الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرب والسلام··· على طريقة الجيش الأميركي

الحرب والسلام··· على طريقة الجيش الأميركي
9 مارس 2008 01:47
مائة سنة أخرى من وجود القوات الأميركية في العراق!! المتنافس الجمهوري في الانتخابات الرئاسية ''جون ماكين'' قال في يناير الماضي إنه لا يرى مشكلة في ذلك، غير أن ''ماكين'' -المعروف بحدة مزاجه- كان يبالغ في ما يبدو، حيث أوضح لاحقا أنه لا يقصد أنه توقع مائة عام أخرى من الحرب، وإنما أن القوات الأميركية قد تستمر في لعب دور مهم في العراق لسنوات عدة مقبلة بعد نهاية العمليات الحربية المباشرة· أتكرهون هذه الفكرة؟ ربما عليكم أن تتعودوا عليها، ذلك أن تصريحات ''ماكين'' تنسجم -من نواح عديدة- مع أحدث عقيدة للجيش الأميركي، فهذا الأسبوع، أصدر الجيش نسخة جديدة من ''المرشد الميداني للجيش'' -ضمن أول مراجعة منذ الحادي عشر من سبتمبر-، يقدم ''المرشد'' الجديد ما يسميه الجيش -وهو مؤسسة لا تميل إلى المبالغة- ''رحيلا ثوريا عن العقيدة السابقة''، وهكذا، فإذا كان للجيش منذ أكثر من 200 عام ''مهمتان جوهريتان'' هما الهجوم والدفاع، فإن ''المرشد الميداني للجيش'' يضيف إليهما ثالثة، وهي ''عمليات إرساء الاستقرار''، المعروفة لدى الجمهور ببناء الدول· أتتذكرون التسعينيات، حين أطلق ضباط الجيش المستاؤون حملة صامتة ضد قرار إدارة ''كلينتون'' القاضي بإرسالهم إلى ''هايتي'' والبوسنة وكوسوفو، وذلك على أساس أن مكان الجنود الحقيقيين هو ساحة المعركة من أجل خوض الحرب، وليس القيام بأعمال حفظ السلام أو الشرطة أو حراس السجن أو الإدارة المدنية؟ الواقع أن الأمور تغيرت اليوم· فقد غيرت هجمات الحادي عشر من سبتمبر وأفغانستان والعراق الكثير من الآراء والمواقف بخصوص قيمة ما كان الجيش يقلل من شأنه في وقت من الأوقات باعتباره ''عمليات غير الحرب''، إذ ساهم صعود ''القاعدة'' في إثبات أن الأشكال المتنوعة للبؤس الإنساني -الفقر، الفوضى، القمع، الصراع الأهلي- تمثل تربة خصبة ومثالية للتطرف والإرهاب· كما أكدت تجربتنا في أفغانستان والعراق على نحو مؤلم أن الفوز بالسلام مهم أهمية الفوز بالحرب، والواقع أن الجيش الأميركي كان دائما ممتازا في خوض الحروب، ففي العراق، على سبيل المثال، استغرقت هزيمة قوات ''صدام حسين'' العسكرية أقل من شهر، ولكننا جميعا نعلم ما حدث بعد ذلك· وبإضافة عملية إرساء الاستقرار باعتبارها واحدة من المهام الجوهرية الجديدة، تسعى النسخة الجديدة من ''المرشد الميداني للجيش'' لضمان عدم تكرار إخفاقات العراق، ولهذا الغرض، يستشرف الكتيب خوض قوات الجيش للقتال حيث تكون ثمة حاجة للقتال -على أن تعمل القوات أيضا كلما دعت الضرورة لذلك لضمان أمن المدنيين وتوفير ''إعادة إعمار البنى التحتية الملحة، والإغاثة الإنسانية، والمؤسسات السياسية والقانونية والاقتصادية التي تدعم الانتقال إلى الإدارة الحالية الشرعية''· وهكذا، يرتقب أن تدمَج عمليات إرساء الاستقرار ضمن مخططات الجيش وتدريباته على جميع المستويات، وأن تحدث عبر ''النطاق الكامل للنزاع''، أي أن هذه الأنشطة يمكن أن تكون وقائية (الهدف منها العمل على تجنيب بلد غير مستقر الانهيار)، أو أن تتم بموازاة مع الخوض التقليدي للحروب، أو أن تحدث بعد نهاية النزاع· لنتخيل! لو أن البيت الأبيض ووزارة الدفاع، نظرا إلى العراق وفق هذا المنظور منذ البداية، وسخَّرا الإمكانيات والموارد اللازمة على هذا الأساس، لأمكن إنقاذ الآلاف ثم الآلاف من أرواح المدنيين العراقيين، ولما استطاع المتمردون النجاح في مشاريعهم، ولما أمكن لـ''القاعدة'' ربما أن تحصل على موطئ قدم لها، ولكانت الولايات المتحدة قد كسبت عددا أكبر بكثير ربما في العالم اليوم· وبالتالي، فمرحبا بـ''المرشد الميداني للجيش'' الذي جاء في وقته، ولكن إليكم المشكلة: فعمليات إرساء الاستقرار تستغرق الكثير من الوقت، ربما أقل من 100 عام التي يتحدث عنها ''ماكين''، ولكن إذا كانت الولايات المتحدة جادة في أن تصبح عمليات فرض الاستقرار جزءا من المهمة الجوهرية للجيش، فإننا سنحتاج إلى جيش أكبر حجما، وسنرى تمديدا لمهمات الجنود في البؤر المضطربة التي سيرسلون إليها عبر العالم، ذلك أنك تستطيع أن تهزم جيشا عدوا في شهر، أما ''إرساء الاستقرار'' في بلد ما، فذاك شيء يحدث -في حال حدث أصلا- على مدى 10 سنين أو عشرين سنة، وليس 10 أسابيع أو 20 أسبوعا· الواقع أن ''المرشد الميداني للجيش'' يثير من الأسئلة قدر تلك التي يجيب عنها، فالجيش لا يمكنه أن ''يرسي الاستقرار'' في كل بلد مضطرب، وبالتالي، فكيف ستختار الولايات المتحدة الأولويات؟ وهل سيخلق انخراط الجيش في الأنشطة الإنسانية التقليدية أخطارا جديدة بالنسبة للمنظمات الإنسانية ومنظمات الإغاثة؟ وهل سينظر الآخرون في العالم إلى عمليات إرساء الاستقرار الأميركية باعتبارها لا تعدو أن تكون مجرد نوع جديد من أنواع الإمبريالية؟ ثم، هل ينبغي النظر إلى ''المرشد الميداني للجيش'' كتتمة لاتجاه مثير للقلق في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر نحو عسكرة السياسة الخارجية الأميركية؟ أم هل ينبغي النظر إليها كنوع من ''مدننة'' الجيش، على اعتبار أنه يقر أن الأمن الحقيقي للولايات المتحدة لا يمكن تحقيقه عبر القوة فحسب؟ ثم، ما هو الدور الذي سيلعبه المدنيون؟ يفترض أن وزارة الخارجية هي التي ''تنسق'' عمليات إرساء الاستقرار الأميركية، بما في ذلك تلك التي يقوم بها الجيش، غير أن ذلك يشبه القول إن فأرا يتولى تنسيق قطيع من قردة الغوريلا التي يفوق وزن كل واحد منها 360 كيلوجراما· وهل سيرصد الكونجرس التمويل اللازم لتطوير القدرة المدنية حتى تواكب قدرتنا العسكرية الكبيرة؟ الواقع أن الجيش لا يمكنه الإجابة على هذه الأسئلة بالطبع، فالكونجرس والرئيس المقبل هما من يتعين عليهما أن يجيبا عليها، ونأمل أن يأخذا الأمر على محمل الجد لأن 100 عام بدون أجوبة وقت طويل جدا! روزا بروكس كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©