الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أداة السحر..

أداة السحر..
22 نوفمبر 2012
صدر مؤخرا عن المركز الثقافي العربي (بيروت ـ الدار البيضاء) الترجمة العربية لكتاب: “الصورة: المكونات والتأويل” للباحث الفرنسي غي غوتيي بترجمة وتقديم الباحث والسيميائي المغربي الدكتور سعيد بنكراد الذي يرى أن هذا الكتاب هو بشكل من الأشكال إجابة وافية عن السؤال الذي طرحه بارث في الستينيات من القرن الماضي: كيف يأتي المعنى إلى الصورة؟. كما يُعدّ الكتاب برأي مترجمه مساهمة نوعية يمكن تقدير مردوديتها من خلال الأسئلة التي تطرحها لا استنادا إلى كميّة الأجوبة التي تُقدمها. “فلم يعُد مُمكنا أن يقف التحليل عند رصد دلالة الأشياء والكائنات وممكنات التأليف بينها، كما لم يعد إسقاط الحلول “اللسانية” كافيا للدفع بالصورة إلى تسليم كل مفاتيح قراءتها. لقد أصبح للمستوى التشكيلي دور هام يهدي، بطريقته ووفق قوانينه، إلى تلمس الدلالات المتنوعة في الصورة. إنه إحالة على كل ما يشير إلى الآثار التي تركتها الممارسة الإنسانية في المظاهر التي تحضر من خلالها الأشياء في العين والنظرة. ولا يمكن أن يكون موضوع الصورة “واقعا” مباشرا تدركه العين دون وسائط، فالمعطى موجود خارج الصورة وخارج العين التي تصوغها. إنها، على العكس من ذلك، تستثير، فيما وراء المرئي المباشر، سلسلة من الانفعالات التي تهرب من الملموس لتختبئ في الرمزي الذي يستعصي عادة على ضوابط العقل ومنطقه”. والكتاب ـ الذي جاء في 318 صفحة من القطع المتوسط ـ غنيّ بدراساته التي تتوقف عند الصورة وتُحلّلها لأن الصورة أداة للسحر أيضا إنها، امتلاك أبدي لموضوع عرضي (كائن أو شيء)، وهي بديل يمكن من خلاله التحكم في ما يدل عليه (تمزيق صورة شخص هو تعبير صريح عن عدوانية تجاهه). الصورة موضوعا للحلم وبرأي المترجم ومقدم الكتاب فإن الصورة في المقام الأول هي أداة تعبيرية، ولا تختلف في ذلك عن باقي أدوات التمثيل الرمزي التي يتوفر عليها الإنسان. ولكنها لا يمكن أن تنفصل أيضا عن كل العمليات التي تقود إلى استنساخ واقع أو إعادة إنتاجه أو التمويه عليه من خلال المضاف التقني، بما فيها صناعة المشهد والوضعة وزاوية الرؤية، بل قد يصل بها الوهم إلى التصريح بإمكانية استعادة هذا الواقع كما هو، استنادا إلى رؤية “وفية”، كما ألحت على ذلك كل التيارات “الواقعية” التي جاهدت لكي تجعل الصورة أداة للتعبير عن واقع ـ كما تراه ـ وترويضه وتوجيهه وفق غايات إيديولوجية مسبقة. ولكنها تُعد أيضا موضوعا للحلم (الحلم الفرويدي ونمط بنائه للمضمون الظاهر في علاقته بالمضمون الكامن)، أو موضوعا للاستيهامات التي تنزاح عن المألوف، وهي الصور التي تستقي مادتها من العجائبي والديني والوهم والعصاب وصور منبعثة من الداخل لا تحتكم لقوانين الفضاء والزمان. وهذا ما لامسه الكتاب في بعض فصوله (صور الشياطين والعفاريت، أو صور الأولياء الصالحين). لذلك، فإن التحليلات الواردة في هذا الكتاب تقود بالضرورة إلى استحضار مجمل القضايا التي أشار إليها المترجم في هذه المقدمة. فالكتاب يتوقف عند قضايا تبدو تقنية في الظاهر، لكنها تحيل في العمق على التصورات التي صاغتها الثقافة حول الفضاء والزمان والأشكال والألوان والخطوط، وكل العناصر التي تستعيدها الصورة من أجل بناء عوالمها الدلالية. فالمعنى في الصورة، وفي كل الأدوات التعبيرية البصرية يستند إلى معرفة سابقة، هي الدلالات التي منحتها الثقافة للأشياء وهيئات الإنسان وكذا عوالم التشكيل. إن الأمر يتعلق بدلالات مكتسبة تجاهد الصورة انتشالها، من خلال التمثيل التشخيصي، من بنيتها الأصلية وإدراجها ضمن بنية أخرى تمنحها خصوصية وتغني من أبعادها. التعبير الأيقوني كما توقف الكاتب مُطولا عند عنصرين يُعدان، في مجال التعبير البصري، دعامتين يمكن من خلالهما قراءة الصورة وتحديد طبيعة الفضاءات الممثلة داخلها، ويمكن أيضا من خلالهما تحديد تاريخ الصورة والتأثيرات التي كانت مصادرها الدين والثقافة والإيديولوجيا: العمق والمنظور. ولم يتوقف المؤلف عندهما لكي يحلل أبعادهما في التشخيص وإنتاج المعنى فقط، إنه فعل ذلك لكي يبرز الاختلافات الحضارية بين نمطين في التعاطي مع التعبير الأيقوني: تصور الشرق (الصين واليابان أساسا) الذي لا يكترث للمنظور ويتعامل مع العمق استنادا إلى تصنيفات اجتماعية تثمن الشخص المصور وفق انتمائه الاجتماعي لا استنادا إلى موقعه في الصورة؛ وتصور الحضارة الغربية التي تبنت المنظور وصاغت وفقه تصورها للفضاء والكائنات، واعتبرته معطى موضوعيا من طبيعة كونية. وبذلك كانت، كعادتها، تنتقل من المحلي إلى الكوني استنادا إلى هوس داخلها يميل إلى تعميم كل القوانين التي أفرزتها سياقاتها التاريخية والثقافية تلبية لحاجات محلية وفرضها بجميع الوسائل على الآخرين باعتبارها تنتمي إلى حقل “الكوني”، كما يقول المؤلف. لذلك، فإن حالة الصورة، كما حاولنا رسم بعض مفاصلها، تاريخها ووضعها وموقعها في الذاكرة والوجدان، تقتضي تحديد آليات اشتغالها وإنتاجها لمعانيها وطرقها في الإقناع والتضليل أيضا. فدراسة الصورة هي في واقع الأمر محاولة “للكشف عن السنن اللامرئية التي تتحكم في المرئي”، أي الكشف عما يحدد مجمل آليات التمثيل والنقل الفني من عالم الأشياء إلى عالم النظرة. وبعبارة أخرى، يجب تحديد الروابط الممكنة بين البصري والمرئي، أي بين الصورة وبين ما يلج عوالمها لا باعتباره تمثيلا لشيء، وإنما باعتباره أداة تعبيرية تقود إلى الكشف عن الدلالات لا عن وضع الأشياء. وهو ما قدم الكتاب في شأنه سبلا تحليلية ومقترحات نظرية، ومعرفة تخص مكونات الصورة، كما تخص الثقافة التي يجب أن يتوفر عليها القارئ لكي يكشف عن الوجه المخبأ في الصورة: الفضاء والزمان في مرحلة أولى (الجزء الأول)، ونظرة تاريخية تحليلية تحاول الاستفادة من العلوم المجاورة ومنها اللسانيات والأنتروبولوجيا والتحليل النفسي، والسميائيات في المقام الأول. الكتاب: الصورة/ المكونات والتأويل المؤلف: غي غوتيي المترجم: سعيد بنكراد الناشر: المركز الثقافي العربي الدار البيضاء ـ بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©