الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابراهيم سند: كتاب يقرأه طفل قد يغيّر المستقبل

ابراهيم سند: كتاب يقرأه طفل قد يغيّر المستقبل
22 نوفمبر 2012
ربما تكون القّلة من بين الكتّاب الخليجيين والعرب قد تأثرت بالفعل بالنظريات النقدية الحديثة في مجال أدب الطفل، تلك النظريات التي تؤكد على احترام الذكاء الخاص للطفل وعلى الابتعاد عن الأساليب التقليدية التي تتكئ على التلقين والتحفيظ وانعدام النظر إلى أهمية الاكتساب الذاتي للمعرفة من قبل الطفل عبر دفعه إلى البحث عن أجوبة لأسئلة يطرحها على نفسه وعلى المحيط والمجال اللذين يحيا فيهما، فضلا عن تعزيز روح المبادرة التي تنشط مخيلة الطفل وترفع من مستوى ذكائه معا. كاتب القصة ابراهيم سند (البحرين) أصدر مؤخرا كتابا في هذا الحقل الابداعي: “أدب الطفل” بعنوان: “مدينة الزجاج” بعد عدد واسع من الكتب في الحقل نفسه، إنما أنتج كتابه الأخير هنا، ليس بناء على نظريات أو دراسات راهنة وحديثة فحسب، بل أيضا بالاتكاء على خبرة معايشة يومية لعالم الطفل وعبر تفاعل يومي لصيق وليس من خلال المراقبة والمتابعة. يدور الكتاب حول عالم الصغار ذاته وليس حول الغابة وحيواناتها كما بات الأمر تقليديا، متضمنا مسعى الكاتب ابراهيم سند لخلق شخصيات من الأطفال تمتاز بلحظات إيجابية وأخرى سلبية بحيث أن الصراع الأساسي في المتن السردي لا يتعلق بالعالم الخارجي بل بالعالم الجوّاني للطفل حيث لا مهرب إلى كليشيهات معدة سلفا يتم من خلالها تلقين الطفل بقيم وعادات في التفكير والسلوك تفتح الباب واسعا أمام الجيل السابق لإعادة إنتاج نفسه في جيل لاحق. ليس الحديث هنا عن “نظرية” خاصة بأدب الطفل، إبداعا ونقدا، بل إن الأمر، لدى ابراهيم سند، أقرب ما يكون إلى حقل تجريبي إبداعي. يطمح الرجل إلى طرق مناطق جديدة في أدب الطفل يبتعد عنها كثيرون، علما أن ما يقدمه ابراهيم سند في “مدينة الزجاج” قد سبقه إليه آخرون من الكتّاب العرب المتخصصين في هذا الحقل. “الاتحاد الثقافي” التقاه خلال إحدى زياراته لدبي وكان معه هذا الحوار: أسئلة وإجابات ? بدءا، لنتحدث عن الأسئلة الثقافية والفكرية التي دفعت إلى إنتاج هذا الكتاب بهذه الطريقة التي خرج بها وكيف يختلف عن الكتب التي سبقته؟ ? اسمح لي أن أقول أمرا. أتصوّر أن هذا الكتاب قد جاء نتاج فترة من التأمل بحيث أمكن لي من خلاله الاجابة عن بعض الأسئلة التي أعتقد بأنها هامة ويطرحها علينا عالم الإبداع الطفولي، علما أن هناك اكثر من منحى وتجربة تحاول الاقتراب من عقلية الطفل. اسمح لي أيضا أن أقول، إنني أسعى في كل كتاب أقدمه في هذا الحقل الابداعي أن أقدم مادة جديدة للطفل من ناحيتيْ الشكل والمضمون وكذلك لجهة الموضوع أو الرسالة التربوية، بحيث لا تقع هذه المادة في النمطية والتكرار سواء على صعيد ما قدمته سابقا أو على صعيد ما يقدمه الآخرون عبر تجاربهم في هذا النوع من الكتابة المتخصصة وشديدة الحساسية. في هذا الكتاب، أطرح تلك الأسئلة التي ما فتئ يرددها الصغار في عالمنا العربي إجمالا، وليس البحريني أو الخليجي فحسب. تنطلق هذه الأسئلة من علاقة الأطفال بالكبار. فالطفل ببراءة شديدة قد يسأل أمه: ما هو أسوأ سلوك لديّ؟ ثم يتوجه بهذا السؤال للمدرِّس وبعد ذلك إلى الأصدقاء، ومن ثمَّ إلى الجدّ الذي يمثّل الحكمة العائلية، لكن الطفل لا يصل إلى إجابة وافية تقنعه وتسهم في حلّ الاشتباك الذي يحتدم في داخله، ومن هنا تبدأ المغامرة ويبدأ الخيال في الانتعاش، فيعيش هذا الصغير تجربة مع آخرين هم رموز في عالم يتخيله ويتحدث عنه. لقد حاولت أن أشخِّص هذه الرموز في “مدينة الزجاج”، عبر الشخوص التي تتشكل منها لعبة الشطرنج: الملك والوزير والفيل والحصان والقلعة والجنود. كل شخصية هنا تتحدث على نحو فلسفي يمكن للطفل أن يتواصل معه دون تعقيد، فيتوصل إلى معنى لهذا الرمز ولموقعه ودوره على رقعة الشطرنج، حيث من المعلوم أن لعبة الشطرنج هي لعبة ذهنية بامتياز وتحفز العقل على التفكير والابداع بالإضافة إلى أنها في القصة تسهم في حلّ المشكلات عندما تقع في الحياة، أي عندما ينبغي على الطفل بطل القصة أن يعالج مشاكله بنفسه. وفضلا عن ذلك فإن الطفل، قبل ختام قصته، يتوجه إلى أمه بإعادة السؤال مرة أخرى: ما هو أفضل سلوك تجدينه لديّ؟ وهذا تحديدا ما أردت أن أرسمه للقارئ/ الطفل الذي هو قارئ ذكي بالفطرة، لأننا نتعامل مع أطفال هم على مستوى عال من الوعي والإدراك، ولذلك فلسنا بحاجة إلى التبسيط والسذاجة ولا إلى تكرار الموضوعات ذاتها المستهلكة والمتمثلة في الصراع بين الأخيار والأشرار في الغابة وسوى ذلك من التفاصيل التي باتت مملة الآن. ? إذا كان الأمر كذلك، فما هو شكل الصراع في “مدينة الزجاج”؟ ? إن الصراع الذي أتحدث عنه ومن خلاله هو صراع جوّاني أساسه تلك الأسئلة التي يطرحها الطفل على نفسه ولا يعرف الإجابة عليها يقينا. وللطفل/ القارئ الذي نقدم له المتعة والنصيحة غير المباشرة وكذلك الفائدة الاجتماعية التي تفيده أثناء سلوكه في حياته اليومية. بلا افتعال ? هل يمكنني القول بأنك تختار موضوع قصتك وشكلها من خلال علاقتك المباشرة بالطفل وعالمه؟ ? لأقل شيئا، ثمة اختلاف كبير بين الكاتب في حقل أدب الطفل والكاتب في الأدب عموما. فأعتقد أن على الكاتب في أدب الطفل أن يحبّ ويعشقه دون إكراه أو افتعال أو ادّعاء، وعليه أن يجد المتعة في علاقته مع الصغار سواء أكانوا في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع، فهذه العلاقة الايجابية هي التي توفّر له المجال الرحب لاختيار الموضوعات والأفكار والخيالات والصور التي ينشغل بها، الآن، عالم الصغار. عندما أكتب للأطفال، لا أتخيلني أبا أو أستاذا أو مرشدا، بل واحدا منهم؛ أعاني مما يعانون منه وأفرح بما يفرحون به وأتألم عندما يتألمون، وهو أمر يتطلب الغوص عميقا في جوانية الطفل لمعرفة التفاصيل التي تتشكل منها الأبعاد النفسية التي تتحكم بسلوكه. ? هذا عن المضمون، فماذا عن الشكل والكيفية التي يتم بها عرض الحكاية؟ ? ينبغي أن يتطابق الشكل كليّا مع المضمون، بمعنى أن يتم عرض المشكلة أو الحادثة بطريقة مبتكرة لجهة التعبير الإبداعي والشكل الفني المتمثل في الصور والرسومات المرافقة وما تتضمنه من أبعاد جمالية توفّر لعين الطفل تلك المتعة البصريّة التي تبقيه في حالة انجذاب تجاه القراءة والرغبة في المعرفة؛ أي أن يشعر القارئ/ الطفل أن الكاتب قد قام بصناعة هذه الحكاية من أجله هو فحسب، وهذا الإحساس هو العلاقة التي تربط الكاتب بقرّائه الأطفال وهو الطموح أيضا الذي يصبو إليه الكاتب مع كل إصدار جديد. وفي هذا السياق فإن أكثر ما يسعدني أن تصل إليّ أخبار من آباء وأمهات ومن معنيين بشأن الطفولة أن كتابا لي قد أحدث تغييرا ما في سلوك ابنهم وطريقة تفكيره، أو أن علاقة حميمة قد نشأت بين الطفل والكتاب، وأشير هنا إلى أن الإقبال الأكبر والمتزايد على الكتاب يأتي من قبل الصغار وليس الكبار لأنهم أكثر احتراما للعلم والمعرفة ولديهم نَهَم شديد لاكتسابهما. وقد لاحظت ذلك في مشهد معبِّر عندما يوقّع كاتب مؤلَّفا جديدا له في معرض للكتاب فكانوا الأكثر تقديرا للكاتب حدّ أنهم وقفوا في صفٍّ واحدٍ دون أن يطلب أحدٌ منهم ذلك بانتظار نسخة من الكتاب يوقعها الكاتب بنفسه، كانت فرحة بالنسبة لهم، وذلك على العكس تماما منّا نحن الكبار الذين لا نعترف بالنظام بل بالتجمهر فوق رأس الكاتب كما لو أنه خبّاز لحظة خروج الخبز من الفرن. ? هل أفهم من ذلك أنك تعلِّق أملا على الطفولة العربية الراهنة في حمل عبء القراءة؛ أي الوعي والمعرفة التي تفتقد إليها الأجيال اللاحقة؟ ? بالتأكيد. إن أملي في هذه الطفولة كبير، لكنْ علينا أنْ ننتبه إلى أنّ “الطفولة العربية” ما تزال تحتاج إلى المزيد من العناية والاهتمام وخاصة لجهة ما هو مرتبط بالتطورات التقنية المذهلة التي تصيب العالم كل يوم. إنّ انصراف الكتّاب عن تأليف الكتب المتخصصة بعالم الطفولة هو نهج خاطئ ونقص معرفي وثقافي بضرورة بناء الطفل من جديد وتحريره من أفكارنا المسبقة عنه، في حين نجد أن كبار الكتّاب في العالم يفخرون بأنهم قدمّوا للطفولة كتابا ما أو بذلوا جهدا في هذا الاتجاه بينما يجد كتّابنا المحترفون في ذلك تقليلا من شأنهم أو من مكانتهم الرفيعة عندما تكون رفيعة. عقلية مختلفة ? بودّي أنْ أسأل، أخيرا، هل يمكن لكتاب أن يجعل طفلا يكتب، في المستقبل، بما هو مختلف عن عقلية أبيه وبما هو مغاير للكتابة السائدة؟ ? إن الكتاب الذي يمكن له أن يُحدِث تغييرا هاما في عالم الطفولة، أي في الطريقة التي يفكّر بها المستقبل عندما يصبح حاضرا، هو الكتاب الذي يحمل رسالة تربوية ويتضمن أهمّ القِيَم والمفاهيم التي يؤمن بها المجتمع والتي سوف تشكّل تصورا لأفراد هذا المجتمع عن أنفسهم بوصفه أفرادا وبوصفهم مجتمعا متعدد الاتجاهات ومتنوعا بما هو عليه من تنوّع راهن سوف يكون فاعلا بشدة في المستقبل. لكن ما هو أساسي في هذا الكتاب أنه ينبغي أن يتوفر على التسلية وإحداث المتعة والبهجة للطفل، إذ أنه بعيدا عن ذلك من غير الممكن للكاتب أن يصل برسالته إلى جمهوره من الأطفال، مهما كانت رسالته هامّة وسامية، إذ أن ما علينا أن نأخذه في الاعتبار أن الطفل يحتاج إلى أن يستمتع ويتسلى ويتعلم، ويحتاج إلى أن يكون أكثر تفاؤلا بالحياة والمجتمع وكل ما يحيط به. وهنا، بودّي أن أشير إلى أن هناك مشكلة بادية للعيان وتتمثل في النقص الواضح في نوعية كتب الأطفال التي تُطبع في العالم العربي من ناحية الجودة والمضامين والإخراج الذي ما زال متواضعا بحيث أصبح الاقبال الأوسع على تلك الكتب القادمة إلينا من “عالم آخر ليس لنا” هو غالبا أوروبي أو متقدم. وعبر هذا المنبر أتوجه إلى المعنيين بالأمر بالقول: إن الحاجةَ شديدةٌ إلى وجود كتّاب متخصصين في شتى أنواع المعرفة التي يصبو الطفل إلى تلقيها وأيضا إلى متخصصين في الرسوم والإخراج وكذلك إلى دور نشر تستطيع إيصال هذه الكتب إلى الطفل العربي أينما وُجِد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©