. أرأيتم ضلالات الدلالات! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©