الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

المواطنة والسلوك الاقتصادي للأفراد

المواطنة والسلوك الاقتصادي للأفراد
11 ديسمبر 2014 21:45
منذ أيام قليلة، احتفلنا باليوم الوطني الثالث والأربعين لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولهذه المناسبة أهمية خاصة تتمثل في ذكرى إرساء دعائم الدولة الحديثة، وترجمة هذه المفاهيم الى سلوك ونهج عام في كافة المجالات. ولو أردنا تعريف مشروعنا الحضاري على ضوء تجربتنا الإماراتية لقلنا: إنه عملية تطور تاريخية وتدريجية في بنية الثقافة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفي بنية المؤسسة مهما كان توصيفها أو تخصصها، وفي طبيعة العلاقة بين الفرد والمؤسسة وبين المجموعة والدولة. فصناعة هذه الثقافة وصياغة هذه العلاقة تتوقفان أولاً على التطور الثقافي والسلوكي للإنسان نفسه، ومقدار انسجامه مع مسيرة الدولة وخططها التنموية. لهذا أولت القيادة مسألة المواطنة اهتماماً خاصاً، واعتبرت أن تطور هذا المفهوم وما يعبر عنه من سلوك فردي وجماعي هو مقياس قدرتنا على الوصول الى مراتب أعلى في سلم الحداثة والتنمية. وبتفصيل أكثر لمعنى المواطنة، نقول إنها لا تقتصر على الحقوق الممنوحة للمواطن من قبل الدولة، بل وعلى واجبات هذا المواطن تجاه دولته وسياساتها المختلفة وفي مقدمتها التنموية والاقتصادية. إذاً هي ليست تلك المشاعر المفعمة بالحب والانتماء والاستعداد للتضحية في سبيل الوطن فقط، بل هي جملة الممارسات والمواقف التي تتخذ يومياً ولحظياً في إطار النشاط الإنساني المتواصل، إذ على هذه القرارات والسلوكيات ألاّ تتعارض مع سياسات الدولة ومسيرتها، بل يجب أن تصب فيها وتثريها وتدعم باتجاه تحقيقها. ولعل أهم هذه السلوكيات والمواقف هي تلك التي تتعلق بالقرار والسلوك الاقتصادي للفرد أو المجموعة، حيث ستتحول هذه السلوكيات بفعل تكرارها إلى نمط عام وثقافة سائدة وتصبح عنصراً هاماً تستند عليه الشركات والمتاجر عند صياغة سياساتها التسويقية. هذا يعني باختصار، أن الفرد هو الذي يصنع معادلة السوق ولديه قدرة التأثير على المعادلات القائمة، المهم أن يمتلك الوعي الاقتصادي الكافي للتأثير بشكل إيجابي على هذه المعادلات بحيث تكون إلى جانبه وليست ضده. لعل من أخطر القرارات والسلوكيات الفردية التي تضر بمخططات النمو الاقتصادي هي ميل الأشخاص نحو الإفراط والمبالغة في الاستهلاك. وبالمناسبة، نحن لا ننادي بعدم الاستهلاك، بل بالموازنة بين الاستهلاك والادخار، وضبط النفس أمام مغريات السوق وتأثير شركات الإعلان، وعدم اللجوء الى التبذير لتحقيق التميز عن الآخرين. المشكلة الأساسية التي نعاني منها عند نشر ثقافة الادخار، هي في اعتبار الكثيرين بأن هذه المسألة تستطيع الانتظار، وبأن قراراتهم اللحظية لا تؤثر على الاقتصاد، لذلك يظهر مؤشر الادخار لسنة 2014 أن نسبة عالية من الناس ترى أن وقت الادخار ليس مناسباً الآن، وأنها قد تبدأ الادخار في السنوات القادمة. ولتوضيح ذلك أكثر نأخذ مثالاً عن إقبال الأفراد إلى شراء سلع تعتبر من الكماليات فور إطلاقها في الأسواق حيث تكون بأسعار افتتاحية عالية بدل الانتظار حتى تتوازن هذه الأسعار وذلك بسبب تغليب الرغبة في التمايز والتباهي على الحاجة ، والتجاوب مع الرسائل الإعلانية التي تحدد السلعة لا بقيمتها المتمثلة بالجودة وحاجة الفرد ، بل بقدرة صانعيها على تحويلها الى ثقافة ترغيب وتشويق لدى المستهلك. هذا المثال يشير إلى النتيجة اللحظية على المستهلك بسبب قراره الآني، وهذه النتيجة مركبة وسلبية بالمطلق. أما النتائج بعيدة المدى للسلوك المفرط في الاستهلاك، فهي مشابهة للنتائج اللحظية مع فارق أساسي وهو استمرار نزيف الثروات الشخصية وارتفاع الأسعار والتضخم وضعف القدرة الشرائية للعملة، مما يؤثر على سيادة الناتج المحلي ومشاريع التنمية. إن ذكرى قيام الاتحاد شكلت علامة فارقة في مسيرة الدولة نحو الحداثة والتقدم والنمو المستدام، وما كان لهذه المسيرة أن تتواصل لولا تضافر كافة الجهود من قبل الدولة وقيادتها الحكيمة ومن قبل المواطنين والمؤسسات والشركات في القطاعين العام والخاص. فرفاهية المواطنين وساكني دولة الامارات ليست حقاً ممنوحاً فقط، بل واجباً من قبل المواطنين والمقيمين يتمثل في السلوكيات والقرارات المسؤولة، بحيث تصبح الممارسة الاقتصادية للفرد داعماً ورافداً لمسيرة الانتاج والتنمية. * الرئيس التنفيذي لشركة الصكوك الوطنية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©