الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

شيء كالعزلة

12 ديسمبر 2014 23:34
تقرأ العمل الأدبي أحياناً مرة ثانية، شيء ما يجعلك تقرأه أكثر من مرة، وفي المرة الثانية تصل إلى قناعة أن للكتاب طعماً، له مذاقات عدة، أحدها أنه ثمرة شيء ما، شيء كالظروف التي كتب فيها، شيء كالعزلة، لا يمكن تحديد شكله ولا التكهن بالمدة التي يستغرقها، ولا مكانه ولا زمانه، اللهم طعمه، تأثيره في نفسك، يتسلل طعمه إلى نفسك، بعدما يفرغ كاتب، مثل «كازو إيشيغورو» من كتابة رواية «بقايا النهار» في سنة 1989، وفي القرن الحادي والعشرين، تكتشف أنها ثمرة شيء، حسب اعترافات مؤلفها مؤخراً، ثمرة الظروف التي أخضعته لها زوجته. الظروف التي فرضتها زوجة «تولستوي» في شبابه، أقصد زوجة كازو إيشيغورو أسماها «برنامج عمل مكثف» بقي بموجبه رهن الإقامة الجبرية في منزله أربعة أسابيع، على أن يكتب من التاسعة صباحاً إلى العاشرة والنصف مساء من الاثنين إلى السبت، مع ساعة لتناول الغداء وساعتين للعشاء. وتطبيقات إضافية، مثل مقاطعة كل ما له علاقة بالحياة اليومية ويكون من شأنها هي القيام به، كالطبخ وبعض الأعمال المنزلية المشتركة. إضافة إلى التوقف عن مراسلاته وجولاته الخارجية ودعوات حضور المناسبات، والعروض التي أخذت تنهال عليه بعد النجاح الذي حققته روايته الثانية «فنان من العالم الطافي». البرنامج ذاته خلق لديه حقيقة، حالة ذهنية روعت زوجته في البداية، لكنه أنكر أنها قد أوصلته إلى حافة الجنون، عندما فتح باب بيته بعد الأسبوع الأول، وخرج إلى الشارع ليخبرها بأنه اكتشف أن الشارع الذي يعيش فيه يقع على ربوة مرتفعة قليلا، وأن الناس الذين يقطعونه، إما أن يتعثروا وهم ينحدرون نحو الأسفل، أو يلهثوا وهم يصعدون للأعلى! أما الاكتشاف الآخر الذي أثار لديها ما يكفي من الريبة تجاهه، فهو طاولة الطعام، التي كان إيشيغورو قد كتب عليها روايتيه السابقتين، والتي بدأ يشعر بشكلها والمواصفات التي تجعلها مهيأة لاستخدامها في الكتابة للمرة الأولى، ناهيك عن أغان وقصص أفلام تعود إلى السبعينيات اكتشف أنها مازالت تتردد في ذاكرته. في عزلته اكتشف إيشيغورو ما لم يلاحظ وجوده في حياته اليومية، ومن هذه الأشياء التي لاحظها بعين العزلة تألفت عناصر الجمال في روايته الإنسانية القابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، تقرأها، تقرأها، فيتسلل طعمها الإنساني إلى داخلك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©