الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كيف ينقذ الشعر العالم؟

كيف ينقذ الشعر العالم؟
20 مارس 2016 22:31
أبوظبي (الاتحاد) في مناسبة اليوم العالمي للشعر الذي يصادف اليوم «الاثنين»، وجه حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب رسالة إلى الشعراء العرب بعنوان «كيف ينقذ الشعر العالم؟»، وهذا نصها: لا نملك صورة واحدة للشعر، كما لا نملك صورةً واحدة لأي شيء في العالم. العالم لا يتصارع على الأشياء والأفكار إنما على صورها في خياله. كيف نتصارع على شيء لا نتفق على صورته؟ هذا سؤال لا يسأله سوى الشعر، الشعرُ فقط «من» يقول ذلك، يقول: اتفقوا على الروح، واتركوا لكل امرئ أن يرتديها في الجسد الذي يناسبه. هكذا ينقذ الشعرُ العالم. عندما خرج الصبي من كوخه الصغير في نهاية العالم، خافت جدته وسألت: إلى أين أنت ذاهب يا أجمل أحلامي وأروعها؟ قال الفتى: أجوبُ الأرض، أزرع الأحلام. ولأن الجدة تعرف أن الفتى روح لا يمكن أسرُها أوصته: اترك الناس قبل أن يتركوك، لا تودعهم ولا تسجل لحظة الفراق؛ لأنك سوف تترك فيهم ما ينمو معهم إلى الأبد، وهكذا تظل مقيماً من دون أن تقيم. هكذا خاطبتْ الجدة الشعرَ قبل أن ينطلق من كوخه في أقصى الأرض عند نقطة التقائه بالسماء، ناثراً عطرَه في الأرجاء. لقد شممنا عطراً، ولكننا لا نستطيع أن نأسره، مرَّ من هنا، كان هنا... كان يشبهنا.. أبيض الوجه مثلنا، لا لقد كان أسمر البشرة كمن لفحته الشمس… مثلنا، مرَّ من هنا كان امرأة، بل كان رجلًا، ما قاله لا يقوله سوى الرجال، بل كانت أغنيته أغنية امرأة خبرت كيف تكون النساء، كان فلّاحاً، بل أظنه كان نبتة من شدة ما وصف كيف يجري النسغ في عروق النبات، كان حصاناً، كان أبي، بل فيه روح أمي، لعله زهرة، بل كان نخلة، إنه يجري كشلال، بل يترقرق كنهر، إنه جدول أو قناة، يحب الموسيقا، إنه يصنعها، بل كان صامتاً رغم أننا رقصنا على إيقاعه... هكذا هو الشعر يترك عطره أينما حل، لا جسد له سوى ما يحتويه، ولا بقاء له سوى في ما نقتنصه من عطره ونستلهم من روحه فيعيش بهما إلى الأبد لينقذنا من روائح الفساد وتسلق العفن. وما الذي فعله الشعر عبر تاريخه الطويل؟ يتساءل غافلٌ، ما الذي غيَّرته في الأرض تلك الكلماتُ الممزوجة بالعطر، الممسكة بأطراف الحلم، المازجة اللغةَ بالغيم، الناظرة إلى ما لا يراه الناس؟ ليست هذه صيغة السؤال. السؤال: كم يا تُرى خفّف الشعرُ من هذه القسوة التي تنزّ من جوانب الأرض؟ هل كنا تحملناها لولا أن الشعر لاطف قسوتها منذ بدايات التاريخ، وغافل سطوتها وفرّخ في نواحيها. من يعيد إلى المشهد بعض التوازن؟ هكذا يكون سؤال الشعر، يستكمل نواقصَ المادي بالمعنى، لا يساير البداهة في خداعها بالأُلفة. وهكذا ينبغي أن يكون سؤال الشعراء. وهكذا ينبغي أن يكون سعيُهم الدؤوب، تشويه وجه القبح في مرآته، وهل يُشوه القبحَ في مراياه سوى الجمال؟ هل يطعن الشرَّ إلا الخير؟ هل ينخس الغل في خاصرته سوى العطف؟ هل يفقأ عين الوقاحة سوى الخجل؟ الشعر هو الجمال والخير والعطف والخجل، الشعر هو النغمة التي تُصر على استلهام نوتة الكون كما نبتت في بذرة الأبد منذ الأزل، أو كما نتصوره، تدوزن أوتارها وتتقن عزفها حينما يأخذ النشازُ بمعازف الجميع. الشعر نغمة تعرف أنها -وحدها- حادية الكون إلى كينونته حينما تحين لحظة الإفاقة. هل يقف الشعر أمام أرقام المبيعات؟ هل يشعر بالخزي أمام كساد الدواوين في المتاجر؟ هل يتردد أمام عقود النشر والتوزيع وعزوف الناشرين عنه؟ هل يندب حظّه العاثر وانسحاب الأضواء عن عباءته ؟ هل يرقص فرِحاً بجائزة أو ببرنامج في الفضائيات؟ الشعر غني عن كل هذا، الشعر روح لها الفضاء كله، الشعر هو كل الجائزة. يكتب الشعراء لينقذوا أنفسهم من السقوط في هوة الفراغ، الفراغ الذي يجرد الكائنات من كينوناتها ويمسخها إلى أدوات، الشعر سلاح ضد المسخ، سلاح في يد الشاعر ليحمي ذاته ويمد مظلته لتحمي الآخرين من رذاذ التشيؤ المتساقط من سماء العولمة، والشركات العابرة للقارات، واقتصاد السلع والصفقات التي لا تستثني أحداً. الشعر مظلة باتساع المدى يرفعها الشعراء في وجه كل «داعش» يسقط من رحم الفراغ، في وجه كل سلطة تستمرئ سلطتها، في وجه كل عدم وعدمي، الشعر مظلة لمن يريد أن يستظل بفيئها بلا شروط سوى أن يريد. أيها الشعراء: أنصتوا للشعر وانقلوه للعالم. لا تنشغلوا بلون ولا صورة ولا جسد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©