الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أدب السائل و المسؤول

25 فبراير 2010 22:26
ليس هُناك أمرّ من الحاجة إلى الناس، فما أصعب حال السائل وهو يسأل، من إهدار كرامة وإراقة ماء الوجه، وقد عُرف عن العرب أدبهم في إجابة السائل، وأدبهم في السؤال. فالسائل يسأل بأدب جمٍ، وبمجرد التلميح إلى الحاجة يفهم المسؤول حاجته فيُلبيها دُون انتقاص لكرامة السائل، أو يعتذر عن الإجابة بكل أدب. يطلب الطالب طلبه دون أن يصرّح به صراحة حفظاً لماء الوجه، والاكتفاء بالتلميح، فالعرب أهل ذكاء وفصاحة، وقد روي أن امرأة وقفت على قيس بن سعد بن عبادة، فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان، قال: ما أحسن هذه الكناية! - املأوا لها بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمراً، فقد أحسنت السؤال بكنايتها، ونالت به الإحسان، يعززه قول قيس به سعد: ما أحسن هذه الكناية! الفقر عدو للإنسان يقهره، وأُثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله” عجبت للفقير كيف لايخرج شاهراً سيفه! ركب خالد بن عبدالله القسري في يوم شديد البرد كثير الغيم، فتعرض له رجل في الطريق، فقال له: ناشدتك الله إلاّ ضربتُ عُنقي فقال له: أكُفْرٌ بعد إيمان؟ قال: لا: قال: أفترغب عن طاعة الرحمن؟ قال: لا، قال: أفقتلتَ نفساً؟ قال: لا. قال: فما سبب ذلك، قال: لي خصم لَجوجٌ قد علق بي، ولزمني وقهرني، قال: من هو؟ قال: الفقر! قال: فَكم يكفيك لدفعه؟ قال: أربعة آلاف درهم، قال: إني مُـمدَك بأربعة آلاف درهم. ثم قال خالد: يا غلام ادفع له أربعة آلاف درهم، والتفتَ وقال: هل ربح أحد في التجار كربحي اليوم؟! قالوا: وكيف ذلك؟ قال: عزمت على أن أعطي هذا الرجل ثلاثين ألف درهم، فلما طلب أربعة آلاف درهم وفّر علي ستة وعشرين ألف درهم. فلما سمع الرجل ذلك منه قال: حاشاك وأعيذك بالله أن تربح على مؤمّلك، فقال: يا غلام أعطه ثلاثين ألفاً، ثم قال للرجل: اقبض المال، واذهب آمناً إلى خصمك، ومتى رجع يعارضك فاستنجدْ بنا عليه! وأتى رجل إلى علي بن سليمان، فقال له: بالذي أسبغ عليك هذه النعم، من غير شفيع كان لك إليه تفضلاً منه عليك - إلا أنصفتني من خصم، وأخذت الحق منه، فإنه ظَلومٌ غَشّوم لا يستحيي من كبير، ولا يلتفت إلى صغير، فقال له: أعلمني من هو؟ فإن ينصفك وإلا أخذتُ الذي فيه عيناه؟ من هو؟ فقال: الفقر، فأطرق إلى الأرض ملياً، ينكث الأرض بإصبعه ثم رفع رأسه، فأمر له بعشرة آلاف دينار، فأخذها ومضى فلما سار خارجاً، قال: ردّوه، فلما مثل بين يديه، قال: ياذا الرجل، سألتك بالله- متى أتاك خصمك متعففاً - إلا أتيتَ إلينا متظلماً. إسماعيل ديب esmaiel.hasan@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©