الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

الله يتكفل برزق المخلوقات بما يصلحها ويكفيها

12 ديسمبر 2014 00:00
أحمد محمد (القاهرة) قال ابن عمر خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار، فجعل يلقط من التمر ويأكل، فقال: «يا ابن عمر ما لك لا تأكل؟» فقلت: لا أشتهيه يا رسول الله، فقال: «لكني أشتهيه، وهذه صبيحة رابعة لم أذق طعاما، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم ويضعف اليقين» قال ابن عمر فوالله ما برحنا حتى أنزل الله تعالى: «وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم» «سورة العنكبوت الآية 60». يقول العلامة ابن كثير أخبر الله تعالى أن الرزق لا يختص ببقعة، بل رزقه عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع وأطيب، فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار والأمصار ولهذا قال «وكأين من دابة لا تحمل رزقها» أي لا تطيق جمعه وتحصيله ولا تؤخر شيئا لغد، و«الله يرزقها وإياكم» يقيض لها رزقها على ضعفها، وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه، حتى الذر في قرار الأرض، والطير في الهواء والحيتان في الماء، قال تعالى: «وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين» «سورة هود الآية 6». وقال ابن جرير الطبري يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين به وبرسوله، من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم هاجروا وجاهدوا في الله أيها المؤمنون، ولا تخافوا عيلة ولا إقتارا، فكم من دابة ذات حاجة إلى غذاء ومطعم ومشرب «لا تحمل رزقها» أي غذاءها، فترفعه في يومها لغدها لعجزها عن ذلك و«الله يرزقها وإياكم» يوما بيوم «وهو السميع» لأقوالكم نخشى بفراقنا أوطاننا العيلة «العليم» ما في أنفسكم، وما إليه صائر أمركم، وأمر عدوكم، من إذلال الله إياهم، ونصرتكم عليهم، وغير ذلك من أموركم، لا يخفى عليه شيء من أمور خلقه. وقال الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير لما ذكر الله الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ذكر ما يعين على التوكل وهو بيان حال الدواب التي لا تدخر شيئا لغد، ويأتيها كل يوم برزق رغد ولا تحمل رزقها لضعفها، لا شك في أن رزقها ليس إلا بالله فكذلك يرزقكم فتوكلوا. وقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمؤمنين بمكة حين آذاهم المشركون اخرجوا إلى المدينة وهاجروا ولا تجاوروا الظلمة قالوا ليس لنا بها دار ولا عقار ولا من يطعمنا ولا من يسقينا فنزلت: «وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم» أي ليس معها رزقها مدخرا وكذلك أنتم يرزقكم الله في دار الهجرة. وقال الإمام الشوكاني في «فتح القدير» ذكر الله سبحانه ما يعين على الصبر والتوكل، وهو النظر في حال الدواب فقال «وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم» أي لا تطيق حمل رزقها لضعفها ولا تدخره، وإنما يرزقها الله من فضله ويرزقكم فكيف لا يتوكلون على الله مع قوتهم وقدرتهم على أسباب العيش كتوكلها على الله مع ضعفها وعجزها وتأكل لوقتها ولا تدخر شيئا يعني الطير والبهائم تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئا وهو السميع الذي يسمع كل مسموع العليم بكل معلوم. ثم إنه - سبحانه - ذكر حال المشركين من أهل مكة وغيرهم، وعجب السامع من كونهم يقرون بأنه خالقهم ورازقهم ولا يوحدونه ويتركون عبادة غيره فقال «ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله» أي خلقها، لا يقدرون على إنكار ذلك، ولا يتمكنون من جحوده فأنى يؤفكون أي فكيف يصرفون عن الإقرار بتفرده بالألوهية، وأنه وحده لا شريك له، والاستفهام للإنكار والاستبعاد. ولما قال المشركون لبعض المؤمنين لو كنتم على حق لم تكونوا فقراء دفع - سبحانه - ذلك بقوله: «الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له» أي التوسيع في الرزق والتقتير له هو من الله الباسط القابض يبسطه لمن يشاء ويضيقه على من يشاء على حسب ما تقتضيه حكمته، وما يليق بحال عباده من القبض والبسط، ولهذا قال: «إن الله بكل شيء عليم» يعلم ما فيه صلاح عباده وفسادهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©