الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسة سيئة السمعة

سياسة سيئة السمعة
22 نوفمبر 2012
تعاني “الليبرالية” سوء السمعة في المجتمعات العربية، هي بنظر الكثيرين تدعو الى اللادينية أو تحارب الأديان، ويرد أنصارها بأنها ليست كذلك وانها تدعو ـ فقط ـ الى حماية الدين وتنزيهه عن الاستغلال والعبث من السياسيين في أمور السياسة اليومية، وتعني الليبرالية لدى آخرين فكرا غربيا مستوردا ارتبط بالاستعمار الأوروبي للمنطقة، وذلك ما يحاول كتاب “الليبرالية في تاريخ الفكر العربي” أن يفنده. المستعرب الألماني كليمانز ريكر المتخصص في الفلسفة السياسية العربية قام باعداد وتحرير الكتاب، الذي تقوم فكرته على أن الليبرالية ليست طارئة على الفكر العربي، فقد عرفت على نطاق واسع مع الاتجاه الى الاصلاح في القرن التاسع عشر. اختار ريكو عدة نصوص من اعمال ومقالات لكتاب ومفكرين عرب، تقوم هذه النصوص بتغطية جوانب الليبرالية، فيها السياسي والاقتصادي والتعليمي وغير ذلك، يلفت النظر هنا الى انه في المجال الاقتصادي والحديث عن الجباية أو الضريبة يتوقف المستعرب الالماني أمام عبدالرحمن بن خلدون ويستعين بأحد فصول المقدمة، ولعله قصد الاشارة الى أن الفكر الليبرالي له تاريخ في الثقافة العربية، لكن الأدق أن مطلب الحرية قديم قدم الانسانية ذاتها، والليبرالية تعني في قول واحد الحرية، انها مأخوذة من الأصل اللاتيني “ليبر” بمعنى “حر”. مفاجآت من مفاجآت هذا الكتاب انه يستعين بفصل من سلامة موسى يعود إلى كتابه الصادر سنة 1927 عن “حرية الفكر وأبطالها في التاريخ”، لم يكن سلامة موسى يعتبر نفسه ليبراليا ولا اعتبره الليبراليون كذلك، لأنه كان اشتراكيا وانتمى الى اتجاه اشتراكي انساني يعود الى جورج برنارد شو، لكن المؤلف ريكر اعتبره ليبراليا لأنه كان مناديا بالحرية ومدافعا عنها، في العديد من كتبه ودراساته، خاصة الحرية الفكرية وحق الكاتب والمفكر وكذلك العالم في ان يفكروا وأن يبحثوا بلا قيود من السياسيين ولا من المؤسسة الدينية. حين طالب رواد النهضة العربية بالحرية لم يكن أي منهم يسعى الى تقليد الغرب ولا الى جعل وطنه غربيا كان كل منهم يريد تحديث مجتمعه وبلده، انها “الحداثة” إذن، فضلا عن أن الحرية والليبرالية ليست منتجا غربيا، هي منتج إنساني من قديم الأزل، ولكن أوروبا الحديثة هي التي ركزت على هذا الجانب الانساني. وهكذا وجدنا الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي يحاول التأسيس للحرية في معظم أعماله، وكذلك خير الدين التونسي ثم الاستاذ الامام محمد عبده، مفتي الديار المصرية، وأحمد لطفي السيد وفرح أنطون وقاسم أمين بالاضافة الى عبدالرحمن الكواكبي وطه حسين، كل منهم تناول جانبا للحرية أو الليبرالية، هي عند الطهطاوي تعني اعتماد مؤسسات الدولة على الحرية الانسانية وهي لدى محمد عبده وفرح انطون تعني عدم تدخل المؤسسة الدينية في حرية الفرد، وان يترك له العنان للاجتهاد وللتفكير الحر الخلاق، أما لطفي السيد فكان مشغولا بالحريات المدنية والحرية الخاصة وذهب قاسم أمين الى حرية المرأة، مطالبا بها ومدافعا عنها، فالمجتمع لا يقوم على الرجل فقط، بل عليهما معا.. الرجل والمرأة. وتصدى عبدالرحمن الكواكبي الى الاستبداد والتسلط، هو السوري الذي هرب الى مصر من الاستبداد العثماني في مدينته حلب وفي بيروت، قدم كتابه “طبائع الاستبداد” الذي يعد وثيقة فكرية لرصد الفساد الذي يحدثه الاستبداد والمستبدون في كيان الانسان الفرد وفي بناء المجتمع، والاستبداد عنده سياسي واجتماعي وكذلك ديني ومذهبي ولابد من التصدي له على كافة المستويات. واختار طه حسين مجال التعليم معتبرا إياه حقا لكل انسان كالماء والهواء، وهو يرمز إلى التعبير عن حرية الانسان وحقه في مواجهة الجهل والمعرفة. تبرير برر عدد كبير من المفكرين العرب الحرية بالدين، اعتمادا على بديهية تقول ان الله خلق الانسان حرا وجعل الناس أحرارا ومن ثم فلا يجوز المساس بالانسان تحت أي مسمى، وعلى ذلك فإن كل استبداد وتسلط على الانسان أو قمع لحريته الفردية والعامة هو ضد الارادة والمشيئة الالهية، ولا يمكن انتزاع حرية الانسان، انها حريته الطبيعية، التي تسبق الحرية المدنية التي تعبر عنها الدساتير والقوانين، يقول لطفي السيد في مقال له سنة 1913: إن المرء يحفظ حرية الفكر وحرية المشاعر أي حريته الطبيعية حتى في غياهب السجن، يحفظها في كل حال هو عليها ما دامت روحه في جسده. انه خلق حرا، حر الارادة، حر الاختيار. برر عدد من المفكرين الحرية بالمنفعة، أولئك اصحاب المذهب النفعي، فالنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يقوم على الحرية ويعتبرها مذهبا له، هو اكثر نفعا لافراده وللوطن، إذ يطلق المبادرات الفردية ويدفع الى انتاج اكثر وأفضل من أي نظام آخر، ذلك ان المجتمع يتقدم عبر التعاملات السليمة بين افراده. يقول سلامة موسى بوضوح تام “لا يبرر الحرية الفكرية سوى منفعتها”. أما قاسم أمين فقد ركز كثيرا في كتابه “تحرير المرأة” على أن المرأة الحرة والمتعلمة تكون مفيدة ونافعة للمجتمع اكثر، لأنها تربي وتعلم ابناءها جيدا وتبنى أسرة نافعة ومترابطة. ولعل الاساءة الكبرى في المجتمع العربي الى الحرية والليبرالية جاءت من الاستعمار الأوربي، لقد رفع المستعمرون شعارات الحرية وبرروا ما يقومون به من استعمار واحتلال للبلدان العربية بأنهم يهدفون الى نشر الحرية، ومن ثم ارتبطت -لدى العرب- الحرية بالتدخل الاجنبي في بلادهم. لكن تبقى الحرية مطلبا طبيعيا وانسانيا بغض النظر عما تقوله أو تفعله الحكومات. الكتاب: الليبرالية في تاريخ الفكر العربي تحرير: كليمانز ريكر الناشر: مركز المحروسة للنشر 2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©