الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعادة توزيع الثروات!

6 ديسمبر 2015 23:04
لقد وجدت في نفسي دافعاً قوياً يحدوني لمحاولة تفسير الأسلوب الذي يفكر به معظم الاقتصاديين المعاصرين حول إعادة توزيع الثروات. وعندما تتناقش مع اقتصادي خبير حول مصادر الثروة والأعباء الضريبية، أو حول ظاهرة عدم المساواة، فسوف تجد نفسك أمام معضلة فهم مصطلح معقد يدعى «الكفاءة في مقايضة الأصول المالية» equity-efficiency tradeoff. وهو عنوان لنظرية تقول بوجود تفاوت كبير بين الحجم الحقيقي «للكعكة الاقتصادية»، وبين التوزيع العادل والمتساوي لتلك الكعكة. تصور الآن أنك رجل بالغ الثراء، تمتلك ثروة تقدر بأكثر من 50 مليار دولار، فسوف تلاحظ أن القيمة السوقية لثروتك تصعد وتهبط بحسب الأسعار السائدة في البورصات والأسواق المالية العالمية التي لا تتوقف عن التغير. لكن، حتى لو تراجعت أسعار البورصات، فسوف يبقى لديك ما يكفي من المال لاقتناء كل ما تحتاجه، بما في ذلك القصور وطائرات رجال الأعمال واليخوت الفخمة. ويمكنك أيضاً رصد مئات ملايين الدولارات لدعم الحملات السياسية والبحوث الجامعية وتقديم التبرعات للنشاطات الخيرية دون أن تتأثر ثروتك كثيراً. والآن، دعنا نتصور أن قرصاناً إلكترونياً اقتحم حساب المضاربة الذي تمتلكه في سوق البورصات وسرق منه مبلغ 10 آلاف دولار. ففي هذه الحالة، وإذا لم تكن تمتلك نظاماً بالغ الدقة للمحاسبة، فربما لا تلاحظ وقوع حادث السرقة الذي تعرضت له. وذلك لأن الفارق الذي يصنعه اختفاء هذا المبلغ الزهيد في قدرتك على الشراء سيكون تافهاً، ولن يكون أكبر من المعاناة التي قد تتعرض لها مئات المرات يومياً بسبب التقلبات العشوائية لأسعار البورصات. والآن، دعنا نتصور أن القرصان، وعلى غرار ما كان يفعله «روبن هود»، قرر منح مبلغ 10 آلاف دولار الذي سرقه من حسابك إلى إنسان فقير في بلتيمور. فسوف يزيد هذا المبلغ عن مجموع ما يكسبه ذلك المسكين خلال عام كامل. وبهذا يكون قد تضاعف راتبه فجأة وفي لحظة واحدة، وتقلّصت بذلك احتمالات بقائه مشرداً بلا مأوى بشكل كبير. وعلى الأرجح، سوف يحاول استثمار المال للحصول على دروس ليلية في إطار سعيه لتحسين مستقبله بشرط ألا يكون ذا شخصية منحرفة. ويمكن القول بمعنى آخر، أن مبلغ العشرة آلاف دولار لم يشكل إلا فارقاً ضئيلاً بالنسبة لصاحب المليارات، لكنه يشكل فارقاً ضخماً في حياة فقير أميركي، عدا عما يمكن أن يفعله هذا المبلغ في حياة فقير هندي أو نيجيري. ويمكن القول بكلمة أخرى أن مبلغاً معيناً من الدولارات يمكن أن يخلق رفاهية أكثر عندما يكون في يدي رجل من أوساط الطبقات الفقيرة مما لو بقي في يدي رجل غني. فهل يتحتم علينا الآن أن نعيد توزيع الثروات حتى يتمكن كل الناس من الحصول على نصيب متساوٍ منها؟ حتى لو شعرت بأن هذا الهدف مقبول من النواحي الأخلاقية، فلابد من الحذر الشديد في تبني هذا الموقف. ورغم أن الأغنياء يمكن ألا يستشعروا حادثاً منفرداً أو عدة حوادث سرقة من حساباتهم البنكية، ولكنّهم سوف يستشعرون بكل تأكيد ما يسمى «الاقتطاعات الممنهجة» من ثرواتهم عن طريق الحكومة، وهي المعروفة باسم «الاقتطاعات الضريبية». ويمكن القول بشكل عام إن فرض الأعباء الضريبية على الناس، يدفعهم إلى الحدّ من ممارسة النشاطات ذات الضرائب الأعلى. إلا أن هذا الحكم لا يتطابق مع الحقيقة بشكل دائم. فإذا فرضت الضرائب عل الطبقة العاملة، فإن العمال سيعملون لساعات أقل، أو سيعملون لساعات أطول لأنهم أصبحوا أكثر فقراً مما كانوا عليه قبل فرض الأعباء الضريبية الجديدة. وعموماً، يمكن القول إن الأعباء الضريبية تؤدي إلى تخفيض وتيرة النشاط الاقتصادي. وفرض الضرائب على الاستثمار لابد أن يؤدي إلى تراجع القيمة الإجمالية للأموال الموضوعة قيد الاستثمار، وفرض الضرائب على الاستهلاك سوف يؤدي إلى تراجع الاستهلاك. وهناك نوع واحد منفرد من الأعباء الضريبية التي لا تؤدي إلى تراجع المردود الاقتصادي. وأفضل مثال عليها هو الأعباء الضريبية المفروضة على الأراضي. وبما أن المساحة الإجمالية لأرض الدولة ثابتة، يمكنك فرض الضرائب عليها دون خوف من تناقص الطلب. وأمام هذه القضية الجدلية المتعلقة بعدالة توزيع الثروات، فضل الاقتصاديون المحنّكون إحالة الموضوع إلى الفلاسفة والسياسيين. وعمد هؤلاء أساساً إلى التركيز على محاولة فهم العلاقة بين المساواة وفعالية الأداء. وقد تبدو هذه المفاضلة قاسية، لكنها الطريقة الموضوعية لوضع الأسس المعقولة لإعادة توزيع الثروات. *نوح سميث* *أستاذ مساعد في علم التمويل بجامعة «ستوني بروك»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©