الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هايدن.. مهندس السيمفونية

هايدن.. مهندس السيمفونية
30 نوفمبر 2011 23:23
فرانتز جوزيف هايدن، مؤلف نمساوي يعتبر أحد أعمدة الموسيقى الكلاسيكية ويعتبره العديد “أبا السيمفونية” لأنه نقلها من مقطوعات موسيقية قصيرة مؤلفة لأوركسترا صغيرة إلى شكلها المعروف في أربع حركات لأربع فئات من آلات الأوركسترا السيمفونية كما نعرفها اليوم وهي الوترية والنحاسية والخشبية وآلات الإيقاع والنقر. ولد جوزيف هايدن في 31 مارس 1732 في قرية روهرو قرب الحدود النمساوية مع مملكة المجر. كان والده، ماتياس هايدن، يشتغل بصنع عجلات المركبات إضافة إلى عمله عمدة للقرية. وكانت والدته، ماريا كولر، طاهية في قصر نبيل قرب قريتها. وانتبه الوالدان الى موهبته الموسيقية التي أبداها في عمر مبكر وكانا يعلمان ان بقاءه في القرية سيدفن هذه الهبة. صلاح حسن لذا وافقا على عرض قريب للوالد يدعى يوهان ماتياس فرانك اقترح فيه أن يعيش ابنهما معه في مدينة هينبورغ القريبة لتنشئته موسيقيا. وهكذا عاش جوزيف بعيدا عن أسرته منذ ذلك الوقت وكان في السادسة من عمره. ضحية البخل في كنف فرانك، الذي كان كان يتصف بالبخل عندما يتعلق الأمر بالمعائش اليومية، عانى هايدن من الجوع وشعوره بالمهانة بسبب ثيابه الرثة. لكنه، على أية حال، تعلم عزف الهاربسيكورد (الآلة التي تطورت الى البيانو) والكمان ووجد له مكانا في كورال كنيسة هينبورغ. وظل على هذا الحال عامين عندما استرعت موهبته الغنائية نظر جورج فون رويتر، المدير الموسيقي في كاتدرائية سنت ستيفن بفيينا، وكان يجوب الأقاليم بحثا عن المواهب الغنائية لكورال الكاتدرائية. وهكذا انتقل هايدن الى عاصمة الموسيقى. لكن رويتر، مثل فرانك من قبله، أهمل تغذية الصبي والعناية به. وهو ما حدا بهذا الأخير للتطلع الى الغناء في حفلات الارستقراطيين سعيا وراء الطعام المجاني. ولدى تغير طبقات صوته في سن البلوغ ألقى به رويتر على قارعة الطريق. لكن بعض أصدقائه وفروا له قروضا مالية وساعدوه في العثور على تلاميذ موسيقيين له. واضظر في هذه الفترة من حياته للدراسة المتعمقة في التراكيب الموسيقية المختلفة فكان ينكب عليها وعلى التدريس في الوقت نفسه لفترة 16 ساعة في اليوم. وكانت ثمرة هذا المجهود أول مؤلفاته البارزة الأوبرا الفكاهية “الشيطان الماكر الجديد” وقطعته القداسية في سلم (فا) الكبير. وبفضل موهبته تعرف الى بعض علية القوم الذين قدموا له رعايتهم مثل سنيور مارتتنير الذي تولى هايدن تعليم ابنته، والموسيقي المغني الإيطالي الشهير وقتها، نيكولا باربورا، الذي تعلم هايدن على يديه اللغة الإيطالية والمزيد من فنون الغناء الكورالي. كان العام 1755 منعطفا مهما في حياة هايدن بعدما قبل دعوة للإقامة في المنزل الريفي لثري يدعى فرايفر فون فورنبرغ الذي كان متعهدا لحفلات موسيقى الصالونات. وفي المنزل هذا كتب عددا من أهم أعماله بما فيها سيمفونيته الأولى ومؤلفه الأول للرباعي الوتري. ولدى عودته الى فيينا العام التالي كان قد أصبح اسما معروفا. وفي 1759 ابتسم له الحظ مجددا عندما عُيّن قائدا موسيقيا لأوركسترا نبيل يدعى مورزين. وفي هذا المنصب كتب عددا من مؤلفاته الاوركسترالية. والعام التالي تزوج آنا ماريا كيلر لكن الزواج كان تعيسا وبلا أطفال. فطلقها واستعاض عنها لاحقا بالمغنية الايطالية لويجيا بولزيلي التي صارت عشيقته. لكنه استمر في دعم مطلقته ماليا حتى مماتها في 1780. في الفترة 1760 ـ 1790 أقام هايدن في قصر الأمير بول ايسترهايز بمدينة آيزنشتات قرب الحدود مع المجر وقلما كان يعود الى فيينا. ولما توفي الأمير العام 1772، خلفه شقيقه نيكولاس الذي رفع راتبه واستجاب لكل رغباته وعينه لاحقا كبير موسيقيي البلاط. راح هايدن ينتج في هذا “النعيم” المؤلف بعد الآخر في سائر الأنماط الموسيقية المعروفة وغيرها. ولهذه الفترة تنتمي 12 أوبرا وأكثر من 30 سوناتا للكيبورد (البيانو الصغير) وأكثر من 40 عملا للرباعي الوتري وفوق المائة من الأعمال أخرى التي تشمل العديد من السيمفونيات إضافة الى 175 قطعة لآلة الأمير نيكولاس المفضلة وهي “الباريتون”. تراكيب وإمكانيات في غضون ذلك كانت شهرة هايدن تجوب آفاق أوروبا بأسرها ونشرت أعماله أو قدمت في كل عاصمة في القارة من مدريد الى سنت بيترسبرغ. وتلقى دعوات لتأليف أعمال من ربوع مختلفة مثل كاتدرائية كاديز الاسبانية والقصر الملكي البروسي ودار “كونسير سبريتويل” الباريسية. ايضا كان أحد أهم أحداث حياته في ذلك الوقت هو العلاقة التي نشأت بينه وبين فولفغانغ اماديياس موزارت بعد لقائهما في فيينا في شتاء 1781 ـ 1782. والواقع ان الرجلين لم يلتقيا بعدها كثيرا إذ كانت زيارات هايدن لفيينا قليلة ولم يعرف عن موزارت زيارته آيزنشتات. لكن الأثر الذي أحدثه كل منهما في الآخر يعتبر بحق أحد أبرز ملامح التاريخ الموسيقي الأوروبي في القرن الثامن عشر. وفي هذا الصدد قال موزارت إن هايدن علمه فن الرباعي الوتري. والثابت ان هايدن تعلم بدوره من موزارت إثراء تراكيبه الموسيقية وتوظيف إمكانات الأوركسترا الى الحد الأقصى وهو ما ميّز سائر سيمفونياته الأخيرة. ولدى وفاة هايدن سارت جنازته على موسيقى “القداس”، أحد أشهر أعمال صديقه موزارت. بعد موت الأمير نيكولاس العام 1790، حُلت الأوركسترا الأميرية وأعفي هايدن من مهامه. فقبل دعوة من انجلترا لتأليف ست سيمفونيات (في سلسلة تعرف باسم “سالومون”) وقيادة اوركستراها في “صالونات ساحة هانوفر” اللندنية. فوصل الى العاصمة الانجليزية العام التالي واستقبل بحفاوة عظمى حتى ان جامعة أوكسفورد قدمت له دكتوراه التأليف الموسيقي. وفي طريق عودته الى بلاده غشي بون حيث حظي بترحيب موسيقي يافع هو لودفيغ فان بيتهوفن (كان في الثانية والعشرين من العمر) وقدم له كانتاتا (أغنية) هدية له. فدعاه هايدن لزيارته في فيينا. وفعلا أمضى بيتهوفن فترة عام مع معلمه الجديد تركت أثرها واضحا على مؤلفاته في ما بعد. وبنهاية تلك الفترة عاد هايدن الى لندن حيث قاد الأوركسترا مجددا في سيمفونياته الست الأخيرة في سلسلة سالومون. عام 1795 استقر هايدن في مارياهيف، إحدى ضواحي فيينا، حيث ألف قداساته الموسيقية الثمانية الأخيرة، والنشيد الوطني النمساوي (1779)، وأوريتاريو (موشّح) “الخلق” ( 1799) واوريتاريو “المواسم” (1801) اللذين يعتبران من أعظم أعماله على الإطلاق. بعد ذلك راحت صحته تتدهور فتقاعد عن التأليف والعرض لكنه ظل ينعم بمودة أصدقائه ورعايتهم واحترام الموسيقيين لعبقريته وحجم إنتاجه الضخم. توفي هايدن في 31 مايو 1809 عن 77 عاما. لكنه ترك للعالم كنزا يشمل 104 سيمفونيات و24 أوبرا و76 مؤلفا للرباعي الوتري و54 سوناتا و31 كونشيرتو و16 قداسا موسيقيا وأكثر من 40 أغنية كورالية إضافة الى أعمال أخرى يتجاوز عددها المائة والخمسين. صاحب الرأس المسروق ? كان هايدن عاشقا للنبيذ حد أنه كان يصر على أن يشكّل جزءا من راتبه السنوي. ? وفقا لكاتب سيرته، فيرديناند كول، في 1878 فقد كانت زوجته “بدون القدر الأدنى من الاحترام لأعماله الموسيقية بحيث أنها كانت تلف أوراق نوطاته لاستخدامها بكرات لشعرها. وكانت هي الشخص الوحيد الذي أبدى هايدن تجاهه كرها نابعا من القلب”. ? بلغ من إجلاله في انجلترا أنه خلال إقامته في لندن قدم له الملك جورج الثالث والملكة تشارلوت جناحا لإقامته الدائمة بقصر ويندسور. لكنه رفض العرض وعاد إلى بلاده في 1795. ? مؤلفه للقيصر فرانسيس صار النشيد الوطني للنمسا حتى 1918، وهو اليوم النشيد الوطني الألماني. ? أصدر نابليون أمره بعد استيلائه على فيينا في 1809 بوضع حرس شرف خاص أمام منزل هايدن الذي كان يرقد وقتها على فراش الموت. ? بعد دفنه سُرق رأسه على يد نبيلين كانا يريدان إثبات الرابط بين العبقرية وحجم الجمجمة البشرية. وتبعت هذا معارك قانونية طويلة انتهت بالرأس محفوظا في برطمان زجاجي بمتحف “موزيكفيرن”، فيينا، فترة 150 سنة قبل أن يدفن مع بقية رفاته في آيزنشتات العام 1945.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©