الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاتحاد الأوروبي والمنظور الأميركي

20 مارس 2016 21:58
بوريس جونسون، عمدة لندن وأحد أبرز الوجوه في الحملة المؤيدة لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قام مؤخراً بضربة استباقية ضد تدخل أميركي متوقع، حيث يعتزم الرئيس الأميركي باراك أوباما القيام بزيارة لبريطانيا قبل الاستفتاء المقرر في يونيو المقبل، وذلك لمساعدة رئيس الوزراء ديفيد كامرون وحكومته عبر التأكيد على أهمية وضرورة بقاء بريطانيا في الاتحاد. وكتب جونسون يقول: «إن وجهة النظر الأميركية واضحة جدا. فسيقول لنا الرئيس الأميركي إن عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد هي القرار الصائب بالنسبة لها ولأوروبا والولايات المتحدة.. لأن تلك هي الطريقة الوحيدة التي نستطيع أن نمارس بها تأثيراً في المحافل الدولية.. إنها حجة لا تخلو من وجاهة وتستحق النقاش، لكني أعتقد أنها تنطوي على مغالطة كبيرة، ولأنها صادرة عن العم سام، فإنها تعكس أيضا نفاقا كبيرا». والواقع أن جونسون محق بشأن النفاق، فالبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، ينطوي على تنازل كبير، ومتزايد على الأرجح، عن السيادة البريطانية للمؤسسات الأوروبية، بينما لا يمكن تصور أوباما أو أي رئيس أميركي آخر يفكر في أمر مماثل لأميركا، وبالتالي، فجونسون لا يبالغ عندما يقول إن الولايات المتحدة تدافع عن سيادتها بـ«يقظة تنم عن النفاق»، بينما ينظر الأميركيون إلى بواعث القلق البريطانية بشأن السيادة، باعتبارها غريبة وفي غير محلها. والواقع أنه حتى بالنسبة لبلد متوسط الحجم مثل بريطانيا، بل بالنسبة لبلدان أصغر منها بكثير، فإن السيادة ليست وهما أو خيالا، وعليه، فالسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل أوباما محق بشأن ما يصب في المصلحة الأميركية؟ وهل عضوية بريطانيا للاتحاد الأوروبي تجعلها حليفا أكثر قيمة وفائدة بالنسبة لأميركا؟ من الصعب الجزم بالجواب. لكن فيما يتعلق بالشؤون الدولية، تميل بريطانيا عادة إلى طريقة التفكير الأميركية أكثر منها إلى الطريقة الأوروبية، ليس بشأن السيادة فحسب، ولكن أيضا بشأن الزعامة الأميركية، والحاجة لدفاع وطني قوي، واستعمال القوة سعيا لتحقيق الأمن العالمي. ولعل وجهة نظر واشنطن حالياً تتمثل في أن المملكة المتحدة تستطيع خدمة المصالح الأميركية بطريقتين؛ أولا كحليف، وثانياً كناطق رسمي باسم الرؤية الأميركية للعالم داخل الاتحاد الأوروبي. فلماذا ترغب أميركا في رؤية هذا الدور الثاني يكبَح أو يقوَّض بانسحاب بريطانيا؟ على المدى القصير يبدو ذلك صحيحا: فحالياً، يمنح وجود بريطانيا ضمن الاتحاد الولايات المتحدة كلا الأمرين، لكن مع الوقت يُحتمل أن تتغير التزامات بريطانيا تجاه الاتحاد الأوروبي لأنها قد لا تقبل أن تكون جزءاً من «ولايات متحدة أوروبية»، وهو الحلم الذي يراود البعض في أوروبا. لكن مزيدا من التعاون، إما اختياراً أو بحكم الضرورة، يبدو محتملا، لاسيما في الشؤون الخارجية. وإلى ذلك، فإن مشاعر الموالاة لأميركا في بريطانيا ستبقى وتستمر على الأرجح، لكن قدرتها على التحرك والتصرف كحليف مستقل قد لا تظل كذلك، لأنه مع اتحاد سياسي كامل أو بدونه، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يكبح قدرة المملكة المتحدة على العمل مع الولايات المتحدة. وبالتالي، فالسؤال في هذه الحالة هو: ما الأفيد بالنسبة لأميركا: حليف عسكري موثوق متوسط الحجم، أم اتحاد أوروبي يميل قليلا إلى النظر للأشياء على النحو الذي تنظر به أميركا، نظراً للتأثير البريطاني؟ الواقع أن الميزان قد يرجح في أي الاتجاهين، لأن الكثير يتوقف على مدى الاعتقاد بأن البريطانيين مؤثرون في أوروبا. لكني لست متفائلا بخصوص هذه النقطة على اعتبار أن المشروع الأوروبي هو في الأصل ترجمة لرغبة أوروبية في الاستقلال عن الهيمنة الأميركية، وبالتالي فإن مقاومة المطالب البريطانية بهذا الشأن ستكون قوية على الأرجح. كما أشك في أن البريطانيين سيقبلون أن يكونوا جزءاً من اتحاد يتبنى شكلا أكبر وأقوى من أشكال الوحدة، أو أن الاتحاد سيكف عن إبداء استيائه من المطالب البريطانية ومقاومتها. وشخصيا، خلصتُ على مضض إلى أنه رغم كلفة السيادة المنقوصة، فإنه ينبغي على المملكة المتحدة أن تبقى ضمن الاتحاد، ليس لأن البريطانيين سيكفون عن التذمر والتشكي أو سيشعرون بالانتماء إلى القارة، ولكن لأن البديل للبقاء ضمن الاتحاد سيكون طلاقا باهظا جدا. ولئن كان من الصعب الجزم بشأن الخيار الذي يصب في المصلحة الأميركية، فإن جونسون محق بشأن شيء واحد على الأقل: إنه بوسع أوباما أن يبدي بعض التفهم تجاه البريطانيين وأفكارهم الأميركية حول السيادة. *محلل سياسي بريطاني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©