الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سيرة مثيرة رقمها «007»

سيرة مثيرة رقمها «007»
22 نوفمبر 2012
تكاد شخصيّة البطل السينمائي "جميس بوند 007" تصبح أسطورة، فملايين المشاهدين حول العالم الذين استمتعوا بمشاهدة سلسلة أفلام الجاسوس البريطاني يظنون أن البطل هو شخصية سينمائية في حين أن شخصية جيمس بوند ولدت أوّلا في الروايات البوليسية ثمّ انتقلت بعد ذلك إلى السينما، فهذه الشخصيّة مقتبسة من روايات الكاتب البريطاني أيان فليمينغ Ian Fleming، الذي استمد أحداث قصصه البوليسية المثيرة من تجربته الشخصية عندما عمل جاسوسا خلال الحرب لفائدة بلاده. وقد احتفلت انجلترا منذ أربعة أعوام بمرور قرن على ميلاد فليمينغ الذي ولد في 28 مايو 1908. الرواية البوليسية هي أكثر الأصناف الأدبية اعتمادا على الخيال، والبناء القصصي فيها يخضع لتقنية خاصة من حيث اختيار الكلمات وتطور الأحداث المثيرة للتشويق. والكلمات في الروايات البوليسية هي أقوى وأهم من الأفكار، لذلك جاءت السيناريوهات المشتقة من الكتب مشوقة وممتعة في بنائها الدرامي وتسلسل أحدثها وفي لغة الحوار فيها أيضا. وقد اشتهرت روايات جيمس بوند بعد الحرب العالمية الثانية، لأنها منحت الناس المتعبين من الحرب فرصة للهروب والإبحار الى بلدان جميلة وبعيدة لا إمكانية لهم لزيارتها في الحقيقة، لذلك فرن مثل تلك الأفلام كانت تغذي لديهم الحلم. وأوّل مرّة ظهر جميس بوند في السينما كان عام 1962، ففي صيف ذلك العام، اجتمع في لندن المنتج والمخرج وقرّرا معا إعداد أوّل فيلم من أفلام الجوسسة بطلها جميس بوند 007، وفعلا خرج الفيلم للجمهور وهو يحمل عنوان “جميس بوند ضدّ الدكتور نو” وهكذا انطلقت سلسلة الأفلام البوليسية الشهيرة. ومنذ الفيلم الأول “الدكتور نو” تميزت أفلام السلسلة بسرعة الحركة وكثرة الأحداث. والفيلم كان من بطولة الحسناء أرسولا أندروس والممثل الوسيم شين كونري الذي كان أوّل من تقمص دور الجاسوس البريطاني الذي يكرّس ذكاءه وقدراته وقوة جسده وحضور بديهته وخبثه في خدمة مصالح وطنه مهما كلفه الأمر من مخاطر ومغامرات.. ولم يكن اختيار شين كونري أمرا هيّنا، فهذا الممثل كان مغمورا، وقد تردّد المنتج طويلا أمام أسماء العديد من النجوم فأحدهم رفض الدور بلا سبب، والثاني رفضه لأنّه “بارد”، والثالث لأنه لا يتوافق مع طبيعته. وفي الأخير كان الاختيار موفقا. والملفت أن انطلاق السلسلة لم يكن يسيرا، فقد تمت مناقشة كلّ الجزئيات وكان الحرص شديدا على أدقها كملابس البطل مثلا، وقد تم اختيار الممثلة أرسولا أندروس وكانت وقتها في السادسة والعشرين من عمرها وقد كان اختيارا موفقا أيضا، خصوصا أنها ظهرت في العديد من مشاهد الفيلم البحر، وهو ما اعتبر تجديدا وقتها، فالمجتمع في الستينات كان محافظا نسبيّا ولكن المنتجين والمخرج حرصوا على أن يغلب الإيحاء على المشاهد بدلا من للتصريح. وقد استفاد الروائي أيان فليمينغ من تحويل رواياته إلى أفلام، وارتفعت أسهم كتبه وغنم منها ثروة، وقد كلّف محاميا لمتابعة حقوقه المالية ودخل في خلافات أحيانا مع بعض المخرجين لأسباب مالية. ..وهكذا أطلقت السلسلة سربا من النساء جميلات، والأسلحة المثيرة المدمرة، والحيل الجاسوسية الغامضة، والديكورات المبهرة، في سياق حركة لا تنتهي. ولما انتبه المنتجون إلى نجاح أول أفلام السلسلة أطلقوا على الممثل الوسيم القوي الذكي لقب “الياقوتة الخام”، واعتمد المخرج تقنية السرعة المفرطة في الحركة، ففي الأفلام السابقة كان المخرجون في تصويرهم لممثل يؤدي دورا ما يتولون إظهاره مثلا عند خروجه من بيته نحو سيارته الرابضة أمام البيت، من خلال عين كاميرا تتابع خطواته واحدة فواحدة حتى يصل إلى السيارة، ويفتح بابها، ويجلس خلف المقود، ومن ثم ينطلق. مع جيمس بوند اختلفت المسألة، فقد اختصر المخرج تيرنس يونغ مراحل الحركة، فأظهر البطل في اللقطة الأولى في البيت وفي اللقطة الثانية يظهره وهو جالس أمام مقود سيارته.. وقد انعكس ذلك على المشاهد الذي راح يتتبع تطور الحدث بلا ملل وبانتباه يضاهي سرعة الشريط السينمائي. وقد لاقى الفيلم الأول ضمن السلسلة نجاحا باهرا، وتقول الإحصائيات إن عدد من شاهد فيلم “جيمس بوند ضد الدكتور نو” منذ خروجه للناس أول مرة عام 1962 وإلى اليوم بلغ أربعة مليارات مشاهد. واليوم وبمناسبة احتفال العالم بمرور نصف قرن على ابتداع هذه الشخصية السينمائية الناجحة، فإن نقاد السينما أجمعوا على القول إن سر نجاح هذه السلسلة هو أولا المخرج الذي يجعل المشاهد يلهث وهو يتابع الأحداث المشوقة، بالإضافة إلى الإثارة، ومن ثم عنصر “المعارك” والمواجهات التي يخوضها الجاسوس البريطاني ضدّّ “أعدائه” وكل من يريد الإيقاع به، فهو بطل لا يقهر وحتى وان ظهر في لقطات وهو يكاد يهزم فإنه في النهاية يخرج دائما منتصرا ظافرا بفضل دهائه وقوته معا. والمعروف إن روايات أيان فليمينغ التي تمّ الاعتماد عليها في إعداد السلسلة الأولى من هذه الأفلام بدأت تظهر للقراء منذ عام 1953، وبعد انفراد الممثل البريطاني الشهير شين كونري ببطولة السلسلة الأولى من أفلام جيمس بوند، فإن المخرجين الذين تتالوا واحدا بعد آخر على اخراج هذه الافلام سعوا الى ايجاد ممثلين آخرين للتنويع وكسب مزيد من المشاهدين، وقد تتالى على أداء دور البطل جيمس بوند نجوم كبار بعد شين كونري، منهم: روجر مور في فيلم “عش وأترك الآخرين يموتون” وكان هذا عام 1973، ثمّ وفي عام 1987 تقمص دور الجاسوس 007 الممثل تيموتي دلتن في فيلم عنوانه “أن تقتل ليس أن تلعب”، كما تمّ عام 1995 إسناد الدور البطل إلى الممثل بيتر بروسمان في فيلم “العيون الذهبية”، وفي عام 2006 إختار المخرج الممثل دانييل كريغ لبطولة فيلم “الكازينو الملكي”. ومنذ بداية السلسلة فقد تم الاعتماد على تسع قصص مختلفة واثنتي عشرة رواية، أما عدد الأفلام المنجزة في السلسلة فقد بلغ حتى الآن 45 شريطا سينمائيا، حصدت على ما يزيد عن خمسة مليارات دولار. ولعلّ أهمّ سمة في شخصيّة بطل السلسلة الشهيرة إنّه رجل لا يرحم مهما كانت الظروف والملابسات، ففي أول فيلم للسلسة أي “جميس بوند ضدّ الدكتور نو” فإن البطل يقتل أعداءه بدم بارد دون تردّد أو شعور بالذنب، فهو يغتال كل من يمثل عقبة في طريق نجاح مهته الجاسوسية ويمضي فالعنف هو المناخ الطاغي على كل أفلام هذه السلسلة، وإذا اقترن العنف بالقسوة في جل ردهات الفيلم فإنّ المتفرّج تقطع أنفاسه وهذا هو الهدف المنشود، أما التوابل التي جعلت هذا الطبق شهيّا اكثر فهي كثرة الحسناوات في هذه السلسلة،.. ثمّ وهذا مهم أيضا فالحركة تدور دائما في ديكور مبهر وأماكن خلابة من العالم ممّا يغذي خيال المشاهد ويشدّه شدّا إلى متابعة الأحداث المتلاحقة. وحتى يكتمل الطبق الشهي ومع وجود شخصيات رجالية ونسائية جذابة ومغرية فلا بدّ أيضا في هذه الأفلام من توفر عنصر آخر يتمثل في السيارات الفارهة والتي تنطلق في سرعتها كالبرق، يضاف إلى كل ذلك عنصر الموسيقى التصويرية التعبيرية المرافقة للحركة، حيث يتم إنجازها بحرفيّة عالية لتكون في كل مقطع مواتيّة للحركة. هذه هي “الروشتة” التي لا بدّ من توفّر كل عناصرها في سلسلة أفلام جيمس بوند التي عرفت نجاحا جماهيريا منقطع النظير، مما دفع بعض كبار المنتجين الأميركيين إلى الانضمام إلى السلسلة والمشاركة في إنتاجها حتى أن البعض منهم فتح مكاتب له في لندن خصيصا لهذا الغرض. ومن أفلام السلسلة الأخيرة، اختيرت رواية “انتصار الشيطان” sebastien faulks ليصنع منها فيلكا جديدا عام 2008، وتدور أحداثه عام1967. وكان اللافت أن البطل في هذه الرواية البوليسية ليس شابا مثلما تعود الناس بل إن السنين تركت بصماتها على ملامحه، وهو أرمل ويعاني من الضغط النفسي وطبعا هو كسائر أبطال الروايات البوليسية يحب النساء وهو قوي أمام الأعداء ضعيف أمام الحسان. ويقوم في الفيلم بمهمة بحث عن تاجر مخدرات، ويلتقي أثناء مهمته بعميل سابق في المخابرات الأميركية (سي. آي. إيه). والأحداث تدور في باريس وليننغراد والصحراء الأفغانية، والجاسوس في هذه الرواية يطوف بين كثير من الدول ويسكن بأفخم وأغلى الفنادق ويصطاد ويرافق أجمل النساء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©